الدور الإرهابي الكبير لنظام الكابرانات!
إسماعيل الحلوتي
لم يمض كثير من الوقت على شن عبد الله مايغا وزير الدولة المتحدث باسم الحكومة المالية هجوما لاذعا على الجزائر ودبلوماسييها خلال كلمة ألقاها في شتنبر 2024بمناسبة الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، متهما إياها بإيواء الإرهابيين والمتمردين وتوفير الحماية اللازمة لهم.ولا على ذلك البيان الناري الصادر عن الشؤون الخارجية والتعاون الدولي لذات الجمهورية المالية، تتهم فيه الجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية ودعم الجماعات الإرهابية لمحاولة زعزعة استقرارها ومنطقة الساحل برمتها. ثم فتح السلطات الجزائرية باب الصراع مع كل من تركيا وسوريا، من خلال دعم التنظيمات الانفصالية التي تمثل الأكراد في البلدين… حتى قامت السلطات الفرنسية بحملة اعتقالات ضد «مؤثرين» جزائريين، يحظون بمتابعة واسعة على منصة «تيك توك»، ممن بدا أنهم تلقوا إشارة من المخابرات الجزائرية وما تضمنه خطاب الرئيس عبد المجيد تبون من أفكار مسمومة أمام البرلمان، يوم الأحد 29 دجنبر 2024، في ظل التوترات السياسية المتصاعدة بين باريس والجزائر، قصد الانخراط في عمليات الترهيب والتحريض على أعمال العنف وإطلاق النار على معارضي النظام الجزائري المقيمين في فرنسا والجزائر أيضا، وخاصة إذا ما تظاهروا خلال احتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة للمطالبة بإسقاط النظام العسكري الجزائري. وقد حدث ذلك إثر انتشار هاشتاغ «مانيش راضي» الذي أطلقه نشطاء جزائريون، للتعبير عن حجم السخط السائد في أوساط الشعب، والتنديد بما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من ترد رهيب، والمطالبة بضرورة إسقاط حكم العسكر الذي عمر طويلا منذ عام 1962، لإقامة دولة مدنية ديمقراطية، ومباشرة بعد أن أكد الرئيس تبون في خطابه أن «الاستعمار الفرنسي ترك الخراب، وعليهم الاعتراف بتقتيل وذبح الجزائريين، أولئك الذين يدعون الحضارة ويفتخرون بسلب جماجم على أنها غنائم».
فعلى خلفية توقيف السلطات الفرنسية لعدد من»المؤثرين» الجزائريين، بسبب تورطهم في نشر محتوى يحرض على ممارسة العنف فوق التراب الفرنسي بالخصوص، ويدعو إلى حرق وتصفية معارضين ومنفيين جزائريين، يرى أحد النشطاء السياسيين الجزائريين من المعارضين البارزين لنظام بلاده، الذي كان ضمن المستهدفين من دعوات التصفية الجسدية، أن الأمر لا يتعلق بحالات منعزلة، وإنما هي حملة ترهيب ممنهجة، أطلقها النظام الجزائري ضد فرنسا، بسبب موقفها من عديد القضايا الإقليمية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، ويضيف ذات المعارض الذي اضطر إلى طلب حق اللجوء السياسي بفرنسا هروبا من انتقام «الكابرانات» بعد حراك عام2019، أن الموقف الفرنسي الداعم للوحدة الترابية للملكة المغربية، أحدث زلزالا داخل النظام الجزائري، الذي أطلق أبواقه الإعلامية وذبابه الإلكتروني، خاصة في صفوف الجالية الجزائرية في فرنسا، بهدف تغذية خطاب العنف والكراهية، وإطلاق تهديداته ضد معارضي سياساته الفاشلة.
من هنا يتضح جليا أن حملة الترهيب والتهديد الممنهجة التي قادها «مدونون» جزائريون فوق التراب الفرنسي ضد نشطاء سياسيين معارضين، وخاصة منهم الذين لا يكفون عن انتقاد سياسات «الكابرانات» ومواقفهم العدائية تجاه المغرب وفرنسا تحديدا، أن الحكام في قصر المرادية لا يتصرفون بمنطق الدولة، وإنما بمنطق العصابات الإجرامية الخطيرة. وقد ارتفعت درجة سعارهم فور ظهور هاشتاغ «مانيش راضي»، خاصة أنهم يدركون جيدا حقيقة الوضع الداخلي المتأزم، بعدما أصبح المواطنون الجزائريون بمختلف شرائحهم الاجتماعية يعيشون على صفيح ساخن من الغضب، مما ينذر بقرب انفجار الأوضاع، على غرار ما حدث في سوريا، التي اضطر رئيسها المجرم والدكتاتور بشار الأسد الحليف الأكبر للنظام العسكري الجزائري إلى الفرار نحو روسيا فجر يوم الأحد 8 دجنبر 2024
فالنظام العسكري الجزائري فضلا عما اعتاد عليه من اقتيات على نظرية المؤامرة وافتعال الأزمات داخل وخارج الجزائر لصرف أنظار المواطنين الجزائريين عن مشاكلهم الداخلية الحقيقية، وضمان استمراره في الحكم، اكتسب خبرة كبيرة في التجييش والتشجيع على الانفصال، تغذية الصراعات وزرع الفتن في عدة بلدان. أليس هو من احتضن ميليشيات البوليساريو الانفصالية والإرهابية عسكريا ودبلوماسيا وإعلاميا وماليا على مدى أزيد من خمسة عقود، ويسعى اليوم إلى محاولة احتضان شرذمة من الخونة المغاربة المحسوبين على منطقة الريف المغربي الشامخ، وخلق جبهة إرهابية جديدة في شمال جمهورية مالي، عبر دعم حركات «الأزواد» وغيرها، في الوقت الذي يفترض فيه التركيز على الأزمات والمشاكل الداخلية الحقيقية من حيث تحسين ظروف عيش المواطنين وخفض معدلات الفقر والبطالة؟
صحيح أن الأعمار بيد الله الواحد القهار، لكن عمر النظام العسكري الجزائري المستبد، أضحى اليوم بيد أحرار وشرفاء الجزائر، الذين يرفضون بشدة تمادي «الكابرانات» في غطرستهم وتبديد الجزء الأوفر من عائدات الغاز والنفط على التسلح والحركات الانفصالية في قضايا خاسرة، وفي مقدمتها جبهة البوليساريو. إذ لم يعد لديهم مقدار حبة خردل من الصبر على ما تتعرض له ثروات البلاد من نهب واستنزاف، وما يعيش على إيقاعه الشعب من قهر وتجويع وتكميم الأفواه ومصادرة الحقوق والحريات…
الكاتب : إسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 18/01/2025