الدورة الثانية للمجلس الوطني للشبيبة الاتحادية: محطة لرسم معالم التعاقد الجديد وتحديد أولويات المستقبل

محمد السوعلي(*)

 

 

يشكل الشباب المغربي قاعدة ديموغرافية عريضة تمثل أكثر من 30% من السكان، مما يجعلهم عنصراً محورياً في التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. يتمتع هذا الجيل بقدرات تؤهله للمساهمة في الاقتصاد وتوفير قوة عمل مستقبلية، إلا أن تحديات مثل التعليم، التوظيف، الصحة، والمشاركة السياسية تعترض طريقه.
الشبيبة الاتحادية تدرك أهمية هذه الفئة ودورها كقوة حية في المجتمع، لكنها تشير إلى أن السياسات العمومية الحالية، التي تتسم بعدم الوضوح في توجهاتها بين الليبرالية والاجتماعية، تفشل في تلبية احتياجات الشباب واستثمار إمكاناتهم. وتُعد أحداث الفنيدق مثالاً واضحاً على إخفاق الحكومة في مراجعة اختياراتها وسياساتها.
هذا الإهمال يؤدي إلى تعقيد أزمة الشباب المغربي، ما يستدعي مراجعة جذرية للسياسات الوطنية ووضع الشباب في صدارة الاهتمامات لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
متطلبات وانتظارات الشباب المغربي
يطمح الشباب المغربي إلى تعليم عالي الجودة يؤهلهم لسوق العمل، وفرص عمل تحقق الاستقرار المالي والاجتماعي، إضافة إلى تحسين جودة الحياة من خلال توفير مساحات ثقافية ورياضية. إلا أنهم يواجهون تحديات كارتفاع معدلات البطالة وضعف جودة التعليم والتكوين المهني، وعدم توافق المهارات المكتسبة مع احتياجات سوق العمل. كما يعانون من إحباط اجتماعي ونفسي نتيجة نقص الفرص لتحقيق طموحاتهم، ما يتطلب تدخلات جادة لتحسين أوضاعهم وتلبية تطلعاتهم.
الشباب المغربي بين تطلعات مشروعة وقانون مالية 2025 غير منصف
أمام غياب اهتمام حقيقي باحتياجات الشباب المغربي، يعكس مشروع قانون المالية لسنة 2025 استمرار الحكومة في تبني سياسات اقتصادية واجتماعية بعيدة عن طموحاتهم. فبدلاً من التركيز على تحسين التعليم، توفير فرص العمل، وتعزيز القطاعات الحيوية كالصحة والتشغيل، يظهر المشروع افتقاراً للرؤية والإرادة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
ورغم الشعارات المرفوعة حول الدولة الاجتماعية، فإن القانون يعمق الهوة بين الحكومة والشباب، من خلال اختيارات اقتصادية تخدم مصالح فئات محدودة على حساب الأغلبية. كما أن غياب استراتيجيات واضحة لمعالجة ارتفاع الأسعار والتضخم يضاعف من الأزمات التي تؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية والعيش الكريم.
لقد أظهرت البرامج الحكومية السابقة، مثل “انطلاقة” و”أوراش»، محدودية في التأثير وافتقاراً للفعالية، مما يستدعي إعادة النظر في كيفية صياغة وتنفيذ هذه المبادرات. ومن الضروري أن تستجيب الحكومة لتوجيهات جلالة الملك، من خلال وضع خطط جادة تستهدف الشباب، خاصة المقاولين منهم، وتشجع ريادة الأعمال في إطار بيئة محفزة وداعمة.
مشروع قانون المالية لسنة 2025 يعكس واقعاً مقلقاً، إذ يعزز السياسات التي تزيد الفوارق الاجتماعية ويبعد البلاد عن مسار التنمية المتوازنة. في هذا السياق، جاء موقف المعارضة الاتحادية بمجلس النواب رافضاً لهذا المشروع، حيث اعتبرت أن السياسات المقترحة فيه تتجاهل احتياجات الشباب والمواطنين عموماً، وتفتقر لأي آليات حقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية. هذا الموقف النقدي الصارم يعكس إصرار المعارضة الاتحادية، وعلى رأسها الشبيبة الاتحادية، على الدعوة إلى سياسات بديلة تعيد الشباب إلى قلب الأولويات الوطنية، وتضمن لهم الفرصة للمساهمة الفعالة في بناء مستقبل المغرب، بعيداً عن الشعارات التي لا تجد طريقها إلى التطبيق.
الشبيبة الاتحادية: تعاقد جديد والتزام متجدد لتحقيق تطلعات الشباب المغربي
في ظل طموح المغرب للتغيير وتجديد طرق تدبير الشأن العام، تبرز الشبيبة الاتحادية كركيزة أساسية لتحقيق هذا التغيير المنشود. ومع تصاعد التحديات والنقاش حول إخفاقات السياسات العمومية وتراجع تفعيل الدولة الاجتماعية، تبرز ضرورة مشاركة فعالة تتجاوز الأطر السياسية الضيقة والمصالح الانتخابية.
تتحمل الشبيبة الاتحادية اليوم مسؤولية كبيرة تجاه تطلعات الشعب المغربي لسياسات جديدة ومقاربات مبتكرة تعزز العدالة الاجتماعية وتدعم الفئات الضعيفة والمهمشة. هذه الرغبة في التغيير تتطلب منها تكثيف الجهود لطرح مبادرات فعالة تساهم في تحسين السياسات العمومية وإعادة الأمل بمستقبل أفضل.
تتطلب المرحلة الراهنة التركيز على دور الشبيبة الاتحادية التوعوي والتعبوي، والعمل على إيصال صوت الشباب المغربي الطامح لتحسينات ملموسة في الخدمات العامة، والتعليم، والصحة، والتنمية المحلية. هذه المطالب تحفز على تبني حلول واقعية ومستدامة تتجاوز الشعارات وتنتقل نحو التنفيذ الفعلي لبرامج تلبي مصالح الشعب وتحقق طموحاته.
وفي هذا السياق، يجب أن تبقى الشبيبة الاتحادية وفية لقيمها الاشتراكية، وتتقرب من قضايا المواطنين اليومية لتعزيز الثقة والمساهمة في إحداث تغيير حقيقي يؤثر إيجاباً في حياة الناس. عليها أيضًا أن تترجم مفاهيم المواطنة والمشاركة السياسية عبر برامجها وأنشطتها، لتكون نموذجًا يُحتذى به للشباب المغربي المسؤول والقادر على قيادة التغيير وتحقيق تطلعات المجتمع، مع تكريس روح الالتزام والإبداع والانفتاح.
الشبيبة الاتحادية: شبيبة قادرة وملتزمة ومسؤولة
تتميز الشبيبة الاتحادية بقدرات فكرية ومعرفية عالية تُمكّنها من تحليل القضايا الوطنية والدولية بعمق، مما يتيح لها تقديم حلول مبتكرة وفعالة تلبي تطلعات الشباب. وانطلاقًا من التزامها القوي بالقيم الاشتراكية، تعكس الشبيبة الاتحادية إيمانها العميق بقيم العدالة الاجتماعية والمساواة، وتعمل باستمرار على الدفاع عن حقوق الشباب وحمايتهم من التهميش. يظهر هذا الالتزام جليًا في برامجها التكوينية وأنشطتها التوعوية التي تهدف إلى تكوين جيل من الشباب الواعي والمسؤول، القادر على المساهمة بفعالية في إدارة الشأن العام وتحمل مسؤولياته الوطنية.
الشبيبة الاتحادية: شبيبة متنورة وخلاقة ومتجددة لخدمة المجتمع
تجسد الشبيبة الاتحادية التزاماً عميقاً بقيم العدالة الاجتماعية والتنوير الفكري والانفتاح، حيث تعمل على نشر الوعي وتعزيز التفكير النقدي والإبداعي بين الشباب المغربي. من خلال أنشطتها المتنوعة، تسعى لتوفير فضاءات للحوار والابتكار، مما يعزز قدرتها على الاستجابة لتطلعات الشباب المتغيرة ومواجهة التحديات الحديثة بمرونة.
تشكل الشبيبة الاتحادية ركيزة أساسية في البناء السياسي والاجتماعي، حيث تسهم في إعداد جيل واعٍ ومسؤول يدعم قضايا الحزب ويساهم في تعزيز حضوره الوطني والدولي. كما تلعب دوراً دبلوماسياً في الدفاع عن قضايا المغرب في المحافل الدولية، مما يبرز تأثيرها في تعزيز صورة البلاد.
ومع انعقاد المجلس الوطني للشبيبة الاتحادية، يتطلع الشباب المغربي إلى مخرجاته، لما لها من انعكاسات على قضاياهم وتوجهات الحزب المستقبلية. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية التنظيمات الموازية، مثل الشبيبة والقطاع النسائي والنقابي، كروافد تدعم الحزب داخلياً وخارجياً، مما يعزز قدرته على مواجهة التحديات والتعبير عن طموحات الشعب المغربي بفعالية أكبر.
الدورة الثانية للمجلس الوطني للشبيبة الاتحادية: محطة لتعزيز التوجهات الحزبية ورسم معالم التعاقد الجديد وخطوة نحو الانسجام والتجديد بين مكونات الحزب
انعقدت الدورة الثانية للمجلس الوطني للشبيبة الاتحادية كمنصة لتعزيز دورها الاستراتيجي في بلورة توجهات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ركزت الدورة على «رسم معالم التعاقد الجديد» لتعزيز الانسجام بين القيادة وأعضاء الشبيبة، من خلال صياغة رؤية مشتركة تُراعي التحديات الراهنة ووضع خطة عمل تخدم أهداف الحزب المستقبلية.
في كلمته التوجيهية، أكد الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، أن التعاقد الجديد يمثل خطوة نحو التجديد، توازن بين الالتزام بمبادئ الحزب والانفتاح على الديناميكيات الجديدة. كما دعا الشبيبة إلى دور فعال في تعزيز العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، مشددًا على أهمية مشاركة الشباب في الحياة السياسية ومواجهة تحديات البطالة والتفاوتات الاجتماعية بسياسات مبتكرة.
اختُتم المجلس ببيان ختامي تناول قضايا وطنية ودولية، مع توصيات ركزت على تمكين الشباب سياسيًا ومؤسساتيًا، وإطلاق برامج لدعم التعليم والتكوين المهني للحد من البطالة. كما دعا البيان إلى تحقيق العدالة المجالية من خلال استثمارات متوازنة وتنمية المناطق المهمشة، وتعزيز الحضور المغربي دوليًا عبر شراكات شبابية.
على المستوى الاجتماعي، شدد البيان على متابعة ورش الحماية الاجتماعية لتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، كجزء من تعزيز الدولة الاجتماعية. جاءت هذه الدورة كتأكيد على التزام الشبيبة الاتحادية بموقعها كقوة اقتراحية تساهم في تحقيق رؤية الحزب لبناء مغرب أكثر عدالة وإنصافًا، متماشية مع تطلعات الشعب المغربي والتوجيهات الملكية.
(*)عضو اللجنة الوطنية للتحكيم والاخلاقيات

الكاتب : محمد السوعلي(*) - بتاريخ : 20/11/2024