المغرب هو الأجدر بإعطاء الدروس وليس تلقيها

 صابرين المساوي

 

يبدو جليا أن جائحة «كورونا» صالحت المغاربة مع الدولة ومع الفاعلين السياسيين ومع الإعلام الوطني، هذا على الأقل ما يمكن أن نفهمه من سلوكيات المغاربة وتدويناتهم في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي…
فمن بين حسنات فيروس «كورونا» أنه أعاد للمغاربة الثقة في الدولة، فالمغاربة تأكدوا أن هناك دولة تحميهم، بعدما لاحظوا أن المغرب نجح إلى حد كبير في تدبير الأزمة…
المغاربة فهموا أيضا بعد أزمة «كورونا» الدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات، ولو بإمكانياتها البسيطة، وأن دور الدولة ليس هو فقط تحصيل الضرائب من جيوب المواطن البسيط والفقير، ولكن أن تقف إلى جانبه أيضا في وقت الأزمات.
وهذه الأيام نسمع اسم المغرب في تلفزيونات بريطانيا وفرنسا وإذاعات إسبانيا شهادات حول المغرب تثير الاعتزاز، كلهم يضربون المثل بالمغرب في وتيرة التلقيح والسرعة التي تسير بها، وبالمقابل ينتقدون حكوماتهم ويتهمونها بالفشل ويطالبونها بالرحيل.
اعتدنا أن نسمع اسم المغرب في هذه القنوات والإذاعات مقرونا بالمشاكل والصعوبات والأخبار السيئة، وها نحن اليوم نسمعهم يتحدثون عن المغرب كمثال ناجح.
الفضل كله يعود لملك البلاد محمد السادس الذي كان سباقا إلى اتخاذ قرارات حاسمة في الوقت المناسب، إن على مستوى إغلاق البلد في وجه الملاحة الجوية، أو على مستوى إعلان حالة الطوارئ الصحية وإحداث صندوق مواجهة كورونا، أو على مستوى ضمان اللقاحات بالمجان لكل الشعب المغربي بتدخل مباشر منه، وإعطاء تعليماته الصارمة للقيام بعملية التلقيح في ظروف شفافة وناجعة، وهي العملية التي يتتبعها بشكل يومي ودائم.
لذلك فهذا النجاح الذي يشهد به العالم للمغرب، والذي يغيظ البعض من جيراننا، لم يأت من فراغ، بل هو ثمرة مجهود ملكي جبار جعل دولا متقدمة اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا تعترف للمغرب بالريادة في عملية التلقيح.
المغاربة عرفوا أن المغرب يمكنه أن يكون مستقلا عن الدول الأوروبية في تدبير شؤونه الخاصة، وفي حماية مواطنيه وأنظمته على حد سواء، فلا مجال لأي جهة خارجية اليوم أن تزايد علينا. صحيح أن وسائل المغاربة وإمكانياتهم بسيطة، لكن الدولة بمؤسساتها وشعبها نجحت في كل الأحوال في تدبير الأزمة….
إن التحرك الاستباقي للمغرب في تعامله مع الوباء كان صائبا، بل هو نموذج يثني عليه العديدون في أقطار المعمور… لقد اختارت الدولة المغربية الإنسان على أي شيء آخر…
اليوم حتى صحافة الأجانب، تلك التي كان يجد عندها بعض «المخالطين» مبررات الكذب علينا ومسوغات إيهامنا تقول: لقد أدهشنا هذا البلد، لقد أبهرنا ملكه وشعبه…
يشغل المغاربة بالهم هاته الأيام، عن حق، مراقبة ما يقوله الآخرون عنا، ويتبادلون في ما بينهم بافتخار ظاهر إشادة دول كانوا يعتبرونها أفضل منهم وتلقنهم الدروس يوميا بطريقة تعامل المغرب مع أزمة كورونا، وكيفية تدبير بلدنا الحكيمة لهاته الأوقات الصعبة بفضل التعليمات الملكية التي اتضح أنها كانت استباقية وسابقة لجميع الخطوات العالمية التي تمت في هذا المجال.
أفضل نموذج لهاته الإشادة الأجنبية بالمغرب يأتينا من فرنسا وقنواتها التلفزيونية التي لا تتوقف عن كيل المديح للمغرب ولا تتوقف في الوقت ذاته عن انتقاد تخبط مسؤولي دولتها في زمن كورونا. مقاطع فيديو عديدة تغزو مواقع التواصل الاجتماعي تلتقط هذه  «الغيرة» الفرنسية المحمودة وترى فيها اعترافا حقيقيا بأن الدرس قد يأتي من الجنوب وإن احتقر الشمال دوما كل ما يأتيه من هذا المكان.
وها نحن قد بدأنا نسمع في فرنسا أصواتا في الإعلام تدعو إلى محاسبة ماكرون وحكومته بسبب فشلهم في تلقيح الفرنسيين، فعلى الرغم من اقتناء الحكومة الفرنسية للقاحات فإنها فشلت في تطعيم الساكنة بالوتيرة المطلوبة، مما دفع بعض المعلقين في البرامج التلفزيونية إلى القول بأنهم اكتشفوا أنهم يعيشون في دولة من دول العالم الثالث وليس في فرنسا الصناعية كما كانوا يعتقدون.
لذلك أعتقد أنه لم يعد لأحد الحق في إعطائنا الدروس لأننا الأجدر بإعطاء الدروس وليس تلقيها.
المغرب بفضل مؤسساته الأمنية أعطى الدروس لدول متقدمة ليس أقلها أمريكا عندما مكنهم من معلومات استخباراتية جنبتهم حمامات دم كان يخطط لها إرهابيون.
لم تلتئم الطبقة السياسية في فرنسا على أمر كبير كما يحدث هذه الأيام والسبب: المغرب. فقد تحول المشهد السياسي في فرنسا، والمشهد على شاشات التلفزيون والجمعية العمومية الفرنسية إلى منصات خطابة، لا تتوقف عن مقارنة الطريقة التي تعامل بها كلا البلدين مع جائحة كورونا، اجتماعيا واقتصاديا وإجرائيا.
إن المعركة اليوم هي المعركة لأجل الحياة ولأجل الحفاظ على الحياة في مواجهة الفيروس اللعين.
المغرب بقيادة ملكه الحكيم واستنادا إلى تجربة القرون الماضية في الحكم، واستماعا لصوت العقل قرر أن يجعل هاته المعركة لأجل صحة وحياة شعبه أولوية الأولويات.
الآخرون اختاروا أمورا أخرى لا تعنينا ولا نعرفها ولا نريد أن نهتم بها أصلا.
سنجتاز جميعا هذه الأزمة أكثر قوة لأننا أكثر اتحادا اليوم، فخورين بهويتنا الوطنية وانتمائنا لشعب عظيم بقيادة ملك عظيم….
درس مغربي متواصل على امتداد الأزمنة والأمكنة يجدد نفسه دوما وأبدا ويمنح إمكانية الاستفادة منه لمن كان ذا عقل سليم.
صحيح أن الدولة أظهرت سابقا وفي فترات معينة من تاريخ المغرب، وجهها القمعي، لكنها اليوم أبرزت  دورها كدولة رعاية وكمؤسسة تمثل وعي وضمير ومسؤولية المجتمع، وهي في موقع القيادة ولهذا ظهر وجهها الآخر الذي يخصص إمكانيات مالية لخدمة الشعب المغربي…
وهنا لا يمكن أن ننسى المجتمع الذي برزت فيه مظاهر جديدة من التضامن والقيم التي كانت تتضاءل من قبل. لقد اكتشف المغاربة الجانب الإيجابي في بعضهم البعض، من خلال العديد من تمظهرات قيم التضامن على كافة المستويات. كما نجح الكثير من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة في تحسين صورتهم لدى الرأي العام، بعد ما تبرعوا بمليارات الدراهم، ولم يترددوا في مساعدة الدولة والمواطنين في تدبير الأزمة.
اليوم برزت قيم التضامن بسخاء، وهذا شيء جميل تذكر به لحظات رهيبة ثمنها الغالي، هذه طبيعة التاريخ، كثيرا ما يقلب ظهر المجن، ويظهر لنا وجوها مختلفة حسب الظروف.
أمام كل هذا، يمكننا القول إننا أمام عقد اجتماعي جديد، فالدولة تريد أن تظهر أن ما يجمعنا ليس هو السيطرة والتحكم بل التعاون والمصير المشترك في اللحظات العصيبة، وهذا إيجابي للدولة والمجتمع والأفراد.
ملاحظة أخرى يمكن تسجيلها بخصوص وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت تطغى عليها الأحقاد والسوداوية، اليوم الكل يقدم النصائح الصحية والأخلاقية، بمعنى أن هناك وجها آخر بدأ يظهر ويتشكل تدريجيا وهو في طور البناء وهو ما لا يمكن إلا تثمينه.
اليوم هناك استجابة المجتمع والدولة والأفراد، وهنا وجه جديد للمغرب وللمغاربة أخذ في التشكل وإن كانت كل التحولات تتم ببطء وتتشكل تدريجيا، أعتقد أن هذه المسألة ستغني الوعي التاريخي المغربي، وستجعل المغربي يفصل ويميز بين أبعاد الصراع وأبعاد التضامن، يمكن أن نسميها «الأبعاد الإيجابية».
اليوم التاريخ يتيح ازدهار وتنامي وتطور هذه الأبعاد الإيجابية الكامنة في عمق الكائن البشري.

الكاتب :  صابرين المساوي - بتاريخ : 17/03/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *