المهدي بن بركة يعود إلى حزب الاستقلال شهيدا

جمال المحافظ

لم يكن أشد المتفائلين يتصور عودة الشهيد المهدي بن بركة مرة أخرى إلى مقر حزب الاستقلال بالرباط، بعد أن غادره سنة 1959 ليؤسس رفقة آخرين هيئة سياسية على يسار حزب علال الفاسي، تحت اسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بعد المرور بتجربة « الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال» أو ما عرف ب»حركة 25 يناير».
لقد كانت المرة الأولى وربما الأخيرة التي يحتضن فيها المركز العام لحزب الاستقلال بشارع ابن تومرت وسط مدينة الرباط، نشاطا فكريا حول عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال السابق، تمثل في ندوة سنة 1996 اختير لها شعار : « المهدي بن بركة .. نشاط دائب ومتجدد من أجل خدمة البلاد»، نظمتها الجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ التي أشرف على تأسيسها عريس الشهداء، وذلك بمناسبة مرور 40 سنة على إحداثها في ماي سنة 1956.
ما بين 1956 و1996، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، لكن رئيس الجمعية المغربية لتربية الشبيبة آنذاك، سي محمد الحيحي، رحمه الله( 1928- 1998 )، ظل قيد حياته متشبعا بالوحدة، ويمني النفس بلم شمل إخوة الأمس الذين كان ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، وفي الوقت الذي استبعد حينها أغلبية أعضاء المكتب المركزي لجمعيةAMEJ أن يلقى تنظيم ندوة لتكريم المهدي بن بركة بمقر الحزب الذي قدم استقالته من لجنته التنفيذية في 25 يناير 1959 ، تجاوبا إيجابيا من القيادة الاستقلالية،
لكن بحنكته ومصداقيته، وبما كان يحظى به من تقدير واحترام لدى الأمين العام لحزب الاستقلال امحمد بوستة ( 1922- 2017)، كما كان الشأن بالنسبة لمختلف الفرقاء من سياسيين وحقوقيين ومجتمع مدني، تم الترحيب بفكرة تنظيم الندوة المقترحة من محمد الحيحي صهر المهدي بن بركة الذي قال في جلستها الافتتاحية: « يغمرنا الآن الفخر والسعادة والاعتزاز،  ونحن نقيم هذا الحفل الافتتاحي بمناسبة ذكرى مرور 40 سنة على تأسيس جمعيتنا، بنفس هذا المكان، الذي كان قد احتضن مؤتمرها التأسيسي يومي 19 و 20 ماي 1956،  وكذا الجلسة الافتتاحية لمؤتمرها الثالث في يناير 1958، بعدما احتضن العديد من الاجتماعات التحضيرية لهذين المؤتمرين ولأنشطة كبرى وكثيرة أقمناها أو شاركنا في إقامتها خلال تلك الفترة. مثل ذلك المشروع الوطني الضخم:  مشروع طريق الوحدة الذي تم إنجازه في صيف 1957 «.
وأضاف: « لذا فلا يسعنا إلا أن نشكر الإخوة المناضلين الأعزاء أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال الذين أبوا، مرة أخرى، إلا أن يفتحوا لنا صدورهم الرحبة ويحتضنوا حفلنا هذا الذي يعتبرونه هم كذلك احتفالا بذكرى تكوينهم لأحد الروافد الفرعية الذي استمد صبيبه المتدفق من ينابيع سيل حزبهم العتيد الذي لا يمكن لأحد أن ينكر بأنه كان بمثابة المؤسسة الكبرى التي تخرجت منها أجيال وأجيال من مسيري الحركة الوطنية ..».
وخلال هذه الندوة التي تميزت بمشاركة عدد من الفعاليات السياسية والأكاديمية، وحضور جمهور غفير اعتبر الصحفي عبد اللطيف جبرو( 1939 – 2023 ) أن « أخطر مؤامرة واجهها المهدي وهو ميت: هي مؤامرة النسيان والتجاهل .. لكنها فشلت»، في حين أشار عالم المستقبليات المهدى المنجرة ( 1933 – 2014 ) إلى أن « الكل كان يعرف كيف كان المهدي بن بركة يتعامل مع الأمور المادية، لذلك كان قويا ولم يجد أحد أية طريقة لشرائه».
أما عبد اللطيف بناني، الرئيس السابق لجمعية التربية والتخييم، وممثل جمعية «لاميج» في تجربة المجلس الوطني للشبيبة في أواخر الخمسينيات، فقد شدد على « أننا سنبقى نصدح بالوحدة لأننا وحدويو الصلب والترائب «، وأكد القيادي الاتحادي فتح الله ولعلو الأستاذ الجامعي من جانبه على ضرورة ، « الالتزام بمتابعة العمل من أجل حماية استقلال البلاد وتطويرها».
فعلى الرغم من أن محمد الحيحي كان من بين مؤسسي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فإنه كان من الفريق المعارض لفكرة مغادرة حزب الاستقلال في البداية، وعلى الرغم من أنه كان من بين مؤسسي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فإنه ظل دوما رجلا وحدويا، وحافظ على علاقاته مع الجميع، وهذا تؤكده شهادات المساهمين في كتاب حول مسارات وامتدادات محمد الحيحي الرئيس الأسبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يوجد في طور الإنجاز من تأليف الفاعل الحقوقي عبد الرزاق الحنوشي والكاتب الصحفي جمال المحافظ، ويتضمن شهادات ما يناهز 50 فاعلا سياسيا وحقوقيا وتربويا وجمعويا وأكاديميا.
وفي هذا السياق يكشف الجامعي محمد الساسي الأستاذ الباحث، في شهادته، بأن الحيحي دعا إلى مزيد من التريث قبل إنشاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على أمل إمكان فض الخلافات وتجنب شق صفوف الحزب الأساسي للحركة الوطنية ( حزب الاستقلال ) إلى شقين متقابلين، قد ينزلقان بسهولة نحو العداء والاقتتال والحروب الطاحنة ويتناسيان القواسم المشتركة القائمة، أصلاً، بينهما. كما لم يتردد الحيحي في إبداء ملاحظاته على مسار التأسيس، ونَبَّهَ إلى ضرورة بذل كل المساعي الضرورية للحفاظ على وحدة الصف داخل حزب الاستقلال وعدم الخروج «المبكر» للجناح اليساري، إلا بعد استنفاد كل محاولات رأب الصدع، وبعد الاقتناع التام بعدم إمكان استمرار التعايش مع الجناح المحافظ.
ولاحظ الساسي أن النزوع الوحدوي للحيحي ظهر على أكثر من صعيد، وانطلق من ضرورة حفاظ المناضلين الذين تجمعهم ذات الاختيارات الكبرى على إطار سياسي موحد مادام أي طرف منهم لم يسقط في مطب «خطأ قاتل» أو خيانة للقضية، وقَدَّرَ دائماً بأن هناك مجالاً لتدبير الاختلافات التي تمثل ظاهرة طبيعية في كل التنظيمات الحزبية، أما بالنسبة للحركات والهياكل الحزبية أو الجماهيرية التي تعذر انصهارها في بوتقة حزب أو منظمة واحدة، فإن المطلوب منها حسب الحيحي، هو تنسيق جهودها وانتظامها في عمل جبهوي وتكتلات وائتلافات.
وهذا ما نجح فيه محمد الحيحي، على المستوى الحقوقي، حينما تأسست لجنة التنسيق ما بين الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان على عهد رئيسها المرحوم الأستاذ النقيب محمد بن عبدالهادي القباب، وكللت مجهوداته الاستثنائية كرئيس للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بالتوقيع على الميثاق الوطني لحقوق الإنسان والإعلان عنه في 10 دجنبر 1990 بالرباط، والذي وقعه فضلا عن الجمعية كل من الأستاذ النقيب  عبدالرحيم الجامعي، عن  جمعية هيئات المحامين بالمغرب، والأستاذ النقيب محمد بن عبدالهادي القباب رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمرحوم عبد الرحمن القادري، رئيس جمعية الحقوقيين المغاربة، والأستاذ عبد العزيز بناني رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان .كما أثمرت مجهوداته على مستوى العمل التربوي الجمعوي بتأسيس اتحاد المنظمات التربوية المغربية سنة 1991 الذى كان يتألف من الجمعية المغربية لتربية الشبيبة وحركة الطفولة الشعبية وجمعية المواهب والتربية الاجتماعية، وجمعية المنار للتربية والثقافة.

الكاتب : جمال المحافظ - بتاريخ : 11/12/2023

التعليقات مغلقة.