المغرب العربي ومدى قدرته في البقاء على قيد الحياة…؟؟

محمد بنمبارك

 

 

سؤال لفت نظري إليه مقال للمرحوم محمد باهي بعنوان:» ندوة تصنيع المغربي العربي بالجزائر» التي عقدت أواخر يناير 1963، وأعيد نشره ضمن الجزء السادس، لمقالات هذا الصحفي المقتدر، التي أصدرها مؤخرا المناضل امبارك بودرقة في كتاب: « يموت الحالم ولا يموت الحلم»، الذي تم تقديمه يوم 6/6/2022، بجناح المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط.
ما أود التركيز عليه في هذه الندوة، الكلمة المعبرة التي ألقاها الزعيم السياسي الراحل، عبد الرحيم بوعبيد، التي قال فيها :»…وحدة المغرب العربي باعتبارها إرادة شعبية صارمة قبل أن تكون شعارا لأهداف سياسية،..وأكد أن وحدة المغرب العربي تطالب بها وتفرضها شعوب المغرب العربي على حكوماتها… مشيرا إلى أن المغرب العربي يضم ثلاثين مليونا من السكان، وبوسع هذه القوة البشرية الهائلة أن تخلق قوة اقتصادية وصناعية لمجابهة المجموعة الأوربية».
أهمية حديث سي عبد الرحيم، تكمن في اعتباره طرحا استباقيا، بحكم أن أنظمة بلدان المغرب العربي وقتها كانت لا تزال في طور التشكل بعيد الحصول على استقلالها السياسي، فمازال الحماس الوطني الوحدوي يدب في أوصال مختلف قياداتها السياسية، التي تحملت مسؤولية تسيير دفة الحكم.
ركز سي عبد الرحيم على عناصر القوة الثابتة لدى بلدان المغرب العربي انطلاقا من قناعاته السياسية ومن أرضية الماضي، لتضع لبنة الحاضر وتؤسس للمستقبل. حيث دعا إلى بناء مجتمع جديد، وخلق قوة اقتصادية وصناعية لمجابهة الأوربيين، مؤكدا أن الديمقراطية تعد العنصر الفاعل والحاسم لتحقيق هذا المشروع الوحدوي، تجاوبا مع تطلعات شعوب المنطقة.
لم تكن هذه المحاولة الأولى للم الشمل المغاربي وليست الأخيرة، فالمبادرات متعددة، انطلقت منذ 1945 مرورا بمؤتمر طنجة 1958 الذي شكل حجر التأسيس للوحدة، ثم اللجنة الاستشارية للمغرب العربي ذات الأفق الاقتصادي 1969. ونستحضر هنا الخطوة البارزة للملك الراحل الحسن الثاني إلى جانب أشقائه قادة الجزائر: الشاذلي بن جديد، ليبيا: العقيد معمر القذافي، تونس: زين العابدين بن علي: وموريتانيا: العقيد معاوية ولد الطايع، بالإعلان عن تأسيس « اتحاد المغرب العربي « بمراكش 17 فبراير 1989، الذي عقدت عليه آمال كبيرة لبناء صرح مغاربي يخدم مصالح شعوبه، يطوي صفحة الخلافات، ويلتفت إلى قضايا الاندماج الاقتصادي وتشجيع التجارة البينية وفتح الأسواق وخلق فرص الشغل وحرية تنقل البشر والرأسمال، ومواجهة التحديات الأوربية.
لكن بالنظر إلى هذا الرصيد التاريخي والمبادرات الشجاعة الداعية إلى الالتئام والتحصن داخل البيت المغاربي، نتساءل عن الحصيلة…؟؟ لنصطدم بجواب لا يختلف عليه اثنان، يفيد أن الحصيلة فاقت كل التوقعات في السوء وخيبة الأمل والإحباط. فالتجارب أبانت عن صعوبة التنفيذ وعدم القدرة على الحياة.
خسائر اقتصادية فادحة بالجملة تكبدتها دول المغرب العربي، فكل التقارير والإحصائيات الصادرة عن مؤسسات دولية وإفريقية حول التجارة البينية بين البلدان المغاربية تشير إلى أنها هزيلة، والمنطقة تعيش حالة ضياع الفرص وهدر الطاقات، في الوقت الذي تمر به دولها بأزمات اقتصادية واجتماعية خانقة.
ويحضرني بالمناسبة، نداء للسيدة «كريسين لاغارد»، مديرة صندوق النقد الدولي، يناير 2013 بنواكشوط، خلال مؤتمر: « الاستثمارات بين دول المغرب والاستثمارات الخارجية المباشرة في دول المغرب»، حين اعتبرت أن تطبيق المغرب العربي لحرية نقل السلع والخدمات سيقدم إمكانات هائلة لسوق تضم 90 مليون نسمة. وشددت على أنه ليس بإمكان كل اقتصاد في دول المغرب العربي أن يضمن لوحده ازدهاره، بل لن تتمكن من تحقيق ذلك سوى مجتمعة، داعية إلى تكامل اقتصادي في ما بينهم» .
رغم كل هذه التوصيات والتنبيهات، يبدو أن المنطقة تتجه نحو المحرقة، عبر اعتماد سياسات لا تلتفت إلى هذه الجوانب، بل تتبنى نهجا عدائيا، يتمثل في التدخل في الشؤون الداخلية والمس بالوحدة الوطنية والعمل على زعزعة استقرار هذه الدولة أو تلك واحتضان المعارضات بالشكل الذي أساء إلى علاقات حسن الجوار.
وحري بنا في هذا المقام التذكير بما نصت عليه المادة 15 من معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي:
« تتعهد الدول الأعضاء بعدم السماح بأي نشاط أو تنظيم فوق ترابها يمس أمن أو حرية تراب أي من منها أو نظامها الأساسي. كما تتعهد بالامتناع عن الانضمام إلى أي حلف أو تكتل عسكري أو سياسي يكون موجها ضد الاستقلال السياسي أو الوحدة الترابية للدول الأعضاء الأخرى.» مبادئ مفهومة.
عامل آخر، تكاد تجمع عليه آراء كل السياسيين والمراقبين شل دينامية الاتحاد المغاربي، يتعلق الأمر بالنزاع المغربي الجزائري حول قضية الصحراء المغربية، بعدما استعصى إيجاد حل لهذه المعضلة سواء في إطار ثنائي أو مغاربي أو عربي أو إفريقي أو دولي. فمنذ آخر قمة مغاربية انعقدت بتونس 1994، لم يتمكن قادة البلدان الخمسة من تجديد لقاءاتهم، فتجمد نشاط الاتحاد. ويجب الالتفات إلى عامل آخر محبط، يتمثل في الأدوار السلبية لبقية الدول الأعضاء، التي رأى البعض منهم أن في استمرار الخلاف المغربي الجزائري ما قد يعود عليه بمكاسب.
شهدت منطقة المغرب العربي عدة متغيرات، لاسيما بعد هبوب رياح الربيع العربي، التي أطاحت بثلاثة قادة بتونس، ليبيا والجزائر، ودفعت موريتانيا إلى السعي للانتقال من الحكم العسكري إلى الديمقراطي في ظل حضور مكثف للمعارضة بكل تلاوينها، لكن الطريق لايزال أمامها طويلا. أما الجزائر فرغم الإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ظل العسكر يتحكم بزمام الأمور في الدولة، بما أن يفيد أن الجزائر ظلت تراوح مكانها منذ استقلالها إلى اليوم. في المغرب عرفت الملكية كيف تجتاز مرحلة الربيع العربي، من خلال سلم اجتماعي، تمثل في اعتماد دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لثلاث ولايات تشريعية، وإعطاء نفس جديد للاقتصاد والتنمية والصحة، والانفتاح الواسع على إفريقيا والعودة إلى الاتحاد الإفريقي، وإحداث نقلة نوعية في أدائها الدبلوماسي.
بالنسبة لتونس فقد سجلت انطلاقة ديمقراطية واعدة بعد عهد زين العابدين بن علي، لكنها عادت إلى المربع الأول بفعل تشرذم الطبقة السياسية وعدم القدرة على الحفاظ على مكاسب الإصلاح السياسي. ليبيا بدورها عانت كثيرا، بعد سقوط القذافي، من حدة الصراعات السياسية والقبلية وتدخلات قوى خارجية وانتشار الحركات الإرهابية وسيادة لغة السلاح والمعارك. مما استعصى على أهل الحل والعقد بالبلاد بمساعدة المنتظم الدولي التوصل إلى تسوية للأزمة السياسية المهددة لأمن واستقرار وسيادة ليبيا. كان بالإمكان أن يلعب اتحاد المغرب العربي كمؤسسة، دورا رئيسيا في مساعدة الشعبين الليبي والتونسي للخروج في محنتهما داخل البيت المغاربي، لكن هشاشة الاتحاد لم تسعفه للقيام بأي مبادرة أو تحرك في هذا الشأن.
هذه المتغيرات داخل أنظمة حكم البلدان المغاربية في العشرية الأخيرة، لم تأت بجديد بالنسبة لوضع اتحاد المغرب العربي. فقد ظلت مؤسسة هذا الاتحاد بعيدة عن أي اهتمام أو تفاعل من قبل الحكومات، بل زادت من تهميش دوره.
أما حال العلاقات الثنائية بين الدول المغاربية الخمسة فلا تبعث بدورها على الاطمئنان، فالعلاقات المغربية الجزائرية في أوج أزمتها، بعد المكاسب السياسية والدبلوماسية للرباط بشأن ملف والصحراء المغربية أمميا وإفريقيا وعربيا وأوربيا، دفع الجزائر إلى قطع علاقاتها مع المغرب ووقف أنبوب الغاز والاستمرار في إغلاق الحدود، وتوجيه سلسلة مـن الاتهامات والتصريحات العدائية النارية، فضلا عن الدفع بجبهة البوليساريو إلى الخيار العسكري. أما موريتانيا ففي انتظار حصول قمة مغربية موريتانية بعد القمة الجزائرية الموريتانية، تزيل حالة الالتباس التي يروج لها إعلاميا. بالنسبة لليبيا وتونس ففي حالة مع وقف التنفيذ، هناك محاولات للتدخل والوساطة لاسيما من جانب المغرب والجزائر لكنها مطبوعة بالتنافس والتباعد.
ويجب الاعتراف أن المنطقة المغاربية اليوم تسودها حالة الاحتقان، يتحكم فيها واقع مؤلم ملغوم قائم على التنافر والتفرقة، ويتحمل القسط الأكبر من مسؤولية هذه الكارثة المغاربية أحد الأنظمة، حين سعى عن سبق إصرار إلى نشر ثقافة العداء بين القادة والشعوب وإغلاق الحدود والدفع بسباق التسلح، والحروب الإعلامية المكثفة، ومحاولات فرض سياسة الاستقواء والتطلع إلى الزعامة والهيمنة بالمنطقة، بغاية التحكم بأمنها ومصيرها، تحت شعارات ثورية وبأيادي عسكرية. بالشكل الذي ينذر بالقيامة.
مما وضع الوحدة المغاربية في مهب الريح على الأقل في المستقبل المنظور، في انتظار حصول تطورات سياسية تساعد على تغيير الأوضاع الراهنة بالمنطقة المغاربية.
أعود إلى حديث المرحوم سي عبد الرحيم، الذي أرى أنه وضع يده على نقطة الارتكاز في مشروع الوحدة المغاربية، المتمثلة في الديمقراطية، حينما دعا الحكومات إلى الخضوع لإرادة شعوبها، ومن ضمنها الرغبة في الانفتاح على الفضاء المغاربي بكل تجلياته في إطار مشروع وحدوي كحتمية تاريخية. هكذا نظر هذا القيادي إلى المعادلة المغاربية، معتبرا أن وحدة المغرب العربي لن تتمكن من النهوض بدون ديمقراطية.

دبلوماسي سابق
عضو المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال

الكاتب : محمد بنمبارك - بتاريخ : 21/06/2022

التعليقات مغلقة.