«الرجة السياسية» بين الحاجة الوطنية والحسابات الحزبية
بقلم: نورالدين زوبدي
في ظل تعقّد المشهد السياسي وتراكم الاختلالات التي طالت المؤسسات والفاعلين، يعود إلى الواجهة مصطلح “الرجة السياسية” كدعوة صريحة إلى تحوّل عميق يعيد ضبط إيقاع الحياة السياسية على أسس المصداقية والنجاعة. لم يكن هذا المفهوم غريبًا عن الأدبيات السياسية المغربية، فقد لجأت إليه النخب الفكرية والحزبية، خصوصًا في لحظات الأزمات الكبرى، باعتباره مدخلًا لإعادة التوازن وترميم الثقة المتآكلة.
وقد شكّل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أحد أبرز الفاعلين الذين تبنوا هذا المفهوم في محطات متعددة، سواء خلال أحداث 2011 أو مع توالي الاستحقاقات الانتخابية التي أبانت عن أعطاب بنيوية في المنظومة السياسية. إلا أن عودة المصطلح بقوة سنة 2025 جاءت في سياق مغاير، إذ منح الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش دفعة قوية لهذا التوجه، حين أشار بوضوح إلى ضرورة مراجعة شاملة تعيد الاعتبار للديمقراطية المغربية وتضع الثقة في قلب الإصلاح.
في تفاعله مع هذا المعطى السياسي الجديد، أصدر المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي بلاغًا دعا فيه إلى رجة سياسية حقيقية، لا كاستجابة ظرفية، بل كخيار استراتيجي لإنقاذ ما تبقى من الثقة في العمل الحزبي والمؤسسات التمثيلية. فالحاجة اليوم، كما جاء في البلاغ، ليست إلى شعارات فضفاضة، بل إلى خطوات جريئة تُحدث صدمة إيجابية تعيد الحيوية للفضاء السياسي.
ومن بين أبرز اختلالات المشهد السياسي، التي سلط الحزب الضوء عليها، استمرار استغلال بعض الوزراء لموارد الدولة في حملاتهم الحزبية، وتوظيف النفوذ السياسي لتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة. كما أشار إلى التعيينات المبنية على الولاءات، لا الكفاءة، وهو ما يمسّ جوهر دولة الحق والقانون ويضرب في العمق مبادئ تكافؤ الفرص.
وفي هذا الإطار، جدد الحزب مطالبته بإصلاح شامل للمنظومة الانتخابية، بما في ذلك التقطيع الترابي، وتعزيز تمثيلية النساء والشباب ومغاربة العالم، وضبط الإنفاق الانتخابي، وإرساء آليات رقابة صارمة لضمان الشفافية والنزاهة.
كما نبّه إلى الخطر المتزايد لانتشار الشائعات والمعلومات الزائفة، التي تسهم في توسيع هوّة العزوف السياسي، وتُقوّض ثقة المواطنين في المؤسسات. وهو ما يستوجب مواجهة حازمة، عبر تفعيل آليات قانونية وإعلامية تقوم على الحق في المعلومة والوضوح في تدبير الشأن العام.
إن المطالبة بإحداث رجة سياسية ليست استجابة لحظة انتخابية عابرة، بل تعبير عن حاجة وطنية ملحّة إلى مراجعة عميقة للمسار السياسي، بما يضمن استعادة ثقة المواطنين ويعيد للمؤسسات أدوارها الدستورية المستمدة من قوة التفويض الشعبي.
الرجة السياسية، كما تُطرح اليوم، ليست مجرد دعوة إصلاحية، بل رؤية متكاملة لبناء مرحلة جديدة، تُؤسس لديمقراطية فاعلة ومؤسسات ذات مصداقية وأحزاب قادرة على التجاوب مع انتظارات المجتمع.
يبقى السؤال: هل تلتقط الدولة ومؤسساتها هذه الإشارة؟ وهل تمتلك النخب السياسية الشجاعة الكافية للانخراط في ورش وطني صادق؟ أم أن الحسابات الضيقة ستُفرغ المفهوم من محتواه، وتعيد إنتاج نفس الأعطاب .
الأسابيع المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة، ولكن المؤكد أن الرجة السياسية لم تعد ترفًا، بل شرطًا لاستعادة جدية الفعل السياسي، وتصحيح علاقة الدولة بالمجتمع، وبناء ثقة جديدة قادرة على تعبئة المواطنات والمواطنين حول رهانات التنمية والديمقراطية.
الكاتب : بقلم: نورالدين زوبدي - بتاريخ : 18/08/2025

