الرقمنة والجهوية… الاتحاد يصنع مرحلة سياسية جديدة
نور الدين زوبدي
فعّل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ورش الجهوية في تدبير شؤونه التنظيمية من خلال اعتماد منصّات جهوية خاصة لاحتضان جلسات المجلس الوطني عبر تقنية التناظر عن بُعد. ويأتي هذا التوجّه الجديد كترجمة عملية للاقتراح الذي تقدّم به كُتّاب الجهات خلال اجتماعهم مع الكاتب الأول للحزب، بهدف تطوير أساليب العمل الحزبي وتكييفها مع التحولات الرقمية المتسارعة، بما يتيح تواصلاً أكثر سرعة وفعالية.
ويمثّل هذا القرار الخطوة الثانية في مسار تحديث أدوات العمل التنظيمي داخل الحزب، بعد النجاح البارز الذي حقّقه خلال عقد المؤتمر الوطني الحادي عشر في عزّ فترة الجائحة، والذي كرّس قدرة الحزب على استيعاب التقنيات الرقمية وتوظيفها في تنظيم استحقاقات داخلية معقّدة.
ويبرز هذا التوجّه أيضاً أنّ تطوير الأداء الحزبي لم يعد خياراً ظرفياً، بل أصبح ضرورة يفرضها إيقاع العصر وما يحمله من تحوّلات رقمية ومجتمعية متسارعة. فقد أدرك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بحكم تجربته التاريخية وريادته في تبنّي مسارات التحديث، أنّ تجديد آلياته التنظيمية هو السبيل الأمثل للحفاظ على ديناميته وضمان حضوره الفاعل داخل الساحة السياسية. ومن ثَمّ، يواصل الحزب اليوم ترسيخ تقاليده في الابتكار واستباق التحوّلات عبر اعتماد مقاربات جديدة تستجيب لانتظارات المناضلين وتنسجم مع متطلبات المرحلة.
وبالتزامن مع النجاح الذي حقّقه المؤتمر الوطني الثاني عشر، وفي سياق تبنّي المجتمع الدولي لمبادرة المغرب للحكم الذاتي وما رافق ذلك من تعزّز مسار الجهوية المتقدمة، التقط الحزب هذه التحولات باعتبارها فرصة لتعميق حضوره المؤسساتي. فبادر إلى تحيين توجهاته الاستراتيجية عبر القيام بجولات تواصلية في الأقاليم الجنوبية، وفتح نقاشات موسّعة مع القيادات الجهوية والإقليمية بالصحراء، قبل أن ينتقل إلى عقد دورة للمجلس الوطني عبر المنصّات الجهوية، ترسيخاً لهذا المنحى الجديد في العمل التنظيمي.
يستثمر الاتحاديون والاتحاديات في الجهات كل إمكانياتهم لإنجاح هذه المحطة التنظيمية النوعية، حيث تحوّلت مقرات الحزب إلى منصات جهوية متكاملة لعقد المجلس الوطني. ويبرز دور شباب الحزب المتمكّن من تقنيات التواصل الرقمي، الذي يبدع في تقديم كل ما يسهم في ضمان سير هذه العملية بأفضل صورة ممكنة.
وهكذا يرسّخ الحزب انخراطه الفعلي في الدفاع عن خيارات البلاد الاستراتيجية، مبرهناً على نموذج حزبي ناجح في نصرة القضايا الوطنية، سواء عبر حضوره الوازن داخل المنظمات الدولية كالأممية الاشتراكية والتحالف التقدمي وغيرها، أو من خلال إسهامه وطنياً في تعزيز مصداقية المبادرات والمواقف التي تتبناها المملكة على الساحة الدولية.
ويراهن الاتحاد الاشتراكي اليوم على هذه المنصّات الرقمية لتكون قاطرة نحو ما يمكن تسميته بـ “التنظيم الرقمي”، وهو نموذج جديد يزاوج بين العمل الحزبي التقليدي والابتكار التقني، ويسمح بالاستفادة المثلى مما تتيحه الفضاءات الرقمية من تفاعل سريع، وتواصل مباشر، وانتقال فوري للمعلومة بين مختلف الفروع والجهات.
كما يُنتظر أن يسهم هذا التوجّه في جعل الحزب أكثر حضوراً في قلب التحوّل الرقمي الذي يشهده المغرب، ومُكرِّساً في الوقت نفسه لثقافة القرب من المناضلين، ومواكباً للمستجدات التي تعرفها مختلف ربوع المملكة، عبر آليات حديثة تعزّز الفعالية التنظيمية وتُسهم في تجويد صناعة القرار الحزبي.
الكاتب : نور الدين زوبدي - بتاريخ : 12/12/2025

