المغرب: حملات تقتضي رفع درجات الحذر

عبد السلام المساوي

يتعرض المغرب، بشكل شبه دائم، لحملات منظمة من قبل خصومه وأعدائه السياسيين والاستراتيجيين خارج البلاد. وفي الواقع، فإن هذه الحملات الإعلامية الناقمة على سياسات المغرب، على المستوى الإقليمي أو الدولي، لا يمكن أن تثير أي استغراب، ما دامت تصدر عن الخصوم والأعداء، وما دامت أهدافها ومراميها مقروءة تمامًا، بالنسبة لأي متابع موضوعي للوقائع والأحداث بالمغرب ومحيطه. وعادة ما تتكفل الجهات الرسمية في الدولة المغربية، وخاصة مصالح وزارة الخارجية والتعاون الإفريقي، بالرد على تلك الحملات، وتفنيد مضامينها المغرضة، وفضح أهدافها السياسية، أو العمل على وضعها في سياقها، الإقليمي والدولي، حتى يكون الشعب المغربي والرأي العام الإقليمي والدولي على بينة منها، ولا يقع فريسة للتضليل.
غير أن الخصوم والأعداء لا يكتفون بشن حملاتهم مباشرة، على بلادنا، وعبر أجهزتهم الإعلامية أو مؤسساتهم الرسمية، وإنما يوكلون هذه المهمة إلى أطراف ثالثة، غالبًا ما لا يتبين المرء، غير المطلع، طبيعة علاقاتها مع تلك الجهات، وخاصة أنها تقدم نفسها باعتبارها مؤسسات بحثية أو إعلامية مستقلة، مما يمنحها هامشًا ليس هينا، من حرية المرور، وإصابة الأهداف، التي حددتها لنفسها، أو حددتها لها، وإن بشكل عام، الجهات التي تخدمها، تلك الحملات الموجهة إلى البلاد. وليس يهمنا هنا إذا كان الثمن مدفوعًا نقدًا، لتلك الوسائل، أو إذا كان عينًا في شكل مصالح أخرى تعود بالنفع السياسي الاستراتيجي على الجهات التي خططت لتلك الحملات، وحرصت على إخراجها بالطريقة التي تم بها الأمر، في شكل تحليل سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، أو في شكل تصريح، هنا أو هناك.
وهنا ينبغي الاعتراف، دون لف ولا دوران، ببعض الحقائق المرتبطة بالأخطاء التي ترتكب عندما نجد أنفسنا وجهًا لوجه أمام هذا النوع من الحملات الإعلامية، التي لا تعلن عن نفسها، باسمها كذلك، وإنما تختار اتخاذ لبوس التحليل والمعالجة الموضوعية أو الحيادية للتغطية على ما يناقض الموضوعية والحيادية تمامًا.
وفي الحقيقة، هناك خطأ شائع نقع فيه ربما جميعًا، وإن بشكل متفاوت، بسبب عوامل المعرفة والثقافة من جهة، وبسبب الاستعداد، أو عدم الاستعداد النفسي، من جهة أخرى.
وموضوع الخطأ، هو حول ما يكتبه الأجانب عن بلادنا خاصة، إذا كان ذا شحنة نقدية تجاه أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكيفية تعاملنا معه. إذ غالبًا ما نتخلى عن الحذر المنهجي الذي نعتمده في التعاطي مع ما تقدمه الجهات الرسمية مثلًا عندنا، من معطيات وتقديرات للوضع، على اعتبار أنها ربما تحاول تكييف تلك المعطيات والتقديرات، بما يخدم الموقف الرسمي الذي ينحو منحى التنويه بالمجهودات المبذولة، في مختلف المجالات والمرافق، وعدم التطرق إلى النواقص أو مواطن القصور في العمل الرسمي.
وإذا كان الحرص على تمحيص المعطيات الرسمية، والعمل على مقارنتها مع يتوفر لدينا من معطيات، من مصادرنا، الخاصة، أو مع ما سبق للجهات الرسمية أن قدمته، من معطيات حول قضايا التنمية الاقتصادية والسياسية، وتطورات ملفات بلادنا الوطنية، على المستويات الإقليمية والدولية، إذا كان الحرص على تمحيص تلك المعطيات، عملًا محمودًا صادرًا عن الحس النقدي الذي علينا الاحتفاظ به، وتنميته في مختلف المجالات، فإن الملاحظ أن هذا الحذر المنهجي المحمود، غالبًا ما يتبخر عندما نطالع مقالات، هنا أو تصريحات هناك، في وسائل الإعلام أو الكتابات الأجنبية، حول المغرب، بحيث نتحول، في رمشة عين، إلى مجرد متلقين سلبيين، في أحسن الأحوال، أو نصبح نشيطين بالاتجاه الذي اختاره لنا مدبجو تلك الكتابات، ومطلقو تلك التصريحات، في أقل الأحوال سوءًا، أو نتبنى تلك الحملات المغرضة بشكل مطلق، فنقوم بتعميمها والدفاع عنها كما لو كانت قرآنا منزلًا في أسوإ الأحوال. وهذه الحالة تصدق عندما تتناغم فيه مفردات تلك الحملات المغرضة مع تصورات تبخيسية داخلية لكل شيء، ولو أنها والحمد لله تظل هامشية ولا يعتد بها.
وفي كل الأحوال، فإننا بالتخلي عن الحذر، نتحول، من حيث ندري، أو لا ندري، إلى جزء من السلاح الفتاك الذي يستهدف بلادنا. وهو ما لا يقبله أي عقل نقدي يزن الأمور بموازين الموضوعية والواقعية، في النظر إلى الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في بلادنا.
ومما لا شك فيه، أن التفكير السوي في التعامل مع الكتابات الأجنبية، حول المغرب، هو ذاته العامل الأساسي الذي يدفع إلى مضاعفة مقدار الحيطة والحذر، مقارنة بما نعتمده تجاه كتابات الجهات الرسمية عندنا، وليس الإسراع إلى توقيع شيك على بياض للأجنبي، الذي مهما حاول أن يقنعنا، بموضوعيته أو حرصه على مصالح الشعب المغربي ونموه وتقدمه، فإنه يصدر، بالتأكيد، أولا وقبل كل شيء، عن أجندة لا علاقة لها بمصلحة شعبنا وبلادنا. بل إن كل شيء يدعو، على عكس ذلك، إلى التأكيد أن أصحاب تلك المطالعات، حول الوضع المغربي، يخدمون مصالح بلدانهم أو استراتيجيات دول أو جهات أخرى، عينها العدائية على المغرب على كامل يقظتها، وتحاول، بكل الوسائل المتاحة، النيل منه ومن مصالحه.
فهل يحتاج المرء إلى التأكيد أن ما تضخه وكالات الأنباء الدولية والإقليمية، من أنباء حول هذا البلد، أو ذاك، ليس بريئا من استراتيجيات الدول التي تمولها وتشرف على تحديد خطها التحريري، باعتبارها أدواتها الضاربة على مستوى صنع الرأي العام المؤيد لسياساتها، أو التأثير على الرأي العام في دول الاستقبال، لتقبل ما تذيعه من معلومات والتعامل معه باعتباره حقائق لا يرقى إليها الشك، حتى في الوقت الذي لا تغيب مراميها عن العين الناقدة الفاحصة للرسائل التي تحملها؟
إن ما تطالعنا به وسائل إعلام فرنسية مرموقة من معلومات حول المغرب وأوضاع شعبنا الاقتصادية والسياسية لا يخرج عن دائرة هذا الضخ الإعلامي الذي علينا أن نتعامل معه، بعين ناقدة واعية، حتى نتمكن من الفرز فيه بين المعطيات الحقيقية، وبين ما يدخل في نطاق الحملات الدورية المنظمة ضد المغرب لتحقيق أهداف من صميم استراتيجية الجهات التي تخدمها تلك الحملات.
فكلما غابت اليقظة، كلما كان تأثير الحملات المغرضة فعالا وموجعا.
على الإعلام الفرنسي، على بعض وسائل الإعلام الفرنسي خصوصا، المعادية للمغرب والمسيئة لثوابته ومقدساته ظلما وبهتانا، عليها أن تنزل الى الأرض، أرض الواقع؛ واقع فرنسا وأوروبا، أن تنزل بمهنية وموضوعية واستقلالية؛ ان تهتم نقديا بمشاكل فرنسا وأوربا، وهي لا تحصى عددا وخطورة؛ الشعبوية وإرهاب اليمين المتطرف، الإقصاء والعنف ، الهجرة والعنصرية، الانغلاق والشوفينية ، البطالة والفساد ، فضائح مسؤولي الدولة المالية والأخلاقية ، تدخلات مؤدى عنها في دول تواجه الانهيار ، رشاوى رجال الدولة من قبل حكام عرب فاسدين….
على وسائل الإعلام هذه أن تركز على مشاكل بلادها وقارتها، عليها أن تلتفت أحيانا إلى دول قريبة منا أو في محيطنا العربي والتي تواجه مشكلة وجود؛ احتجاجات جماهيرية في مستوى خطورة الاحتجاجات التي عرفتها وتعرفهافرنسا…
المغرب بقيادة محمد السادس يشق طريقه نحو المستقبل ، وهو طريق ملكي …يشتغل ، يفتح الأوراش الكبرى …وعندما تكون هناك اختلالات فهو أول من ينبه إليها وعليها ولا ينتظر بعض وسائل الاعلام الفرنسية المرتزقة والمبتزة …الملك يشخص ويقترح الحلول والبدائل في اطار «البيعة المتبادلة بين العرش والشعب»….
تبرز من حين لآخر بثور إعلامية للتطاول على المغرب. غير أن مآلها ملازم لها في تفاهتها.
المغرب يتعامل مع الدول من موقعه، ومن إدراكه لمصالحه الاستراتيجية، ولا يقبل لنفسه بالنزول إلى مستوى من يدركون، في عمق أعماقهم، أنهم لا وزن لهم في ميزان التاريخ والحضارة والشهامة، فيخيل لهم وضعهم هذا أن التطاول على المغرب، قد يمنحهم بعضًا من القيمة التي يفتقدونها.
والحال، أن طريق امتلاك القيمة يبدأ بإدراك طبيعة وأوزان البلدان، لأنه بذلك يتم تجنب الوقوع في أي شكل من أشكال التطاول، باعتباره التعبير الملموس على أن قامة المتطاول تظل دومًا دون قامة المتطاول عليه، مهما حاول أن يوهم نفسه بغير ذلك.
المغرب يحترم كل الشعوب والثقافات، ويربأ بنفسه عن كل سلوك يمكن أن يمس كل الشعوب، مهما كانت خلافاته مع هذه الجهة الرسمية أو تلك، لأنه مدرك تمامًا أن التحامل على الشعوب تحت أي ذريعة كانت تفضح تفاهة المتحامل قبل غيره.
وإذا كان هناك من تخفى عليه هذه الحقيقة، فلن يخرج عن كونه منتميًا إلى فئة لا تعرف معنى القيم النبيلة، فتضرب أخماسا في أسداس في التعامل مع الدول والشعوب العريقة، أو كونه من سلالة تتوسل الغدر والطعن في الظهر لتحقيق مآرب، أقل ما يقال فيها إنها دنيئة بكل المقاييس. وفي الحالتين معًا فهو قد تكفل بشكل إرادي أو غير إرادي بفضح نفسه بنفسه.
فليعلم هؤلاء أن بيت المملكة المغربية متين بقيادتها وشعبها، والأجدى بالمتطاولين، على شعبنا وقيادتنا، أن يكنسوا أمام بيوتهم، ويتأملوا في هشاشة بنيانهم، لأن ناطحات السحاب لا تجدي نفعًا مادامت أعمدتها على رمال متحركة تذروها الرياح.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 01/05/2023

التعليقات مغلقة.