المحاماة وحتمية المناصفة

محمد امغار (*)

تعتبر مهنة المحاماة من المهن الحرة المنظمة قانونا، وقد أسندت جميع التشريعات الدولية والوطنية لأصحاب البذلة السوداء مهمة الإشراف على سير قطاع الدفاع، والفلسفة من ذلك تتجلى في ضمان استقلالية رسالة الدفاع والحفاظ على الدور الموكول للمهنة في الدولة والمجتمع، والمتمثل في ضمان التوازن ما بين التطبيق السليم للقانون، وتكريس مبادئ دولة الحق والقانون، الذي تمثله هيئة الدفاع والحفاظ على النظام العام والذي تتكفل به السلطة العامة.
واعتبر إشراك كل مكونات هيئة الدفاع في تدبير شؤون وأمور المهنة من التساؤلات الملحة لأصحاب البذلة السوداء خاصة بالمجتمعات، حيث تسود الثقافة البتريمونيالية، والتي تلبي بإنتاجها أفرادا غير مستقلين، حاجة المجتمع البطريكي الحديث، ذلك أن هذه الثقافة تعزز نظام الرعاية والولاء وتضمن استمرار السلطة ذات الطابع البطريركي داخل المهن الحرة والمجتمع على السواء.
وهذا ما يدفعنا إلى القول بمناسبة قرب الانتخابات المهنية بأن إشراك المرأة المحامية في الأجهزة المسيرة للمهنة من مجالس الهيئات ومنصب النقيب يعتبر من التحديات الكبرى للقطع مع الثقافة التقليدانية القائمة على التبعية، والتي تنتج تكرار قيام نفس الأفراد بمهمة تسيير شؤون المهنة.
إن القراءة المتأنية لسلوك المحامية إبان الانتخابات المهنية توضح بالملموس تكريس ثقافة التبعية والابتعاد عن الرغبة في تحمل المسؤولية من جهة، وانعدام التكتل المنتج للتغيير لدى المحاميات من جهة أخرى، وذلك على الرغم من أن قوانين المهنة وأعرافها لا تميز بين الرجل والمرأة في الشروط المطلوبة لتولي المسؤولية في مؤسساتها .
وهذا يدفعنا إلى القول إن حضور المحامية في الأجهزة المسيرة للمهنة تاريخيا يكاد يكون شبه منعدم. وذلك على الرغم من أن أول امرأة مغربية قد التحقت بمهنة المحاماة قد كانت سنة 1966 وسجلت بهيئة المحامين بالرباط وهي الأستاذة نجاة الشرايبي برادة.
ونسجل أنه على الرغم من ارتفاع عدد الزميلات الممارسات للمهنة بحيث يشكلن الآن ما يقارب 30% من المسجلين بجداول الهيئات المغربية، فإن عدد المحاميات اللواتي تقلدن المسؤولية داخل مجالس الهيئات لا يكاد يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
ففي هيئة الدار البيضاء أكبر هيئة بالمغرب من حيث العدد وصل عدد المحاميات اللواتي تقلدن مهمة عضوات المجلس 8 زميلات، وفي المجالس الحالية للهيئات فإن عدد العضوات لم يتجاوز 23 زميلة بنسبة حوالي 10 % في الوقت الذي يشكل فيه الأعضاء الذكور
90 %، دون الأخذ بعين الاعتبار المقاعد التي آلت إلى النقباء السابقين بقوة القانون، وهم كلهم ذكور.
هذا في الوقت الذي لم تتول فيه منصب النقيب إلا زميلة واحدة كانت بهيئة المحامين بأكادير والعيون وكلميم في الفترة من 1966 إلى 1968، وهي الأستاذة لوكاس ماجدولين.
إن القوانين المنظمة لمهنة المحاماة لا تميز بين الرجل والمرأة في الشروط المتعلقة بتولي المسؤولية داخل الأجهزة والمؤسسات المكلفة بتدبير شؤون مهنة الدفاع، ولكن واقع الحال مختلف كثيرا بحكم ثقل العادات والتقاليد المجتمعية التي سمحت للرجل بالسيادة عبرالتاريخ، وبحكم عزوف المحاميات عن المشاركة في تحمل مسؤولية تدبير شؤون المهنة وفي هذا الإطار تقول زميلة إن سبب هدا العزوف ناجم عن أن المرأة لا تمتلك الوقت الكافي لتولي المسؤولية داخل المجالس المهنية، حيث تجد نفسها موزعة بين عملها من جهة، وبين الاهتمام بالبيت من جهة أخرى، وهو أمر لا يعانيه المحامي الرجل الذي يمتلك كل الوقت للتفرغ للعمل العام، مضيفة أن نظرة المجتمع وشروط الأهل والزوج، تحد دائما من إمكانية المرأة وإقبالها على العمل وتدبير الشأن المهني.
إن تشكيل مجالس الهيئات الحالية والسابقة وفشل المحاميات المترشحات في الحصول على أصوات زميلاتهن يدفع إلى التساؤل عن رغبة المرأة داخل المهنة بتولي أمورها، ذلك أنه وفي معركة المصير المهني، فإن غياب المحامية عن الأجهزة المسيرة لا يتلاءم مع حضورها وبإلحاح في قلب جميع التحديات التي تواجه المهنة، ذلك أنه وفي كل المحطات المهنية تنعكس صورة المحامية المغربية، في القرب أو في البعد،عن شعور أو عن غير شعور، وغالبا ما تكون هي المبعدة الصامتة فيها، الضحية الطيعة، وذلك على درجتين، فهي تبعد نفسها أو مبعدة تحت نفس الشروط العامة ولنفس الأسباب التي تستبعد الرجال وتسحقهم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، ولكنها مستبعدة على درجة أخرى كأنثى كعضو اجتماعي قاصر وتابع للرجل وغير متساو معه كما هو مترسخ في المخيال الجمعي .
لذلك ففي سياق بلورة وطرح إشكالية التفاوت البين في طريقة التعاطي مع مقاربة النوع الاجتماعي،كمنهاج ومرشد لتخطيط سياسة مهنية قائمة على ترسيخ الحقوق، فإن الأمر ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار مبدأين أساسيين، لن يستقيم التخطيط الاستراتيجي الحقوقي داخل المهنة بدونهما وهما :
– التمكين بحيث ينبغي الانطلاق من منظور التخطيط الحقوقي من أولوية الحق على الحاجة لإتاحة الفرصة أمام الزميلات من أجل تملك وإدارة التمتع بالحقوق مع التأكيد على محورية الأداء داخل المهنة ومركزيتها في عملية التخطيط والإشراك، أي تفعيل المبدأ الدستوري المتمتل في المناصفة لضمان حضور نسبي يعكس الحضور في الجدول، أي ثلث أعضاء المجالس للمحاميات .
– المساواة وعدم التمييز لكونه أحد أهم أركان التدبير العقلاني، بحيث يكون الهدف من التصويت في الانتخابات هو ضمان حضور كل مكونات المهنة في أجهزة تدبير وتسييرالمحاماة لأنه يتيح فرصة لتيسير مشاركة الفئات المستهدفة والتفكير في الأسباب التي تجعل النوع الاجتماعي والعدالة الاجتماعية على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة إلى إعداد السياسات المهنية وانعكاساتها على المستهدفين والمستهدفات، أي عموم المحامين والمحاميات.
ومن جهة أخرى فإن الحياة بصفة عامة ليست مسرحا للتفرج بحيث على المحاميات أن يعملن على تحقيق الشروط الموضوعية والنفسية لاقتحام تدبير الشأن العام المهني، ذلك أن أهم نقط النقص مهنيا تتجلى في غياب المحامية عن المراكز الاستراتيجية لتدبير المهنة لحد الآن، لذلك على المحاميات أن يقمن بدورهن في معركة التغيير، لأن مصيرهن مرتبط أشد الارتباط في ذلك بمصير المهنة، ومصيرالمهنة في مصير المجتمع في شموليته.
وهذا ما يدفع إلى طرح تساؤلات حول هل حان الوقت كي تتكتل الزميلات لضمان حضورهن داخل المؤسسات المهنية من مجالس ومناصب النقيب في الولاية المقبلة من جهة، والتفكير في المشاركة في الإعداد لمخططات استراتيجية تحافظ على الدور المحوري للمحاماة والمتمثل في الدفاع عن دولة الحق والقانون من جهة أخرى .
إن التحول الذي عرفه تدبير الشأن العام وما أتى به من قواعد بهدف حث المرأة على تحمل المسؤولية في تدبير الشأن العام وما جاءت به الوثيقة الدستورية من قواعد لضمان مفهوم المناصفة والمتمثل في المشاركة في تحمل المسؤولية في اتخاذ القرار وتحمل تبعاته، يدفع الى إحساس الزميلات بدورهن وضرورة الترشح والعمل على ضمان تواجدهن داخل المؤسسات المهنية لضمان التوازن في مقاربة الشأن العام المهني.

(*) محام بهيئة بالدارالبيضاء

الكاتب : محمد امغار (*) - بتاريخ : 26/08/2023

التعليقات مغلقة.