الكتابة في زمن الخوف
ملیكه طیطان
على غير العادة أستيقظ هذه الأيام أحصي حبات الألم .
أنا مغربية و ذات هوية انتمائية لروح و أفكار …أحجب فيها توصيفة هل أنا عروبية من شام أم بني كنعان أم الحبشة و اليمن ؟ … هل أنا أمازيغية أعيش قلق الهوية ؟
أنا الآن أكتب لكم من وطن منذ الانعتاق تمنطق شعبه بالصبر و قبول التصالح و لو أحادي الجانب اختزل في الصفح بدل الاعتذار …
أنا الآن أكتب لكم من وطني لا أريده أن يصير مظلما كما هو حال بعض أطراف الكون لأنني أصلا لم أعش زلزال حرب خاطفة أو استندت وبني جلدتي على جدار منفى في انتظار وطن مؤجل .
ما أكتبه ارتأيت أن تكون جمله ساحرة في وصف ما لا يوصف من ترانيم و طبول الموت … وكأني أشعر بأن كوكبنا صار مختل العقل و القدرات .
ها أنذا أمتلك قدرة اختبار الكوارث بالتقسيط المريح … جائحة استدعت أن أقف وسط الرعب المعلن و البشرية تحصي ضحاياها بالآلاف تنقلها بالقطارات تحفر لها مقابر جماعية بالجارفات … لا ينتبهون إلى الجنس و الديانات ، لأن الرعب يخاطب البشرية من أعالي شرفات كونية لم يصلها صدى الصراع ألاثني . الجنسي . العقدي . ولا حتى صراع الطبقات .
كتاباتي اللحظة ليست بسرد أحكي فيه فواجع عابرة عما جرى بقدر ما هي الآن فرضت نفسها بقوة المختفي الغير مرئي … جمل مرهقة بعطش حلٌَ دون انتظار , أرغم ساكنة الأرض على حياة حصار تطوعي في انتظار شروق شمس الأمل …
نهارات بدون مدارج علنية قادت إلى متاهات تغوص في ثنايا الحزن و الألم و الانتظار بل حتى الى حدود المرح و السخرية .
ليس المهم الآن أن أقف لكي أنتظر إعلان زلزال الكون على إثره أحتمي بمعجم مفردات الدمار ثم أنصرف إلى شؤون سجال عقيم على صفحات وهم تواصل افتراضي غير مجرى الحِكمة عند الإنسان … أنت و أنا نعيش كارثة حرب غير مرئي عدوها يصعب شرحه و وصفه للمبتدئين , رغم أننا نمتلك مفاتيح اندلاعها في أوج حرب باردة و باليقين … هل ندعي بأنها أسطورة أم خرافة تتكرر و سبق أن أعيدت بطقوس مختلفة عانى منها الانسان والسحالي والحيوان …
أنا الآن دجاجة تبيض الخوف …هكذا أستيقظ من غيبوبتي …كل يوم أتفقد ثمرة رعبي و بحذر ممل أتأملها باستغراب , رغم أن التعقيم كما يدعون تجرد قشرتها الرقيقة و في الآن نفسه تكشف عنف الإنسان لأخيه الإنسان .
هول الفجيعة جعل مني تلك السعفة الجافة تطوي ثمرة ضنك نضال … مهلا لما لا أقول أنا تلك النخلة السامقة التي احتضنت عرش ثمار النضال .
ألا تلاحظون بأن نياشيني و ريشي كانت ملونة بما يكفي من ألوان الطيف ؟ لهذا السبب لا أرغب أن أكون عرابة كوارث في وطن سبق واختار أمجاده من معاجم القوة و أبدع أناشيده من بهاء الزمان و المكان , و لأنني متيمة و قدوتي هؤلاء الأمجاد بل في هم في مثل عمري أحفظ لهم مثونهم و الأفكار … أقدم أغلى ما عندي من فروض الاحترام و التقدير لأنه يسكنني تاريخ معلوم يأبى النسيان ، لهذا السبب أستحق أن أجسد دور ملائكة الرحمة في زمن الوباء مع العلم لم يسبق لي وجسدت و يا لطيف دور إطفاء جودة حماس النضال أو ناورت لكي تدمر الدار .
إلى هذا الحد قادني نص الجائحة إلى تعبير غير محدود و الذي لم أختبره يوما بمثل هذا الجلاء و الوضوح رغم أنني اعتدت على ترتيب أرشيف الزمن القاسي واجهت فيه مرايا المعنيين بالأمر و لم أهمل إدراج الملفات …نعم توجهت إلى الشوارع الخلفية بسعة صدر وعنفوان ، و ها أنا ذا أعلن بسط خرائط الملهاة بكل عسلها وسمنها الذي أعلن عنه المعنيين بالأمر بعناوينهم الرئيسة وليس من باب التلميح فحسب .
ماذا تجد أيها المتابع لهلوساتي و أنت خائف رعديد مثلي أو أكثر ؟ هل وطنا يتحول إلى ( مول ) لتسويق العزلة و الأقنعة الطبية بعد أن اعتاد المشهد تلك الأقنعة السياسية و ترميم غير موفق لشعارات و أوسمة برداء عقيدة تجهر بأنها منهم براء ؟
اعتقد الآن أن الجائحة حفرية ستخترع حضارة أخرى لم تكن في حسبان البشرية …ستدمر الفوارق و الإثنيات …ستجدد مخطوطات مشابهة في الجنس و الغواية و التخابر و وجهات النظر يكتبها فقهاء غير مرئيين … ترقص على جسدها غواني السبيل على عتبة المواخير وفي جنح الليالي و حتى شروق أيام العيد مشفوعة بفتاوى معنى المذكر و المؤنث و حتى الجنس الثالث … أكيد سنهلل كما هي العادة حينما يركبنا تيه أمام أبواب بزجاج المرايا لمحفل الفجيعة والتأبين … و ستقود إلى التفكير في معرض للخدمات المجانية و زهرة المشمش … هناك إذن إما أن ينبعث زهر الإخلاص و الجمال والصدق أو الغلبة لنبتة الشوك (العوسج ).
هل سأتمكن من تكسير عودي المعوج , و أمزق محاضر أسراري أساسا تخابري القديم و بعده المؤجل بعد حين حتى ترتوي إلى حد الثمالة ضيفة الغفلة الجائحة ؟ … حينها سأجرب نكهة الصراخ وحيدة كما العادة في آخر الليل … سأتلف ديوان فجيعتي المؤجل لعقود بعد حين و المترجم في – عن هول ما جرى أحكي لكم – على الرغم من أنني أتوفر على وصفة دقيقة في كيفية أن أصير سيدة استبداد لأنني قادرة على أن أضع عواء الخصم في جراب الجائحة ، و ما دامت ملفات لا زالت مفتوحة تنتظر عدالة السماء طالما أنها عصية على تناول إخوة يوسف قبل الأعداء .
إعتدنا أن يقودنا ( كافكا) إلى الملفات المعلنة … لكنه الآن ما زال بين البشرية يتجول مطمئنا إلى غزارة الملفات الغامضة في أرشيفنا و البشرية …فليتأكد الجميع ( كافكا) سيختفي و سيتحول إلى رقم سري في ملفاتنا تلك حقيقة بشرية ما بعد الإبادة أو إعادة الروح . فما تمر منه الخليقة يصلح أن يتربع على سدة القصص و الملاحم العالمية في ثراث الانسانية … ستنفرد بالدراسات النفسية الدقيقة إلم تكن سببا في إبداع طيف آخر من العلوم الحقة …ستتحول هذه العواطف العميقة إلى علم بشروط استحضار ما أحدثته في النفوس من صراع و خوف و ألم و فجيعة .
وحده الانتظار بوابة أمل نطمح فيه أن تكون مستقبلا كل اللحظات لسلطان الحب و التضحية الحقة … في مدرسة الحب أٌمَني النفوس أن تعرف ذواتها المعلن منها والمضمر تعريفا حقيقيا مباشرا , و سوف نسدل الستار على الأسوء من الصفات التي قرأناها موشومة على الجباه .
و بصيغة أخرى أحدثكم أدناه بما لا تريدون سماعه و طبعا بعد أن أسدلنا ستار الفجيعة فقط نترقب الأمل و الأعياد
أمام الرعب و الحزن و الانتظار لم نعد نعرف من نحن من نكون و لا ماذا نفعل ؟
نبحث عن الخلاص … عن النجاة … إذن نحن أمام ملحمة كونية تعزف ترانيم الإبادة الطوعية …تستدعي حضور فلسفة وجودية … و الآن وضعنا وجودنا موضع تساؤل , لا أخفيكم سرا أنا القارئة للوجودية وجدت في الجائحة الجانحة أضعاف بوحي و الاعتراف …نعم هنا أعبر لكم عن وجودي بصيغة مقولة القديس ( أوغسطين ) : _ لقد أصبحت أنا نفسي مشكلة كبرى بالنسبة إلى نفسي _ لأنني سايرت عن طواعية و في مرحلة متأخرة غريزة أمومة علمتني معنى التضحية أكثر و نكران الذات و رعاية صحتي …
نعم الآن لنضع وجودنا موضع تساؤل فالبشرية يسجل وجودها قدرتها على إخراس صيحة الموت .
الكاتب : ملیكه طیطان - بتاريخ : 30/03/2020