القرار الأممي 2797: لحظة فارقة في مسار مغربية الصحراء
الإمام دجيمي
يشهد المغرب اليوم منعطفًا تاريخيًا جديدًا في مساره الوطني المعاصر، عقب صدور القرار الأممي رقم 2797 (2025) الذي أيّد بشكل واضح مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كإطار جاد وواقعي وحيد لحلّ النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
لحظةٌ تتجاوز البعد الدبلوماسي المحض، لتعكس تحوّلًا عميقًا في رؤية المملكة لمستقبلها السياسي والاقتصادي والثقافي، في ظلّ قيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي حوّل قضية الوحدة الترابية من معركة دفاعية إلى مشروع وطني استراتيجي للبناء والتنمية.
قرار أممي يعيد صياغة
المعادلة الدولية
لم يكن القرار الأممي الجديد مجرّد موقف عابر في لعبة التوازنات، بل تتويجًا لمسار طويل من الدبلوماسية الهادئة والواثقة التي انتهجها المغرب خلال العقدين الأخيرين.
فبفضل رؤية ملكية بعيدة المدى، استطاع المغرب أن ينقل ملف الصحراء من زاوية “النزاع الإقليمي” إلى منصة نموذجية للحلول التوافقية التي تحظى بدعمٍ متزايد من المجتمع الدولي.
اعتماد مجلس الأمن لمقترح الحكم الذاتي “كأساس واقعي وجاد” للحل، وإشارته الصريحة إلى أنه يتم تحت السيادة المغربية، يشكّل تحوّلًا نوعيًا في اللغة الأممية التي كانت لعقود تميل إلى الحياد المفرط.
اليوم، باتت الأمم المتحدة نفسها تكرّس واقعية الرؤية المغربية، وتعترف ضمنيًا بنجاح نموذجها القائم على الاحترام المتبادل والتعاون الإقليمي، في مواجهة منطق الانفصال والتجزئة.
الخطاب الملكي:
من الدفاع إلى البناء
الخطاب الملكي الذي أعقب القرار الأممي جاء ليترجم هذا التحوّل التاريخي في الوعي السياسي المغربي.
لم يعد الحديث عن الصحراء دفاعًا عن حقّ، بل تأكيدًا على واقعٍ راسخ ميدانيًا وتنمويًا ودبلوماسيًا.
حين قال جلالة الملك: “نبدأ فصلاً جديداً في تأكيد مغربية الصحراء”، فهو لم يُعلن فقط نهاية نزاعٍ طويل، بل بداية مشروعٍ وطني جديد قوامه:
ترسيخ العدالة المجالية في الأقاليم الجنوبية؛
مواصلة الجهوية المتقدمة كرافعة للتنمية؛
وجعل الإنسان في قلب الرهان الوطني على المستقبل.
إنّ الخطاب الملكي لم يكن موجّهًا إلى الخصوم فقط، بل إلى كل القوى الوطنية كي تتحمّل مسؤوليتها في تثبيت هذا التحوّل، وفي تحويل الانتصار السياسي إلى نهضة تنموية وإنسانية تُجسّد مغربية الصحراء على أرض الواقع.
من نصر القرار إلى رهان المستقبل
القرار الأممي 2797 يجب أن يُقرأ ليس فقط كـنصر سياسي حاسم، بل كـإشارة انطلاق نحو مغربٍ جديد، مغربٍ يؤمن بالانفتاح، ويجعل من الوحدة الترابية رافعةً للتكامل الوطني والإقليمي.
فالانتصار الحقيقي، كما شدّد جلالة الملك، لا يتحقّق بإقصاء الآخر، بل ببناء وطنٍ يتّسع للجميع، ويصون كرامة الإنسان في كل ربوعه.
اليوم، تتحوّل مغربية الصحراء من شعار سيادي إلى رؤية حضارية تعبّر عن جوهر المشروع المغربي في القرن الحادي والعشرين:
مشروعٌ يؤمن بأنّ السيادة لا تكتمل إلا ببناء الإنسان، والتنمية لا تُقاس إلا بمدى تمكين الإنسان من المساهمة في بناء وطنه.
(*) فاعل سياسي وثقافي بأكادير – عضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
الكاتب : الإمام دجيمي - بتاريخ : 03/11/2025

