المغرب ضرورة لإسبانيا وفوق كل المزايدات الانتخابية

طالع السعود الأطلسي

زعيم الحزب الشعبي الإسباني السيد ألبيرتو نونيز فيجو، والذي تتوقع له استفتاءات نَوايا التصويت ومعها التحاليل والاحتمالات الإعلامية، أن يُمَكِّنه الفوز في الانتخابات التشريعية القريبة في إسبانيا، من ترؤس الحكومة الإسبانية المقبلة، في حوار له مع قناة تلفزيونية إسبانية، وعدَ في حالة تحمُّله مسؤولية الحكومة، بأن جهوده “ستنْصبّ على إقامة علاقة مُمتازة مُستقرة وشفَّافة مع المملكة المغربية، باعتبارها بلدا جارا وحليفا وصديقا”، موَضّحا أن “هناك ضرورة معرفة ما اتّفق عليه بيدرو سانشيز مع المغرب والاستمرار فيه».
السياسي الإسباني مَيّز في تصريحه بين صِراعه السياسي الحادّ مع اليسار وزعيمه بيدرو سانشيز، وبين استمرارية الدولة الإسبانية، وصدر في إفادته عن صيانة اختيارات الدولة من تقلُّبات الأمْزِجَة الحزبية والتداول الحكومي، ولأن العلاقات المغربية – الإسبانية هي نسيج مِن نُول استراتيجي مَتين وقوامها الوعي المشترك بأفضل السُّبُل الواقعية والعملية لإنتاج وإدامة التَّنافُع في العلاقات بَدَلَ التَّدَافُع أو التَّقَارُع أو التَّمَانُع.. كل إسبانيا المشاركة في القرار السياسي، بنخبتها السياسية، الحزبية، الاقتصادية والثقافية، تعرف حاجتها إلى المغرب ومساهمته في حُسن تدبير الداخل الإسباني، وليس وحسب في المجال الدبلوماسي، رغما عن المُلاسنات الحادة بين الفُرقاء والتي موضوعها المغرب.
وقد عبّر عن ذلك ضمنيا السيد بيدرو سانشيز، في ما يُشبه التكامل مع تصريحات غريمه السيد ألبيرتو فيجو حين ردَّ على ادِّعاءات لمُتطرِّفين بأنَّ “تغيير موقف إسبانيا من قضية الصحراء، لا علاقة له بضغط مغربي تجسُّسي عليه”، وأصلا كان قد نفى أي عملية تجسُّسية عليه.
هو موقف سياسي ببُعد استراتيجي، ومُمَاثل لمواقف دول مهمة في أوروبا (وآخرها، تجديد ألمانيا لتفاهمها الشامل مع المغرب، ودعمها لمسعاه السلمي في حل نزاع الصحراء)، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية. وأشار إلى أن العلاقات مع المغرب تكتسي أهمية جوهرية، لاسيما في مجالي التجارة والاقتصاد.
وهو يعني أن العلاقات بين البلدين، أضْحت لها بِنْيات “تحتية” صلبة، مُتّصلة بمصالح الدولة الإسبانية، وتتجاوز نِطاق صلاحيات وتوجُّهات حكومة، وذلك منذ 2008، سنة الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي فتح المغرب فيها “طريقا سيارا” للاستثمارات الإسبانية، إنقاذا لها من الأزمة ومن انْسِداد الأفُق الأوروبي أمامها، إلى أنِ انْتزعت الموقع الأول في الاستثمارات والمعاملات الاقتصادية الأجنبية في المغرب، مُتجاوزة فرنسا، الشريك التقليدي للمغرب، وإلى أن بلغت اليوم أزيد من 17 مليار يورو كرقم مُعاملاتها مع المغرب.
ويكفي أن نُذكر بأن قرار المغرب بإبْعاد التُّراب الإسباني من عبور عملية “مرحبا”، الخاصّة بعودة مغاربة العالم، إلى ومِنَ المغرب، ضيَّع على إسبانيا عائدا يقدر بمليار ونصف مليار يورو. وهو ما اسْتَعادته اليوم مع انْفراج العلاقات المغربية – الإسبانية، وضمّ عبور إسبانيا إلى عملية “مرحبا”.
لم تكن تلك هي الخسارة الوحيدة لإسبانيا، سنوات مُكابرتها وعنادها مع المغرب، وهي ليست مَكسبَها الوحيد من تفاهُمِها معه وتفهُّمِها لقضاياه، وفَهْمِها لمصلحتها من التّعاوُن معه.. مكاسبُها الآن مع المغرب، مُتنوعة وبعيدة المدى، خاصة وأن إسبانيا تتحمّل رئاسة الاتحاد الأوروبي، وتحتاج فيها إلى مُنشطات مغربية، تذهب بها بعيدا في إفريقيا، في ظرفية أوروبية أوّلا وعالمية ثانيا، بالغة القَتَامَة ومَلْغومة بأسئلة المستقبل المنْزُوعة مُولدات الأجوبة، لديْها الآن شريك “واثق الخُطى” نحو نهضته و”يَسْتَرْفِق” في سبيله، القادِر والرّاغب والصّالح من الشُّركاء، من أجل تفاعل مُنتج بين إرادتَيْن وبين ندّيْن وبين جادّيْن وبين مُحْتَرَمَيْن، ولذلك سيكون من يتولى دَفَّة الحكومة “مُرغَما” على تحريكها في الاتِّجاه نفْسه الذي تُبْحِر فيه، لمصلحة إسبانيا أولا، المصلحة الفعلية والعارية من المُزايدات والتَّسْخينات الانتخابية.
الهجوم الشَّرس على السيد سانشيز أمر، وهو مُتّصل بالتَّدافع بين فرقاء الحياة السياسية الإسبانية. وأمر آخر، إدارة الحكومة في علاقاتها مع المغرب، رغم أنّ المغرب أضحى حاضرا وحَتّى فاعلا في التفاعلات السياسية الداخلية والخارجية لإسبانيا، وقد كان كذلك لسنوات، ورُبَّما مُنذ أن عبَّأ اليسار فِكْره السياسي بأبْعاد الجِوار الإسباني للمغرب في مُستقبل إسبانيا.
“الاشتراكي العُمّالي”، وهو الفاعل في النّهضة الإسبانية لما بَعد نهاية سبعينيات القرن الماضي، خصّ المغرب بمكانة مُميَّزة واعْتبر قُدرته على التأثير على إسبانيا، نفْعا أو ضررا، وقد لاحظنا ثلاثة من كبار قادته يُجاهرون بحاجة إسبانيا إلى المغرب قدْر حاجة المغرب إليها، ولفائدة علاقات تنَافُع مُفيدة للطّرفين، في بيئة تَعُجُّ بالمُغْلَقَة عقولُهم على اسْتيعاب حقائق الحاضر وحاجات ووعود المستقبل، وهم غونزاليس، ساباثيرو والحالي بيدرو سانشيز.
وها هو السيد ماريا أزنار، يخرُج من سُبَاتٍ سياسي، بصُراخ مُخْتنِق من ضرورة المغرب لإسبانيا، صُراخ انْتخابي بِلا جدْوَى، وبلا مَدَى، ما دام زميلُه الزعيم الحالي للحزب الشعبي يُطلق، منذ الآن، إشاراتِ التَّخلّص من المُزايدات الانْتِخابية والوعْد بالخُضوع لضرورة المغرب في السياسة الإسبانية بكل أبعادها وروافعها. وحتى أزنار، لو كان مُمكنا أن يرأس الحكومة لن يحيد عن صون العلاقات مع المغرب، لأنها الواقع ولأنها المستقبل.

الكاتب : طالع السعود الأطلسي - بتاريخ : 11/07/2023

التعليقات مغلقة.