المرأة ومخاضات الانتقال التنموي

نور الدين قربال

 

لقد حققت المرأة قفزات نوعية على مر العصور والأزمنة، لكن رغم ذلك مازال ميزان التوازن غير منصف، مما يجعلها مقصية للأسف من عدة مناصب، مما يعطل التنمية. ومن هذا المنطلق لابد من دعم مشاركة المرأة، بناء على المواطنة، والمواثيق الدولية، نحو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966 التي صادق المغرب عليها في ماي 1979.
إن الواجب هو الإنصاف في توزيع الإمكانات، والخيارات، والشروط والفرص بين الجنسين، مع تمييز إيجابي لصالح النساء، ووضع سياسات عامة وعمومية في الموضوع، وفرز كفاءات بناء على الشفافية والمصداقية والديمقراطية والمهنية، والمشاركة في اتخاذ القرار.
والأهم هو إعادة النظر في الرؤية المجتمعية للمرأة، وجعل حد للتباين الكبير بين وضع المرأة في عالم الاقتصاد الرسمي، وعالم الاقتصاد غير الرسمي، والتمييز النوعي في الحياة الاقتصادية. وتطوير المشاركة الفعالة للمرأة في بنية العمل، انطلاقا من خلق الثروة والرفع من دخل الفرد، وتحسين أوضاع المرأة، وتعبئة مهارات النساء عامة، والتقليص من نسبة البطالة.
وبذلك نحد من التفرقة النوعية اعتمادا على أساليب متنوعة ومختلفة في مكافحة التمييز، بوضع السياسات، والانخراط الفعال في التغييرات النظامية، والتقليص من التفرقة الكبيرة في التمكين من فرص الشغل، وفي مجالات العمل نفسها، من أجل ضمان الاستدامة، مع التقويم الدائم للنسبة المئوية، للنساء العاملات، والتعليم والخبرة، وتحسين نظام المعلومات، وتشجيع ريادة الأعمال.
إن الارتقاء بأوضاع النساء قانونيا وسياسيا وسوسيو اقتصاديا واجب حتمي، ولقد ميزت الأمم المتحدة بين ثلاثة مقامات: المرأة في التنمية والمرأة والتنمية ومقاربة الجندر والتنمية، أي التحول من تنمية النساء إلى تنمية النوع الاجتماعي.
ومن خلال ما وقع في المغرب نعتبر أن هناك مكتسبات تحققت بمجهودات جماعية انطلاقا من توجيهات ملكية هادفة، نحو دعم الأرامل والدعم المباشر، وتمويل مشاريع بعض الفئات المعوزة، والتأمين الصحي، والمساعدة الصحية، وتنويع العرض الاقتصادي، وتكثيف البرامج الاجتماعية، ومنح الجنسية للأبناء المولودين من الأجانب، ومدونة الأسرة، وإلغاء فقرة مثيرة من الفصل 475 من القانون، وتطوير المشاركة السياسية للمرأة…
لكن رغم كل هذا الذي هو في العمل نسبي، فإن معركة التشريع والتنظيم والحكامة مازالت مستمرة، من خلال المدخل الحقوقي، للتمكين لمفهوم المواطنة، حيث تكرس الديمقراطية، وتعزز مبادئ المساواة، والانصاف، والعدالة الاجتماعية، وضرورة تجاوز العجز الاجتماعي.
إننا اليوم في حاجة ماسة إلى الانتقال من التمكين الدستوري إلى التمكين التنموي، والمرتبط بتثمين الموارد البشرية، لأنها عنصر اساسي ومحوري في الإنتاج والتنمية، وهذا ما يتطلب مقاربة شمولية للمخططات والبرامج المرتبطة بتوفير المعلومات والمعطيات المساعدة على تحديد الأهداف، والتي من أهمها المساهمة الفعالة للمرأة في البناء التنموي.
إن البناء التنموي للنساء مخاض عسير يتأرجح بين المكتسب والتحدي، لأنه شامل للإصلاح، والتغيير، والانفتاح، والتطور والتقدم من جهة، والحقوق والثقافة وقيم المساواة والانصاف من جهة أخرى.
ولن يتحقق إلا بالتعاون بين السلطات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، خاصة اذا أخذنا بعين الاعتبار أن نصف الساكنة نساء، وأغلبهن شباب.
ومن أجل تأصيل هذا الاختيار نعود إلى الدستور المغربي لسنة 2011 فهو ينص على المساواة وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، والحرية، والمشاركة السياسية، والمساواة في الحقوق، والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وهذا ما يتطلب انتقال المرأة من مجرد موضوع في السياسة، إلى فاعل سياسي فيها، وهذا ما جعل الحضور النسائي معتبرا في الانتخابات التشريعية والجماعية.…
ويمكن أن نحدد في الأخير بعض المواضيع التي من الواجب أن نعمل عليها جميعا من خلال مصطلحي “للمواطنات والمواطنين”، الواردتين بالدستور، ومنها: الفقر، والصحة، والتعليم، والمساواة، والولوج الى الخدمات، وفك العزلة، والطرق، والاتصال، والإعلام والتشغيل، والفلاحة خاصة التضامنية، والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وتنمية العالم القروي، والابتكار التكنولوجي، والصيد البحري والسياحة، والصناعة، خاصة التقليدية، والمناطق الجبلية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتغييرات، والتغييرات المناخية والموارد الطبيعية….
ومن جهة أخرى يجب العمل على البعد الثقافي، والديمقراطية التشاركية، والرياضة، وتنمية القدرات، والحكامة التنموية، واللاتمركز واللامركزية، والاهتمام بالمجال والإدماج والتمويل، وعقلنة الصناديق الممولة.
إذن مزيدا من التعبئة الاستراتيجية والأجرأة، والتتبع، والتقويم من أجل الحفاظ على المكتسبات واقتحام عقبة التحديات….

الكاتب : نور الدين قربال - بتاريخ : 25/09/2019