المملكة متينة بملكها وشعبها

عبد السلام المساوي

اليوم صدق المغاربة والمغربيات. اليوم تحققت نبوءات من سكنهم المغرب قبل أن يسكنوه. اليوم الكل يقول «برافو» جلالة الملك.
اليوم حتى صحافة الأجانب، تلك التي كان يجد عندها بعض « المخالطين « مبررات الكذب علينا ومسوغات إيهامنا تقول: لقد أدهشنا هذا البلد، لقد أبهرنا ملكه وشعبه …عندما نقول هذا الكلام الذي نردده في اليوم الواحد عشرات المرات ، نقوله لأننا نؤمن به. هو قرارة تفكيرنا، هو عمق إيماننا، هو المغرب الذي يسري في العروق مسرى الدماء.
يترك المغرب للآخرين الكلام ويفضل الفعل.
يترك المغرب للآخرين الخطب والشعارات، ويمر إلى صلب الموضوع، ويقدم لشعبه ولكل من يحبون شعبه ولكل من لا يحبون شعبه أيضا الدروس تلو الدروس …
شعور الفخر والاعتزاز، عام وشامل، بين كل من يحملون المملكة المغربية في قلوبهم، وملك البلاد يمشي واثق الخطوة .
الكلمات هنا تتوقف، كي تفسح المجال لشعور هو مزيج من فخر واعتزاز وانبهار بقدرة هذا البلد الجنوبي على التفوق على نفسه دوما وأبدا.
الكثيرون يستكثرون علينا هذا الاعتزاز بالذات وهاته الثقة بالنفس التي تسمح لنا بأن نفعل ما نريد وقتما نريد.
في مقدمة هؤلاء الكثيرين هناك جيران لنا في الشرق حباهم الله بمال وفير وبطاقات طبيعية أوفر لكن لم يعرفوا يوما كيف يستعملونها لخدمة شعبهم.
من ضمن الكثيرين أيضا أناس بعيدون عنا يعتبرون أنه لا يحق لهذا البلد «الجنوبي والصغير والفقير» أن يعتبر نفسه قوة إقليمية صاعدة وأن يعتمد على ذكائه لتعويض نقص المقدرات المالية كي يصنع لنفسه مكانا تحت شمس التقدم العالمي كله .
لكن ضمن هؤلاء الكثيرين أيضا أناس منا يعرفون معاني النبوغ المغربي، ويعرفون أن الكائن المولود في هاته الأرض حين يريد شيئا يصله، وأن ملك البلاد هو رمز لهذا النبوغ، وأن جلالته عندما يقرر الوصول إلى شيء ما فإن الوصول هو الحل الوحيد في المسار كله .
إن الحكاية المغربية ابتدأت بالكاد وأنها لن تنتهي، عكس حكايات أعداء هذا الوطن الذين يتلقون يوميا الصفعات تلو الصفعات، والذين يتأكدون يوما بعد الآخر أن من يعادي هذا البلد سيكون مصيره هو الشعور بخيبة الأمل اليوم وغدا وفي باقي الأيام .
إننا أمام ملك يرفض الخضوع للأمر الواقع، ولا يقبل سوى بالمجابهة والمواجهة للتحديات ذات الطابع الاستراتيجي سواء في المجال الاقتصادي والاجتماعي والأمني والدبلوماسي مع مواكبة مستمرة لمتطلبات ما يستجد من أحداث ومخاطر يومية تحيط ببلدنا، الأمر الذي جعل المواطن يجد في الملك على الدوام ملاذا يلجأ إليه حينما تقفل أبواب السياسات العمومية والقطاعية ويدخل البرلمان في حالة من نكران للواقع وتعجز المؤسسات الوسيطة عن خلق بدائل .
إن بيت المملكة المغربية متين بقيادتها وشعبها، والأجدى بالمتطاولين، على شعبنا وقيادتنا، أن يكنسوا أمام بيوتهم .
ملك ينصت لنبض شعبه .
لم يكن لدينا فيها شك في الماضي .
وليس لدينا فيها شك في الحاضر .
ولن يكون لدينا فيها شك في المستقبل .
هذا الملك ينصت لصوت شعبه .
إنه السبب الذي يجعل إيماننا بالمغرب يتعمق يوما بعد يوم.
إنه السبب الذي يجعلنا نشعر باستمرار، ودوما وأبدا – ومهما استكثرها علينا الحاقدون، بأننا محظوظون.
إنه السبب الذي يجعلنا نواصل المسير مطمئنين أننا سنصل مهما قال لنا الغاضبون من هاته الثقة بالنفس المغربية، ومهما استكثروا علينا الإيمان بهذا الوطن وبهذا الشعب وبهذا الملك .
الملك محمد السادس عرش متحرك يتربع داخل قلوب الشعب في سياق التعريف الجديد الذي وضعه جلالة الملك لنظام الملكية «البيعة المتبادلة بين العرش والشعب …»
هناك إجماع وطني، يوحد المغاربة حول ثوابت الأمة ومقدساتها، والخيارات الكبرى للبلاد، وأولها « الملكية الوطنية والمواطنة، التي تعتمد القرب من المواطن، وتتبنى انشغالاته وتطلعاته، وتعمل على التجاوب معها «، وثانيها، مواصلة الخيار الديموقراطي والتنموي بعزم وثبات. يقول جلالة الملك عن الملكية المواطنة «يعلم لله انني أتألم شخصيا، ما دامت فئة من المغاربة، ولو أصبحت واحدا في المائة، تعيش في ظروف صعبة من الفقر أو الحاجة. لذلك أعطينا أهمية خاصة لبرامج التنمية البشرية، وللنهوض بالسياسات الاجتماعية، والتجاوب مع الانشغالات الملحة للمغاربة».
على المتتبع للوضع المغربي، خصوصا الأجانب غير المطلعين على تاريخ المغرب جيدا ويسارعون إلى انتقاد الملكية والنظام، أن يعلموا أن الملكية في المغرب نظام عرف تجارب وأخذ دروس التاريخ . فالملكية متعددة القرون «multiséculaire» تعايشت مع حركات مناوئة «antagonistes» وأخرى صديقة عبر تاريخ نشأتها وتطورها، تفاعلت مع الزوايا واحتجاجاتها، تعاملت مع بلاد السيبة وبلاد المخزن، تجنبت الصدامات الخارجية والدولية وتفادت القوى الدولية والإقليمية ….
إن الملكية في المغرب عاشت الاستعمار الأوروبي والحجر الأجنبي، تفاعلت مع مختلف الإيديولوجيات السياسية والأفكار الاجتماعية الإنسانية من تصوف وتشيع ومذاهب دينية وسياسية كثيرة، تجاذبت مع الإيديولوجيات اليمينية واليسارية وعاشت على وقع الصراع بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي زمن الحرب الباردة، تمرست على التعامل مع حركات وأفكار الانفصال، في محطات تاريخية مهمة ومفصلية، كلها محطات قوت الملكية، وشكلت عقلها الباطن بمثابة خزان للأعراف والتقاليد في تدبير العقليات والأزمات…
إن الملكية تمثل النظام الوحيد الذي جمع ووحد المغاربة حول مشروع وطني لبناء الدولة من منطق مغربي خالص، في غياب أي تصورات أو مشاريع يمينية أو يسارية أو غيرها حقيقية للبناء . فهي المؤسسة الوحيدة، التي استطاعت أن توفق بين التاريخ والحاضر من أجل المستقبل، بدون حسابات شخصية أو سياسوية، وإلا كان مصيرها كعدد من الأنظمة في فضائنا العربي والثقافي والجغرافي: الاندثار والتفكك والتطاحن الدموي…
إن الملكية هي المؤسسة الوحيدة التي أتقنت فنون تدبير التناقضات الداخلية والخارجية، وخلقت توازنا لاستمرار الدولة والمجتمع . فالملكية المغربية هي ملكية تدبيرية وليست تنفيذية، كما يقول البعض، ذلك أن الملك يضع التصورات الكبرى ويرسم الخطوط العريضة ليس فقط لتدبير مرافق الدولة ومؤسساتها السياسية والاجتماعية وإنما أيضا يحدد هوامش التفاعل مع المجتمع ومختلف الأفكار الرائجة فيه ….
إن حملات الهجوم التي تشنها وسائل الإعلام العسكري الجزائري تنم عن وجود قصور في استيعاب طبيعة النظام السياسي للمغرب من جهة، ومن جهة ثانية بـ « عقدة « تجعل الواقفين وراء هذه الحملات الإعلامية يتحركون كلما عززت الرباط موقعها داخل القارة الإفريقية واتخذت مواقف دبلوماسية مستقلة تجاه عدد من القضايا الدولية كما هو الحال بالنسبة لليبيا واليمن …
لقد قدمت دولتنا، عبر مؤسساتها السيادية منذ سنوات، نموذجا لسياسة خارجية مستقلة تستند إلى مبادئ وأسس واضحة تهدف من خلالها إلى الدفاع عن المصالح العليا للوطن، بكل حزم ووضوح، لكن دون المس بحقوق ومصالح الشعوب الأخرى، وظهر أن ملك المغرب بعزمه الصادق، الذي لا يلين، نجح في صنع رصيد ضخم من المصداقية الدولية، حتم عليه مواصلة الاضطلاع بدور قدر للملكيات المغربية أن تضطلع به منذ عقود بل منذ قرون.
وكلما حقق المغرب وملك المغرب بجهده الخاص توسيعا لمجال شراكاته الدولية خصوصا في إفريقيا، وكلما حافظ على استقرار قراره السياسي في العلاقات الدولية بدون اندفاع مصلحي ضيق، وكلما حصن المغرب وحدته الترابية ومغربية صحرائه باعتراف أعظم دولة في العالم، وكلما رفض المغرب الانحياز إلى جبهات متصارعة كما حدث في ليبيا واليمن مثلا، نجد أصواتا إعلامية تدع كل المنجزات جانبا وكل المكتسبات التي حققها المغرب كدولة، وتهاجم المغرب ورموزه من خلال إثارة مسائل خاصة أو شخصية لا علاقة لها بجوهر التحليل والنقد الموضوعي…
على وسائل الإعلام العسكري الجزائري المعادية للمغرب والمسيئة لثوابته ومقدساته ظلما وبهتانا، عليها أن تنزل إلى الأرض، أرض واقع الجزائر، أن تنزل بمهنية وموضوعية واستقلالية؛ أن تهتم نقديا بمشاكل الجزائر، وهي لا تحصى عددا وخطورة….
على وسائل الإعلام هذه أن تركز على مشاكل بلادها ،المغرب بقيادة محمد السادس يشق طريقه نحو المستقبل، وهو طريق ملكي …يشتغل، يفتح الأوراش الكبرى …وعندما تكون هناك اختلالات فهو أول من ينبه إليها وعليها ولا ينتظر وسائل الإعلام العسكري الجزائري…الملك يشخص ويقترح الحلول والبدائل في إطار «البيعة المتبادلة بين العرش والشعب…»

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 01/08/2023

التعليقات مغلقة.