تطهير البلاد من الفساد: حقيقة أم وهم؟!

اسماعيل الحلوتي

من بين أبرز المطالب التي طالما طالب المغاربة الحكومات المتعاقبة التعجيل بتحقيقها من دون جدوى، هناك مطلب تطهير البلاد من رموز الفساد، لما لهذه الآفة الخطيرة من تداعيات وخيمة على التنمية، والمساهمة في تنامي معدلات الفقر والبطالة واتساع دائرة الفوارق الاجتماعية والمجالية، والحيلولة دون الإصلاحات الكبرى وتوفير العدالة الاجتماعية وضمان العيش الكريم للمواطنات والمواطنين.
فمباشرة بعد إيداع محمد مبديع الوزير الأسبق المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والنائب البرلماني عن حزب «الحركة الشعبية» سجن «عكاشة» بمدينة الدار البيضاء رفقة سبعة أشخاص آخرين، على خلفية حزمة من الخروقات والاختلالات المسجلة ببلدية الفقيه بن صالح التي يتولى رئاستها منذ سنة 1997 إلى اليوم، حيث وجهت إليه و12 شخصا من مقاولين وموظفين ومستشارين بذات الجماعة عدد من التهم «اختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والغدر واستغلال النفوذ وغيرها والمشاركة في ذلك». ومن مكر الصدف أن مبديع هو نفس الشخص/الوزير الذي كان قد أعطى تفاصيل عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في ندوة صحفية عام 2016، مؤكدا على أنها ستمتد على مدى عشر سنوات وفق ثلاث مراحل: 2016/2017 و2017/2020 و2020/2025
بدأ عدد من رموز الفساد والمفسدين في الجماعات الترابية وخارجها يتحسسون رقابهم خوفا من سيف العدالة، ولاسيما أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للإدارة الترابية تتحدث عن الكثير من الخروقات الإدارية والمالية الخطيرة التي طالت عدة مؤسسات وجماعات وغيرها. حيث أبانت تحريات لجن التفتيش عن وجود اختلالات سواء في استخلاص الرسوم والواجبات وأجور الخدمات المستحقة لفائدة ميزانية الجماعات أو بعدم احترام مقتضيات دفتر التحملات بخصوص إنجاز أشغال الصفقات وما ترتب عن ذلك من تعثر في تنفيذ بعض المشاريع وغيرها كثير…
حيث أنه بناء على مجموعة من التقارير القاتمة والصادمة التي صاغتها المفتشية العامة للإدارة الترابية حول التدبير السيء للشأن المحلي من قبل بعض الجماعات الترابية في مختلف ربوع المملكة، سارع وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت إلى إصدار دورية للولاة وعمال الأقاليم تتضمن تعليمات حازمة، يحثهم من خلالها على تحريك المساطر القانونية المتعلقة بالعزل الإداري في حق مجموعة من رؤساء مجالس ومستشارين وإحالة ملفاتهم على القضاء، في كل من مدن خريبكة وفاس وبوزنيقة والخميسات وطنجة وأسفي وتيفلت وتطوان والناظور، ممن ثبت ضلوعهم في خروقات منافية للقوانين التنظيمية للجماعات، مشددا على تنفيذ القانون دون أي تساهل مع أي كان وكيفما كان انتماؤه الحزبي.
وهي الحملة التي خلفت ارتياحا كبيرا في أوساط المواطنين، وأعادت إلى الذاكرة تفاصيل الحملة الشهيرة التي سميت ب»حملة التطهير» في عهد الراحل الملك الحسن الثاني خلال منتصف 1995، الذي اختار حينها وضع حد للتهريب بعدما استشعر مدى خطورة الوضع على الاقتصاد الوطني، وأوكل مسؤولية الإشراف عليها لوزير الداخلية آنذاك ادريس البصري بعد اعتذار الوزير الأول الراحل عبد اللطيف الفيلالي بسبب تدهور حالته الصحية أمام حجم الملف، وكان أن أطاحت تلك الحملة بالعديد من الرؤوس الكبرى.
فما لا يمكن إنكاره هو أنه بالرغم مما أنجز من مشاريع كبرى خلال السنوات الأخيرة، مازال المواطنون يعيشون حالة من اليأس العام والانتظارية المريرة جراء استشراء الفساد، الذي ما انفك يطحن البلاد والعباد، وإلا ما كان لملك المغرب محمد السادس الذي أشرف على فتح العديد من الأوراش التي من شأنها تغيير وجه البلاد ودخول عالم الحداثة عبر برامج تأهيل المدن والطرق والموانئ والطاقات المتجددة وغيرها كثير، ليقول يوما: «إننا نقوم بأعمال كبيرة دون أن يظهر أثرها على الجميع».
ومما يؤكد لنا جميعا ألا صغيرة ولا كبيرة تخفى على عاهلنا المفدى أنه قال كذلك في أحد خطبه السامية: «كفى واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة وإما أن تنسحبوا»، ولم يفتأ يشدد على ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه دستوريا، لأن أي تقدم رهين بمدى القدرة على تطهير البلاد من الانحرافات المتوالية، وقد جاء هذا المقتضى الدستوري ليشكل قطيعة مع كل مظاهر الرشوة والفساد الإداري والمالي، والمحسوبية، والوساطة، واختلاس وتبديد المال العام، واستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة، وجاء كذلك لمحاصرة المفسدين ومتابعتهم وعدم الإفلات من العقاب عند ثبوت أي تورط في كل تقصير أو إخلال بالواجب وسواه.
إننا خلافا لبعض المشككين لا نخفي ابتهاجنا لمثل هذه الحملات التطهيرية ضد المفسدين ولصوص المال العام، الذين يرجحون كفة مصالحهم الشخصية وتنمية أرصدتهم البنكية، على كفة الصالح العام وتنمية البلاد، يحدونا الأمل الكبير في أن تكون هذه «الحملة التطهيرية» انطلاقة فعلية نحو محاربة الفساد بمختلف أشكاله في جميع المؤسسات وإعادة الثقة للمواطنين، وليست مجرد جعجعة بدون طحين، يراد من خلالها إلهاء الشارع وامتصاص الغضب الشعبي ليس إلا…

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 17/05/2023

التعليقات مغلقة.