المجلس الإقليمي لبركان: مجلس الإفلات والإقصاء والانتقائية

عبد المنعم محسيني (*)
بتاريخ 10 يونيو 2024، عقد المجلس الإقليمي لبركان دورته العادية، تداول خلالها، وحسب جدول الأعمال النهائي المنشور، في 31 موضوعا.
ومن خلال استقراء جدول أعمال الدورة، وقفت على عدة ملاحظات، شكلية وأخرى جوهرية، نذكر أهمها في ما يلي:
أولا- مجلس الإفلات من المساءلة والمحاسبة:
أوكل القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، اختصاصات واضحة لهذه المجالس الترابية، وحدد لها ثلاث دورات عادية (يناير ويونيو وشتنبر) في السنة؛ فضلا عن إمكانية عقد دورات استثنائية كلما اقتضت الضرورة وحالات الاستعجال القصوى.
واعتبارا لأهمية الدورات العادية، فمن المفروض أن تنبني في إعداد وتهييئ القضايا التي تندرج ضمن جدول أعمالها على أسس ومرتكزات النجاعة والفعالية والتدبير المرتكز على النتائج، لما لها من ارتباط وثيق مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ولأجل ذلك، يكون من المفروض أن يتداول المجلس الإقليمي في قضايا محددة ويتخذ بشأنها قرارات جاهزة للتنفيذ بغية تنزيل المشاريع والبرامج التي تندرج ضمن الاختصاصات الموكولة له بموجب القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، وأهمها محاربة الإقصاء والهشاشة في جميع القطاعات الاجتماعية.
لكن، يتضح من خلال جدول أعمال الدورة العادية لشهر يونيو الحالي، أن من أصل 31 نقطة تداول فيها المجلس الإقليمي، توجد 15 نقطة تتعلق بإلغاء مقررات سبق لنفس المجلس الإقليمي اتخاذها.
وتبعا لذلك، فنصف أشغال الدورة العادية للمجلس الإقليمي كانت منهمكة ومركزة في مناقشة ودراسة إلغاء مقررات سبق له اتخاذها في دورات سابقة؛ وهو الأمر الذي يثير التساؤل حول أسباب عدم تنفيذ تلك المقررات الملغاة، وحول مبررات إلغائها خلال هذه الدورة …
اتخاذ مقررات ثم بعد سنة أو سنتين يتم إلغاؤها، لن يسعف تحديد الصورة الصادقة وتوطين الشفافية في التدبير الذي ينهجه المجلس الإقليمي، بل يعتبر وسيلة من وسائل الإفلات من المساءلة والمحاسبة…
15 مقررا اتخذ خلال هذه الدورة يلغي 15 مقررا سبق لنفس المجلس اتخاذه في دورات سابقة، يثير الغموض ويؤكد على وجود معضلة الارتباك والعفوية في اتخاذ المقررات، التي من المفروض ألا يتم اتخاذها إلا بعد إنجاز دراسات وأبحاث وتحريات.
إن ربط المسؤولية بالمحاسبة وتقييم التدبير المرتكز على النتائج يرتكزان بالأساس على المقررات المتخذة ونوع المشاريع التي تتضمنها ومدى القدرة عن تنفيذها بنجاعة وفعالية؛ إلا أن أسلوب إلغاء مقررات سبق اتخاذها يحول دون تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة وتقييم تدبير المجلس الإقليمي على النتائج (وخاصة إذا كانت هذه النتائج هي الإلغاء).
وزيادة على ما سبق ذكره، فإن من أهم مرتكزات وأسس الشفافية في التدبير تبسيط مقروئية الوثائق والمستندات الإدارية، وخاصة جداول أعمال قد تكون موجهة للعموم، حيث يجد القارئ الأجوبة عن كل التساؤلات التي تطرح في ذهنه وهو بصدد قراءة الوثيقة أو المستند.
وتبعا لذلك، فبالرجوع إلى جدول أعمال دورة يونيو للمجلس الإقليمي، كسابقيه، يتضح أن مقروئيته تصعب على النخب والباحثين والفاعلين السياسيين، وبالأحرى على عموم الناس الذين من الواجب تنويرهم بما يقع في الإقليم الذي يقطنون به…
إلغاء 15 مقررا من أصل 31 دون ذكر أسباب الإلغاء يجعل نشر جدول الأعمال هو والعدم سواء، اعتبارا لكونه لا يوضح أسباب ومبررات الإلغاء، حتى يكون القارئ والمتتبع لتدبير الشأن المحلي على بينة.
ثانيا- مجلس الإقصاء والانتقائية:
يتضح بالرجوع إلى مقتضيات القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بمجالس العمالات والأقاليم، أن المشرع المغربي أوكل لهذه المجالس صلاحيات واسعة على مستوى محاربة الإقصاء والهشاشة في جميع القطاعات الاجتماعية؛ وهو الأمر الذي يترجم رغبة المشرع في تجسيد مفهوم الدولة الاجتماعية القائمة على محاربة الإقصاء والهشاشة من خلال دعم مشاريع تأهيل العنصر البشري خاصة الفئات الفقيرة والمهمشة.
إلا أنه ورغم هذا التوجه التشريعي، فإن المجلس الإقليمي لبركان يتبع نهجا معاكسا لإرادة الدولة الاجتماعية، إذ يبدو من جدول أعمال دورة يونيو الحالي، أنه يزيد من تعميق الإقصاء والهشاشة عوض محاربتها؛ وإلا فكيف يفسر المجلس الإقليمي أنه وضع في قائمة جدول أعماله أكثر من 10 نقط تتضمن إلغاء مشاريع اجتماعية ككهربة وتزويد بالماء الصالح للشرب العديد من الدواوير والمداشر بإقليم بركان.
إن افتتاح دورة يونيو بإلغاء أكثر من 10 مشاريع اجتماعية تتعلق بقطاع الكهرباء والتزويد بالماء الصالح للشرب وتجهيز قاعة تصفية الدم بمستشفى الدراق، دون ذكر أسباب ذلك، يعبر عن حقيقة التغول الذي تمارسه الأغلبية المشكلة للمجلس الإقليمي.
وفضلا عما سبق ذكره، فإن الذي يؤكد على هذا التغول، وأن المسألة الاجتماعية وهموم الساكنة وحاجياتهم على مستوى المستشفى والماء والكهرباء والتعليم والرياضة، هي آخر اهتمامات هذا التغول الإقليمي، أن جدول الأعمال يتضمن نقطة تتعلق بتحسين بعض الخدمات الصحية والاجتماعية؛ وهي النقطة 30، أي النقطة قبل الأخيرة، مما يؤكد التوجه اللاجتماعي للمجلس الإقليمي، ناهيك أن هذه النقطة جاءت مبهمة غير واضحة على مستوى نوعية الخدمات الصحية والاجتماعية المزمع تحسينها.
إنه نفس الغموض الذي يلف النقطة 27 من جدول أعمال الدورة، والتي تتعلق باتفاقية شراكة مع شركة BELHYDROS من أجل إنجاز قناة جر المياه العادمة المعالجة في محطة التصفية التابعة لهذه الشركة، هذا الغموض يلف مبررات وأسباب الاتفاقية، هل هي في خدمة المواطن والمصلحة العامة أم أنها تخدم أكثر مصلحة هذه الشركة وتعزز من قوتها الاقتصادية على حساب المصلحة العامة؟
إنه مجلس إقليمي يكرس الإقصاء والتهميش للطبقات الفقيرة والمتوسطة، ويعزز من الانتقائية في تدبير البعد الاقتصادي وتركيز الفاعل الاستثماري.
(*) عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
الكاتب : عبد المنعم محسيني (*) - بتاريخ : 13/06/2024