بالجدية والحزم تتقدم الأمم!

اسماعيل الحلوتي

كما هي عادة المربي الجاد والمسؤول في إسداء النصح لكل من هم حوله دون كلل ولا ملل، أبى جلالة الملك محمد السادس إلا أن يعود مرة أخرى لتقديم درس بليغ للشعب المغربي الأبي في معنى الجدية في العمل وربط المسؤولية بالمحاسبة، فالخطاب التاريخي بمناسبة عيد العرش يعد بمثابة نبراس منير للقادم من الأيام، جاء هو الآخر على غرار الخطب الملكية السامية السابقة، مليئا بالرسائل والعبر لعديد الفاعلين السياسيين والمنتخبين والمسؤولين الحكوميين والمؤسسات الوطنية، من أجل حثهم على المزيد من التفاني في العمل بحس وطني صادق وروح المسؤولية، بهدف الاستجابة لانتظارات المغاربة والعمل على إسعادهم، جاعلا من الجدية والصرامة مدخلا لأي نجاح مأمول.
والجدية هي الصرامة والحزم في تحمل المسؤولية، وتعد من بين أبرز الصفات الأساسية والأخلاق الفاضلة التي ينبغي أن تلازم كل رب أسرة في البيت وكل مسؤول يعاهد الله على خدمة وطنه وأبنائه، وفي ذلك قال الحق تعالى في سورة مريم الآية 22: «يا يحيى خذ الكتاب بقوة» أي تعلم الكتاب بما يلزم من قوة، والمراد هنا العمل بجد واجتهاد ومثابرة، مع تسخير كل الإمكانات المتوفرة، بعيدا عن الأعذار والمبررات التي لا تجدي نفعا. ويشترط في ذلك الحرص الشديد على احترام الوقت، السرعة في التنفيذ دون تسويف أو تلكؤ والإصرار الدائم على بلوغ الأهداف المرجوة التي من شأنها تحقيق التنمية المستدامة…
وقد أعطى جلالة الملك نموذجين واضحين عندما نجعل من الجدية حافزا أساسيا في امتلاك القدرة على تحمل المسؤولية بروح وطنية عالية، مؤكدا أن الشباب المغربي قادر على إبهار العالم، كما هو الحال بالنسبة للمنتخب الوطني الذي استطاع أن يقدم للعالم أجمع في فعاليات كأس العالم (قطر 22) أجمل صور عن حب الوطن والوحدة والتلاحم العائلي والشعبي، وإثارة مشاعر الفخر والاعتزاز لدى كل مكونات الشعب المغربي. وأشار في ذات السياق إلى أن الجدية تتجلى كذلك في مجال الإبداع والابتكار، الذي يتميز به الشباب المغربي في كافة المجالات، وخص بالإشادة إنتاج أول سيارة مغربية محلية الصنع، بكفاءات وطنية وتمويل مغربي، وتقديم أول نموذج لسيارة تعمل بالهيدروجين، قام بتطويرها شاب مغربي.
فلنحمد لله العلي القدير على ما أنعم به على بلادنا بأن جعل قائدها من الشخصيات الحكيمة ذات الرؤية الثاقبة والقدرة على استشراف آفاق المستقبل، ونحمده تعالى كذلك على ما عرف به المغاربة من خصال.
وليست الجدية بالميزة التي يمكن لأي كان الاتصاف بها، بل هي أولا وقبل كل شيء تربية وسلوك، ولا تتوفر إلا لكل ذي قلب سليم وضمير حي، ممن يقدر جسامة المسؤولية المنوطة به ويعمل جاهدا على عدم التفريط فيها.
إننا نعتز بشهادة جلالة الملك عندما يؤكد أن ما تحقق من إنجازات في عديد المجالات، يعود فيه الفضل بالأساس إلى التلاحم القائم بين العرش والشعب، وإلى ما عرف به المغاربة من قيم نبيلة وخصال حميدة، بيد أن هناك في المقابل أشخاصا ينعدم لديهم الشعور بالمسؤولية ويفتقرون إلى روح المواطنة وصيانة الأمانة، وهم تلك الفئة من المفسدين والمستهترين، وناهبي المال العام الذين اغتنوا بشكل لافت في بضع سنوات دون أن يطالهم سيف المحاسبة، حتى أنهم أصبحوا يشكلون «جيوب المقاومة» التي تحول دون أي تقدم أو ازدهار، ومن بين أبرز اللوبيات التي تهدد الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي. فهل تتحرك مؤسسات الدولة بالجدية والحزم اللازمين لمواجهة آفتي الفساد والاستبداد وتفعيل آليات تخليق الحياة العامة؟

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 01/08/2023

التعليقات مغلقة.