الغلبة للواقع

عبد السلام المساوي

ليس ممكنًا إدارة الظهر للواقع إلى ما لا نهاية، ذلك أن هذا الأخير يصر على احتلال موقع الصدارة في نهاية المطاف. وهكذا يجده المرء منتصبًا أمامه، حيثما حل وارتحل، رغمًا من الظن الذي لازمه بأن إدارة الظهر للواقع كفيل بنفيه والتحرر من قوانين جاذبيته القاهرة.
وعندما يحدث الاصطدام المحتوم بين الواقع ووعي عدم القدرة على تجاهله، تكون الغلبة للواقع على الوعي الذي دخل غمار المعركة وهو أعزل وأكثر هشاشة على تحمل صدمات المواجهة.
تكرار كلمة من الكلمات أو مفهوم من المفاهيم في مجال تحليل واقع متحرك على الدوام، لا يسهم كثيرا في تفسير هذا الواقع، فأحرى أن يكون عاملا من عوامل تغييره. ذلك أن المفاهيم أو ما يقوم مقامها من العبارات إذا لم تكن قادرة على مواكبة تطور الواقع بمختلف أبعاده المادية والفكرية والسياسية تصاب بالتكلس وتفقد بالضرورة قدرتها على التحليل بل قد تتحول إلى ما يشبه تعويذة يخيل لمن يثابرون على تكرارها أنها تملك من القدرات الخارقة ما يعفيهم من بذل الجهود المضنية التي يتطلبها الاضطلاع بمهام محاولة فهم الواقع والعمل على تغييره.
هذا يعني أن المفاهيم تفقد مع مرور الزمن قدراتها الإجرائية في مقاربة الواقع ما لم تكن قادرة على مواكبة تطوراته وبذلك تدب إليها مفاعيل اللاجدوى في أحسن حالاتها وكثيرا ما تتحول إلى أداة للتضليل وحجب حقائق الواقع.
وبالمناسبة فهذا يسري على التي يتم نعتها عادة بالحديثة كما يسري على عبارات تقليدية تم التعامل معها في فترة من الفترات باعتبارها مفاهيم إجرائية في تشخيص الواقع أو تحليله في هذا المجتمع أو ذاك.
كل كتابة موقف، وكل إسهام في الحوار والنقاش والنقد موقف، غير أن الموقف ليس عين الحقيقة بالضرورة لا في الكتابة ولا في نقدها، إنما الحقيقة قد تكون نقطة تقاطع بين أكثر من موقف ورأي في ضوء معطيات واقع متحول باستمرار ومركب بالتعريف مما يجعله مستعصيا على الاختزال.
لذلك فإن البحث عن الحقيقة في تدوينة أو مقال أو حتى في كتاب هو رهان غير موفق بالتأكيد، لأن صواب الموقف في مجمله لا يستوعب حقيقة الواقع أو حقائقه المتعددة بالأحرى. وهذا التعدد مصدر ثراء ولا ينبغي تحويله إلى لا أدرية ما أو ما شابه باسم النسبية الملازمة لكل ما هو متعدد. إذ النسبية هنا عامل محرك للإبداع المعرفي في حين أن النزعة النسبية المتطرفة مناهضة للمعرفة والإبداع والحقيقة. اعتماد هذه المنهجية في مقاربة المكتوب أو المسموع أو المرئي من التعبير عن الرأي أو الموقف يفتح الباب واسعا للتفاعل الإيجابي بين المنخرطين في هذه العمليات المعقدة بالمعنى التركيبي حيث الواقع حاضر بقوة، وحيث الفكر حاضر بقوة، وحيث العواطف والأهواء تعيش تشذيبا متواصلا باستمرار هذه الحركة الدائبة بين الواقع والفكر، في أفق بلورة وإعادة بلورة حقائقهما المتحولة باستمرار.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 23/11/2022

التعليقات مغلقة.