الفئات الهشة بين السجل الاجتماعي والتغطية الصحية 

مصطفى المتوكل الساحلي

“تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق فـي العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي المنظم من لدن الدولة”. المادة 31 من الدستور المغربي لسنة 2011.
منذ الاستقلال إلى اليوم خاضت الدولة ومؤسساتها المعنية عدة تجارب تستهدف الفقراء والمساكين تحت شعار تحسين أوضاع الفئات الأكثر هشاشة التي جمعت بين الفقر والإعاقة، والخصاص والشيخوخة، ومن بينها من أرهقه واستنزف قدراته المرض العقلي والنفسي، وأحيانا تجتمع كل تلك الحالات في شخص واحد، وإن أضفنا إلى هذا التوصيف عدم وجود أسرة ترعى وتتعاون أو أنها موجودة وعاجزة،  أو أنها تتخلى وترفض احتضان ضعيفها لاعتبارات غير مفهومة تحتاج إلى توصيف نفسي سلوكي واجتماعي وحقوقي وقانوني، وهذا يذكرنا بحال ما كان يسمى « بويا عمر «  غير المأسوف على إغلاقه، ويسائلنا عن أحوال وصحة نسب ملحوظة من المشردين المرضى، الذين يتسببون في مشاكل مختلفة بسبب عدم توفير المواكبة الصحية وتوفير الأدوية الملائمة حسب نوعية مرضهم، وحتى إن استحضرنا المؤسسات التي خصصت لاستقبال نسبة ضئيلة منهم مثل مراكز الإيواء والإسكان التي يحول وتحال عليها حالات حرجة في حاجة إلى عناية ومواكبة طبية وتمريضية دائمة بما فيها التأهيل النفسي، والتي رغم تخصيص دعم ومنح ومساعدات من قطاعات حكومية وبعض الجماعات الترابية ومساعدات المحسنين، فالحصيلة تطرح على الجميع أكثر من استفهام وإشكال في ما يخص الإكراهات والصعوبات والمعيقات التمويلية والتنظيمية والتأطيرية والموارد البشرية غير الكافية للاستجابة اللازمة لحاجات عيش النزلاء والنزيلات …وهذا يتطلب من الحكومة أن تراجع بشكل جذري السياسات والمقاربات المعتمدة  لتحقيق الرقي الإنساني بأبعاده الاجتماعية والحقوقية  لصالح ضعفاء وعجزة الوطن والمسنين والمسنات والمشردين والمرضى العقليين والنفسيين بالشوارع ومؤسسات الرعاية…
وفي هذا السياق تعمل بعض القطاعات الحكومية على تنزيل مواد وإجراءات البرامج الجديدة، يتعلق الأمر بـ :
أولا :  السجل الاجتماعي الموحد المعرف الرقمي المدني والاجتماعي في علاقة ببرامج الدعم الاجتماعي، الذي وضعت له «معايير» ومؤشرات  اقتصادية واجتماعية تحدد  الأسر المستحقة مع اعتماد آلية تصنيفية بالتنقيط بصيغة حسابية طورتها المندوبية السامية للتخطيط بدعم تقني من طرف البنك الدولي لضبط المستوى السوسيو اقتصادي لكل أسرة أو فرد، لوضع لوائح ترتب وتصنف الأسر، مع تجميع كل البيانات والمعطيات ستحدد بها الأسر والأفراد الذين سيستفدون من برامج الدعم الاجتماعي …
ثانيا:  مدونة التغطية الصحية المنظمة بالقانون رقم 00-65 ،  الذي وضع زمن حكومة التناوب التي ترأسها  سي عبد الرحمن اليوسفي مع انتظار دام حوالي عقدين انطلق فيها العمل بنظام التغطية الصحية (راميد) في نونبر من سنة 2008، وصدور  قانون الإطار 09.21 المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية لجميع المغاربة …إلخ، ثم مصادقة مجلس النواب، الاثنين 8 نونبر 2022، على مشروع قانون رقم 27.22 يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية…
إن استكمال أمثال هذه الأوراش الكبرى وتنزيلها لتحقيق الحماية الاجتماعية يحث ويفرض على جميع المعنيين أن ينجحوا وييسروا تحقيق الغايات الفضلى لضمان ولوج كل المواطنين والمواطنات للخدمات الطبية والصحية المختلفة بسلاسة وفعالية، من خدمات الاستقبال المرنة إلى التشخيص والرعاية الطبية والاستشفائية، تواكب وترافق المعنيين والمعنيات بما يترتب عليه الشفاء أو الحد من تعقد الحالة الصحية وتدهورها، ولتخفيف المعاناة عن أصحاب الأمراض المزمنة وأسرهم ..
إن التأمين الإجباري عن المرض يجعلنا نقف على أحوال فئات اجتماعية عريضة من فقراء ومساكين ومعوزين ومشردين وعاطلين عن العمل وأشباههم  وأصحاب الدخل الهزيل الذي لا يكفي حتى لسد رمق الأسرة أو الفرد ولا يوفر سكنا يستره …
إن ما يجب أن نضمنه في إطار التغطية الصحية الإجبارية وخدماتها هو :
– الزامية توفير العلاج للمواطنين والمواطنات دون شرط أي ضمانة، وهذا يهم بصفة خاصة العديد من الفئات ومنهم المرضى، نفسيا وعقليا، والذين يستحيل معرفة حتى أسمائهم وهوياتهم وأسرهم، والذين يكونون إما مشردين أو نزلاء دور الرعاية الاجتماعية، وهذا يتطلب تنسيقا بين مؤسسة الأمن الوطني ووزارة الداخلية لتحديد هويتهم برفع بصماتهم وبكل الطرق التي ستيسر ذلك  حتى يسهل التعرف على أسرهم في أفق تأهيلهم وإدماجهم في الحياة المجتمعية المواطنة  …
– ضرورة التعجيل بإحداث مراكز إقليمية، أو على الأقل، جهوية وسيطة بين المستشفيات ومراكز الإيواء البديلة تقدم فيها الرعاية الاجتماعية والتأهيل النفسي والعلاج من الأمراض العقلية المختلفة للأشخاص، الذين يتعذر على أسرهم تأطيرهم ورعايتهم، أو أنهم متخلى عنهم أو بدون عائلة …
–  قيام الجهة المختصة في الأمن الوطني بتنسيق مع السلطات المحلية بحملة متوازية مع عملية السجل الاجتماعي تستهدف المسنين والمسنات والمرضى النفسيين والعقليين بدور ومراكز الإيواء لأخذ بصمات من تجهل هوياتهم حتى لايحرموا من الاستفادة من العلاج أو مختلف أشكال الدعم …
إن هذا الورش كبير ومهم جدا يحتاج إلى تظافر جهود الجميع من أجل إنجاحه، لتحقيق العدالة الصحية للجميع وليشعر المواطنون والمواطنات أن مؤسسات الدولة والمجتمع يضمنون الرعاية والعلاج والعيش الكريم للشعب …

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 31/01/2023

التعليقات مغلقة.