المغرب ليس مسؤولا عن استفحال الجنون في الجزائر، والإعلام نموذجا
محمد إنفي
لقد سبق لي أن كتبت مقالا بعنوان « المغرب ليس مسؤولا عن أزمة الرجال في الجزائر». واليوم أعيد الكرة بمقال عن عدم مسؤولية المغرب عن استشراء آفة الحمق والجنون في نفس البلد. وتعكس وسائل إعلامه بمختلف أنواعه هذه الحقيقة الساطعة.وقد اخترت أن آخذ الإعلام كحجة عن مدى استفحال الحمق والجنون في جارتنا الشرقية؛ وهذا ما حولها إلى مستشفى للمجانين والمعتوهين وباقي العاهات النفسية، ومنها متلازمة ((syndromeالمروك (أنظر مقالا لي بعنوان « متلازمة «المروك» حوَّلت الجزائر إلى مارستان مفتوح»، نشر بموقع «أخبارنا» بتاريخ 16 شتنبر 2024).
والحمق ليس طارئا على المجتمع الجزائري، وبالخصوص في مجال الإعلام. لقد سبق لي أن تساءلت في مقال بهذا العنوان «ماذا يوجد في دماغ إعلاميي الجزائر؟» (أنظر «الحوار المتمدن»، بتاريخ 8 يناير 2024، الموقع الفرعي لكاتب هذه السطور). ولتتميم هذا السؤال، أضفت إليه في الجملة الأولى من المقال: «أمخ أم عجين؟»، فأصبحت هذه التكملة هي الموضوع وليس الدماغ كما قد يتبادر إلى الذهن من صيغة العنوان.لكن السؤال «ماذا يوجد في دماغ إعلاميي الجزائر؟»، هو في حد ذاته حمَّال لأوجه؛ فقد يفهم من صيغته أن الأمر يتعلق بالغباء (ولي في هذا الموضوع أكثر من مقال، وأكتفي بالإحالة على واحد منها بعنوان «الغباء في الجزائر وراثي أم مكتسب؟»، نشر بجريدة «الاتحاد الاشتراكي» بتاريخ 4 أبريل 2023)؛وقد يُعتبر نفس العنوان وصفا وتقييما لنوعية الإعلام الموجود في الجزائر؛ وتأتي التكملة أو الإضافة «أمخ أم عجين؟»، لتأكيد مضمون هذا العنوان والتفصيل فيه.
ولحمق الإعلام الجزائري وجنونه تاريخ لا يسمح المقام بسرده والدخول في تفاصيله. لذلك، سوف أقتصر على بعض الأمثلة من الوضع الحالي لإثبات هذا الحمق والجنون والذي أصاب كل وسائل الإعلام في الجزائر لا فرق في ذلك بين الإعلام الرسمي وغير الرسمي، سواء منه المقروء أو المسموع أو السمعي البصري؛ ونفس الآفة استشرت في وسائل التواصل الاجتماعي بكل أصنافها.
لكن ما هو ملفت في الأمر، هو مستوى الحمق الذي استبد بالإعلام الرسمي بكل قنواته. لم يكتف هذا الإعلام بجعل المغرب موضوعا رئيسيا في نشرة الثامنة ليلا؛ بل أصبح يذيع وصلات، على طريقة الوصلات الإشهارية، مسيئة بشكل كبير للمغرب ولمؤسساته دون مراعاة لا للأخلاق ولا للمهنية ولا للماضي والمستقبل والذي قد يصبح مشتركا. لقد استعمل هذا الإعلام كل أساليب القذارة والحقارة والخسة والنذالة والتي لا يمكن أن تصدر عن أناس أسوياء؛ لذا، أؤكد، بيقينية تامة، بأن هذا الإعلام والنظام الذي يوجهه قد وصلوا إلى أعلى مستوى من الحمق والجنون والاهتزاز النفسي. فعقدة المغرب (وقد سبق لي أن كتبت في هذا الموضوع) قد تحولت إلى حمق وجنون. فهل عدم تفاعل الإعلام الرسمي المغربي مع هذه القذارة وهذا الانحطاط، هو الذي جعل هذه العقدة تستفحل إلى هذا الحد؟
سوف أقف قليلا على الحمق والجنون في الإعلام الرياضي الجزائري، وسوف آخذ بعض الأمثلة بدءا من الحاضر ثم نزولا إلى الماضي إن اقتضت الضرورة ذلك. لقد كان لحصول المغرب على شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030 بمعية البرتغال وإسبانيا، مفعول مدمر على الجيران. فالمنصات الرياضية في الجزائر، والتي نادرا جدا ما تجد فيها إنسانا عاقلا يحلل بمنطق وعقلانية، لا يخجل أصحابها من القول بأن الجزائر أحق من المغرب بتنظيم كأس العالم ويزعمون بأن لديهم بنيات رياضية لا تتوفر لدى المغرب وغير ذلك من الحماقات والهلوسات. ونفس الشيء فيما يخص كأس إفريقيا للأمم لسنة 2025، والذي سينظم بحول الله في المغرب. ومنصاتهم اليوم لا تتحدث إلا عن عدم جاهزية المغرب لتنظيم هذا الحدث الكروي الإفريقي. ورغم أنهم انسحبوا من المنافسة على التنظيم إلا أنهم لا يخجلون بأن يرددوا بكل وقاحة بأن «الكاف» طلبت منهم أكثر من مرة تعويض المغرب لكونه غير جاهز لتنظيم الحدث، لكنهم رفضوا حسب زعمهم المفضوح.
أما القرار الذي اتخذته «الفيفا» مؤخرا بفتح مقر فرعي لها بالرباط خاص بإفريقيا، فقد عمق جراح الجيران وأصيبوا بالسعار. ولغبائهم وحمقهم وجهلهم بالواقع المغربي وربما حتى بواقع بلادهم الحقيقي، يتساءلون كيف اختارت «الفيفا» المغرب ولم تختر الجزائر؟ إنهم لا يدركون بأن بلادهم في الحضيض على كل المستويات.
والأمثلة عن حمق وجنون الإعلام الجزائري لا تعد ولا تحصى. وحمق هذا الإعلام ما هو إلا صورة لحمق وجنون النظام الجزائري بنخبه وأنصاره وأبواقه. وكيف لا ورأس الهرم يؤكد في الأمم المتحدة بأن بلاده سوف تصل في نهاية 2024 إلى تحلية مليار وثلاث مائة متر مكعب من مياه البحر يوميا؟ وفي الوقت الذي تعرف فيه الجزائر خصاصا مهولا في المواد الغذائية الأساسية، تعكسه الطوابير التي لا تنتهي، يزعم تبون أن اقتصاد بلاده قد انتقل إلى الرتبة الثالثة عالميا. ألا يكفي هذا كدليل قطعي على أن الرجل مرفوع عنه القلم؟
وحتى أكون موضوعيا ومنصفا، أرى أن للمغرب بعض المسؤولية غير المباشرة فيما أصاب الجزائر من جنون؛ وأعني بذاك أنه لم يقصد أن يُجنِّن لا النظام ولا إعلامه. فكل ما فعله، هو أنه لما تأكد، وبالخصوص في عهد جلالة الملك محمد السادس، من أن النظام الجزائري لا يريد بناء بلاده ولا بناء الاتحاد المغاربي؛ بل همه الوحيد هو الإساءة للمغرب ولوحدته الترابية، أعطى بالظهر لهذا الكيان الهجين(الذي أغلق حدوده البرية منذ سنة 1994)وانبرى لخدمة مصالحه على المستوى الداخلي والخارجي، فاهتم بالبنيات التحتية وبناء الاقتصاد الوطني، كما اهتم بالعلاقات الديبلوماسية. والآن يجني المغرب ثمار هذه السياسة الحكيمة وتجني الجزائر، بفعل سياستها الرعناء، الفشل على كل المستويات.
خلاصة القول، لقد أصبح كل نجاح يحققه المغرب، هو بمثابة خنجر في صدر النظام الجزائري ومن يلف لفه. وعلى سبيل المثال، فكل نجاح رياضي للمغرب هو صدمة قوية للجزائر، وكل نجاح ديبلوماسي هو صفعة مدوية على خد الديبلوماسية الجزائرية وخد النظام العسكري. وقد توالت هذه الصفعات وتكررت الصدمات خلال الولاية الأولى والحالية لعبد المجيد تبون؛ مما جعل الحمق يستشري في البلاد بفعل تخبط النظام العسكري. وقد زاد هذا التخبط بعد سقوط نظام لمجرم بشار الأسد؛إذ مجرد «هاشتاغ منيش راضي» أرعب النظام، فارتعدت فرائصه ولجأ إلى عقد اجتماعات على أعلى مستوى،وأطلق موجة اعتقالات واسعة لتخويف الجزائريين حتى لا يفكروا في حراك شعبي جديد قادر على إسقاط النظام. لكن السقوط يبدو حتميا؛ فإن لم يسقط بالحراك، فقد يسقطه الإفلاس الذي سيؤدي إلى الانهيار التام بسبب السياسة الرعناء للنظام. وعلى كل، فمن يزرع الريح يحصد العاصفة.
الكاتب : محمد إنفي - بتاريخ : 04/01/2025