المديرية الإقليمية للتعليم بسطات تعود بنا إلى عصر محاكم التفتيش

محمد إنفي

من خلال المعطيات والوقائع التي أوردها الأستاذ سعيد ناشيد في تدوينة له على حائطه بالفيسبوك، والتي انتشرت، وطنيا وعربيا، كالنار في الهشيم، لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل: هل لا زلنا نعيش في عصر محاكم التفتيش؟ ومن يريد أن يعيدنا إلى ذلك العصر المظلم؟ وما هي رهانات أصحاب هذا المسعى؟
إن ما قامت به المديرية الإقليمية بسطات في حق المربي والمفكر سعيد ناشيد ينم عن الحقد الدفين الذي يكنه تجار الدين لكل قلم تنويري وكل فكر تحرري وعقلاني، ومما يدل على عمق هذا الحقد الدفين ما اقترفته مديرية التعليم بسطات من ظلم وانتقام وصل إلى حد العزل من الوظيفة للتخلص من المعني بالأمروحرمانه من أقدميته وحقوقه المكتسبة من أجل تحويله إلى متسول (وصدق من قال: “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق). ولو كان بيدهم لأحرقوا كتبه كما أُحرقت كتب فلاسفة القرون الوسطى، وربما لأحرقوه هو نفسه.
وكما يبدو من التدوينة، فإن الطرد من الوظيفة تم بتحريض أو مباركة من أحد أبرز مسؤولي حزب العدالة والتنمية. وهذا ما يتضح من قول الأستاذ ناشيد في إحدى فقرات تدوينته: “ثم جاءت الضربة الأكثر قساوة، حيث استدعاني المدير الإقليمي إلى مكتبه، فوجدت معه شخصا آخر، سأعرف في ما بعد أنه أحد أبرز مسؤولي حزب العدالة والتنمية في المنطقة، ليخبرني أمام مسامعه بأنه سيحيلني على أنظار المجلس التأديبي، لأن المريض لا يحق له (…) أن يكتب أو أن ينشر أي شيء، بل يجب أن يتناول الدواء وينام (…)! مضيفا بأنه هو من سيعين الأعضاء الإداريين للمجلس الذي سينعقد داخل إدارته، وأن العقوبة آتية بلا ريب”.
لا شك أن هذا المدير الإقليمي – الذي يتحدث بهذه اللغة البئيسة وهذه الوثوقية في إنزال العقوبة بمفكر عصامي استطاع أن يتبوأ مكانة مرموقة في مجال الفكر والفلسفة ليس في المغرب وحسب، بل وفي العالم العربي- كان يفرغ ما بداخله من حقد على الفكر والفلسفة والعقلانية والتنويرية، وهو يتحدث إلى الأستاذ سعيد ناشيد؛ ولا شك أن هذا الأخير يشكل له عقدة، على المستوى الشخصي، إذ يُشعره ويشعر أمثاله بالدونية وبالقزمية. فلا غرابة، إذن، في أن يستقوي على المفكر بالمجلس التأديبي الذي ربما يتحكم في جل أعضائه أو ربما لم يقدم لهم الملف بكل معطياته (وهنا أتساءل إن كان الأستاذ ناشيد قد حضر في الجلسات الثلاث التي عقدها المجلس التأديبي أم لا، والجواب على هذا السؤال قد يكشف لنا جزءا مهما من الحقيقة التي نجهلها ويجهلها جزء كبير من الرأي العام).
من خلال الفقرة المأخوذة من تدوينة الأستاذ ناشيد، والتي أوردناها أعلاه، يتبين أن حزب العدالة والتنمية متورط في هذه الجريمة النكراء إلى أخمص قدميه. فالحزب الذي يدعي المرجعية الإسلامية -والذي لا يتورع بعض قيادييه عن إتيان كل الموبقات وكل المنكرات، كما هو معلوم لدى الخاص والعام (ولا أحتاج لضرب أمثلة على ذلك) – لن يُحجم عن الإساءة للغير بسبب الخلاف الإيديولوجي أو السياسي أو الفكري. وتأتي واقعة عزل الأستاذ ناشيد لتؤكد هذا المنحى الأخلاقي المنحط.
وإذا كنا نعيش في دولة الحق والقانون، فمن الواجب على الجهات المعنية إداريا وقضائيا، أن تفتح تحقيقا نزيها في النازلة. فالأستاذ ناشيد قدم، حسب قوله، ملفا طبيا معززا بتقارير المختصين؛ وطالب بحقه في الحصول على التقاعد لأسباب صحية، لكن طلبه رُفض؛ مما يدل على سوء نية. ثم إن من يجب أن يحكم على الأستاذ وعمله وأخلاقه وكفاءته، إداريا وتربويا، هم المسؤولون المباشرون؛ وأقصد المفتشون ومدراء المؤسسات. ولا شك أن المعني بالأمر يتوفر على تقارير التفتيش التربوي وتقارير أخرى تثبت مدى جديته من عدمها (ويمكن للجنة التحقيق، إضافة إلى ذلك، أن تلجأ إلى الشهود). أما المرض، فلا أحد يختاره. ولن يستطيع صبر أغوار هذا الملف إلا التحقيق النزيه في النازلة.
على كل، ففي القضاء، هناك الاستئناف ثم النقض. فلا يعقل بتاتا أن يكون للمجلس التأديبي الكلمة الأخيرة في مثل هذه النازلة وشبيهاتها (لكن، يبدو أن الوزارة الوصية ورئاسة الحكومة استحسنتا واستعجلتا هذا الطرد، وكأنه تم تحت الطلب). وعلى المنظمات الحقوقية والنقابات العمالية أن تأخذ هذا الملف بالجدية المطلوبة وتسعى من أجل العمل على فتح تحقيق نزيه في الواقعة وتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات. فإذا أثبت التحقيق أن الأستاذ المعني قد أخل بواجباته المهنية، وليس له عذر مقبول في هذا الباب، فعند ذلك، سندرك أن موجة التضامن الواسعة معه وطنيا ودوليا في غير محلها. لكن إن ثبت العكس، فيجب تصحيح الخطأ إداريا وقانونيا وأخلاقيا؛ فحقوق الناس لا يجب أن تكون محل تصفية حسابات إيديولوجية أو سياسية.
وقد عادت بي الذاكرة، وأنا أتابع فصول مأساة الأستاذ ناشيد، إلى عهد حكومة بنكيران الأولى؛ فقد انتقت هذه الحكومة من بين حوالي 20 قانونا تنظيميا، القانون التنظيمي الوحيد والأوحد الذي تمت المصادقة عليه خلال هذه الفترة؛ ويتعلق الأمر بالتعيين في مناصب المسؤولية.
وقد كان الهدف واضحا من إسراعها بإخراج هذا القانون التنظيمي، حتى يصبح “بإمكان الحزب الأغلبي العمل على تركيز أتباعه في دواليب الدولة. وبهذا، سيضمن لهؤلاء، من جهة، الترقية الوظيفية والاجتماعية، ومن جهة أخرى، وهذا هو الأهم، سيضمن السيطرة على مقاليد الأمور في المؤسسات المعنية” (انظرمحمد إنفي”حزب العدالة والتنمية ومشروع الهيمنة على مؤسسات الدولة والمجتمع”، موقع وجدة “سيتي” بتاريخ 22 ماس 2014).
وها نحن نعيش اليوم إحدى تجليات هذه الهيمنة؛ وما هذا إلا غيض من فيض. وما خفي كان أعظم!!!

الكاتب : محمد إنفي - بتاريخ : 30/04/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *