تصفية مستمرة لحركة القوات الشعبية في آيت باعمران بعد الخروج السياسي لفرنسا من المغرب: الجزء الثاني

محمد الوحداني

( مجموعة الأستاذ محمد شوقي والشهيد سي حماد الدرهم )

وكان الذي كان في بلدية سيدي إفني، وفي عموم تراب آيت باعمران، لقد وضعوا في خانة ضيقة جدا و لوحده، الرئيس الاتحادي الأستاذ محمد شوقي : المناضل/ المعتقل السياسي الذي تضامن معه أثناء محنته ليس فقط الباعمرانيون مواطنين وأعيانا داخل المغرب وخارجه، وحزب القوات الشعبية، لكن قضيته نالت تعاطفا دوليا ووطنيا منقطع النظير .
على صعيد حزب القوات الشعبية محليا، كان موج بحر السياسة عاليا وعاتيا، فانسحب من الحزب ( و ليس من الحركة الاتحادية ) أعضاء المجلس البلدي، وانضموا إلى حزب التجمع الوطني للأحرار مؤقتا وكرها، حفاظا وتقية على تراث وتاريخ الحركة الاتحادية في إقليم سيدي إفني/ آيت باعمران وعمقه الوطني والصحراوي، وقراءة ما لتفويت الإجهاز على المنطقة وعلى الحركة…
وكما صرح لي ذات يوم النائب الأول لرئيس مجلس بلدية سيدي إفني المناضل الاتحادي الأستاذ عبد الوهاب الميموني، كان ذلك الانتماء لحزب الأحرار تراجعا تكتيكيا ! لكن الخطة فشلت…
كان ومازال هناك دوما من يدعي أن الحل لتحقيق التنمية الاقتصادية، ورفع الحصار السياسي، طريقه هو الانتماء لحزب إداري ما، وفي نفس الوقت تقديم نفسه بأنه صديق الملك، وأنه مبعوث القصر !
انسحب وجمد كثيرون انتماءهم لحزب القوات الشعبية طيلة عقد من الزمن، لكن ماذا وقع بعدها ؟
تراجعت المنطقة بشكل مأساوي، المدينة التي كان يقارب عدد سكانها الستين ألفا حتى بدايات السبعينيات، هاجرها كرها أو نفيا آلاف المواطنين، حتى لم يتبق فيها إلا إحدى عشرة ألفا تزيد بمائة وقليل من قاطنيها، أغلق ميناؤها البحري الذي كان ثالث نموذج في العالم وفقا للمعمار والخطة التي بني به، وتم التصرف بشكل ملتبس في منارة المدينة، وتم نهب مستشفى المدينة « الصبيطار الكبير « الذي كان أحد أكبر المؤسسات الاستشفائية في إفريقيا: سرقت تجهيزاته وتم تتريك مملكات كنسيته، وتم تحويل جزء كبير منه إلى إقطاعات سكنية، وتم إغلاق الإذاعة والتليفزيون المحلي، واتخذ قرار إغلاق مطارها الدولي، وحديقة حيواناتها التي كانت ثاني حديقة حيوانات في المغرب، وسدت أبواب مركبها المهني، وأجهز على مطبعتها وجريدتها، والمدينة التي كانت حاضرة الجنوب وعاصمة الصحراء، والتي بنيت بها أول وأقدم ثانوية في الجنوب المغربي، أضحت دون ثانوية، وأمسى تلاميذتها أمام إكراه متابعة الدراسة الثانوية في أكادير، المجال الحضري المتميز الذي كان فيه مسرح وثلاث قاعات سينما، سدت أبواب كل هذه المركبات الثقافية… لقد تم الإجهاز على كل مظاهر التحضر والمدنية في آيت باعمران…
طيب ماذا استفادت آيت باعمران من تجميد انخراطها في حركة القوات الشعبية ؟
ماذا استفادت من استماعها لمن كان يدعي أن حل آيت باعمران هو في الانتماء للأحزاب الإدارية ؟
ماذا استفادت المنطقة من تصديق بعض مبعوثي الرسائل المشفرة، بأن الحزب الفلاني هو حزب الملك، وأنه يجب القطع مع الاتحاد الاشتراكي؟
لاشيء، من غير التهميش والإقصاء والتخلف والحصار ! أين هم من كانوا وبتحريض من الدليمي وإدريس البصري، يدعون أن الملك غاضب على المنطقة لأنهم اتحاديون ؟!
وحتى حينما احتج مرة أخرى وإشارات رمزية قوية في بدايات الثمانينيات القائد الاتحادي في جنوب المغرب سي حماد الدرهم، لمرتين، الأولى في مقر وزارة الداخلية أثناء زيارة وفد باعمراني للرباط من أجل تقديم ملتمس للمرحوم الحسن الثاني، ولما وضع البصري يده الملطخة بدماء الشهداء الاتحاديين وكل شرفاء الوطن، فوق كتف الشهيد سي حماد الدرهم، قائلا له:» الله يهديك أسي حماد « رفعها سيدي حماد بصرامة عن كتفه الشريفة، وانسحب غاضبا من الاجتماع، والمرة الثانية وبعدها بقليل في مدينة سيدي افني، حينما ضرب الشهيد سي حماد الدرهم بعمامته على الأرض في وجه البصري: قائلا له : وا دريس واش غادي تعطونا حقنا ! كانت نهايته بعدها بأيام بطريقة مفجعة ! و من خلال نفس الخطة المعروفة ضد كثير من الاتحاديين : حادثة سير !
نعود إلى مكتب مجلس بلدية سيدي إفني، كانت تشكيلة مكتب المجلس انعكاسا للتوازنات القبلية في المنطقة، الرئيس من قبيلة آيت الخمس : القوة السياسية القبلية الأولى في آيت باعمران خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والنائب الأول من قبيلة اصبويا الثقل العسكري الأول في آيت باعمران، وباقي قبائل آيت باعمران السبع الأخرى ممثلة أيضا في المسؤوليات، كان الذكاء السياسي للرئيس الأستاذ محمد شوقي ومن معه، في ترجمة مفهوم التحليل الملموس للواقع الملموس واضحا في بناء التجربة الاشتراكية في المنطقة، كان مكتب المجلس إدماجا واستقطابا مستمرا للتشكيلات القبيلة، أو ما أسميته في مقالات سابقة « إستعادة تنظيمية للقدرات الاقتراحية للمجموعات البشرية الرئيسية في منطقة آيت باعمران « لكن هذا أيضا لم يغب عن رضا كديرة ( مهندس السياسات العمومية ) وعن الدليمي ( منفذ اغتيال الشهيد المهدي بنبركة : الذي كان مقترح الملك المرحوم الحسن الثاني للتقارب مع الشعب وبناء تجربة التناوب الثانية بعد فشل تجربة التناوب الأولى في حكومة عبد الله ابراهيم ) وعن البصري، القوة الاستعلاماتية الصاعدة الذي ورث مفاتيح أوفقير ومقاربته لقضية الصحراء المغربية من خلال خطة محاصرة النفوذ الباعمراني ومقترحاته لحلحلة قضية الوحدة الترابية عسكريا، حيث إن المقاومة الباعمرانية وبتنسيق مع الحركة الاتحادية رفضت وضع السلاح حتى إخراج إسبانيا بقوة المقاومة، من باقي الصحراء؛ أو ليست إفني عاصمة الصحراء تاريخيا، ومشتلا لتيار قبلي وتنظيمي في عموم الجنوب المغربي، عمقا استراتيجيا في التفاوضات الدولية، وفي أدبيات عصبة الأمم، وبعدها في مداولات اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار … تحت المسمى الأممي « ملف إفني والصحراء الغربية « .
كان وعي ورثة محمد أوفقير (أحمد الدليمي وإدريس البصري ) في السبعينيات والثمانينيات، جاهزا كي يتم محاصرة المقاربة الباعمرانية/ الاتحادية سياسيا وانتخابيا، لأن حل قضية الوحدة الترابية عسكريا، سيجعل الحاجة إلى المقاربة الأمنية غير ذات جدوى…
كان على ورثة التيار الثالث أن يجعلوا القصر والشعب : رهينتان للمقاربة الأمنية ! وأن يعملوا على تأبيد الحاجة إليهم من خلال المحافظة على « قضية الصحراء» وتأجيل أي انتقال للديمقراطية عبر مبرر « القضية الوطنية « ؛ لأن حسم قضية الوحدة الترابية عسكريا وسياسيا سينهي « حاجة القصر إليهم «.
على قضية الوحدة الترابية أن تستمر كي تستمر الحاجة الى « التيار الثالث» خدام ما سماه الشهيد المهدي بنبركة « الاستعمار غير المباشر «، وهنا توافقت إرادة الجزائر وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية مع مصالح هذا التيار .
فرنسا لها مصالح اقتصادية واضحة تؤطرها إتفاقية إكس لايبان، وإسبانيا المستعمرة السابقة للصحراء، لها مصالح استراتيجية في المنطقة، والجزائر الباحثة عن « منفذ بحري لتصدير سهل لمذخراتها الغازية والطاقية « وبحثها عن « زعامة تؤطرها حسابات الحرب الباردة» و» طموحات بومدين في مرحلة صراع المعسكر الشرقي مع المعسكر الغربي…»، هذا كله دون إغفال مقاربة كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية ب» ضرورة خلق بؤر نزاعات مسلحة في منطقة شمال إفريقيا « خدمة لتجارة السلاح وقطعا لطريق أي وحدة مغاربية تهدد المصالح الأمريكية في أوربا وإفريقيا…
إن رضا كديرة والبصري والدليمي مهندسي عدم حلحلة قضية الوحدة الترابية، مجرمون بكل المقاييس التاريخية، خدموا بكل وضوح « أجندات خارجية» و»مصالح شخصية» بتنسيق مع فاسدين داخل المغرب وخارجه، لذلك عملوا بكل جهدهم لإفشال :
– مقترح الحركة الاتحادية لإيجاد حل لقضية الصحراء، خارج قرار الاستفتاء في النفوذ الترابي للساقية الحمراء ووادي الذهب في أوائل الثمانينيات ( ولنتذكر هنا رفض الباعمرانيين لقرار الاستفتاء أواخر الستينيات ).
– مقترح الحل العسكري لآيت باعمران من أجل تحرير الصحراء المغربية.
– مقترح تنسيقية قبائل الركيبات وآيت باعمران وآيت لحسن وآيت أوسى وأولاد الدليم… ( مجموعة الطانطان وبيوزكارن…) المؤطرة بوفد الشهيد المغتال مصطفى الوالي السيد مؤسس جبهة تحرير وادي الذهب والساقية الحمراء، الذي زار الرباط من أجل مقابلة ممثلي الدولة المغربية، للتفاوض حول إخراج إسبانيا، وتحرير كل الأراضي المغربية في المناطق الجنوبية ! لكن التيار الثالث قطع طريق التواصل بين القصر وممثلي هذا المقترح !
ضمنيا بهذا السلوك التحريضي للمخزن ضد « شباب ونخبة وازنة» كانت تؤمن بمغربية الصحراء، وعدم توفير أجواء اللقاء بينها و بين الملك/ أمير المؤمنين، كان «رضا كديرة» و» إدريس البصري» و» أحمد الدليمي» يريدون دفع تيار قوي في قبائل آيت باعمران وآيت لحسن والركيبات وآيت أوسى وأولاد الدليم، لرفع السقف السياسي، والبحث عن بديل لتحرير الصحراء الغربية/ المغربية بعيدا عن الدولة المغربية ! و هذا ما التقطته الجزائر وإسبانيا، ومن ورائهما الاتحاد السوفياتي من جانب، وتجار السلاح واستراتيجيو الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى…
إذن على الآلة أن تتوقف بأي طريقة، وهذا ما كان، سجن الاتحادي الأستاذ محمد شوقي، اغتيل الزعيم سي حماد الدرهم، تم تصفية الوجه الانتخابي القوي بسيدي إفني، وتصفية الوجه السياسي الصحراوي سي حماد الدرهم الباعمراني، الذي كان يستقطب رموز جبهة البوليساريو إلى الخيار الوطني الوحدوي، المقاربة واضحة:
– القضاء على التواجد الحزبي للقوات الشعبية في الصحراء المغربية من خلال ضرب العمق السياسي والانتخابي للحزب من خلال تحالفات آيت باعمران وباقي قبائل الصحراء.
– محاصرة الاقتراح السياسي الباعمراني/ الاتحادي وتحالفاته إبان السبعينيات والثمانينيات، بعد أن تمت محاصرة الطرح العسكري الباعمراني/ الاتحادي وباقي قبائل الصحراء، أواخر الخمسينيات والستينيات .
– وضع حد لاستقطاب رموز جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، من طرف الباعمرانيين، لأن هذا سيضع حدا لحاجة النظام للدليمي والبصري، سدنة المقاربة الأمنية…
– صناعة نخب محلية جديدة تخدم مصالح التيار الثالث، تكون ضعيفة في تكوينها السياسي والنظري، وفاقدة لأي شرعية شعبية، مقطوعة أوصال العلاقات الوطنية والدولية، تكون « مجرد مجموعة خدام وجواري داخل الحرم السياسي المغربي والجنوبي « ولاؤها للبصري وأتباعه وليس للوطن…

يتبع

الكاتب : محمد الوحداني - بتاريخ : 06/01/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *