جيل على حافة الدولة: تأملات في مصير السياسة والشباب

عبد الإله طلوع

يبدو أن هذا الجيل الجديد من الشباب يعيش على تخوم الدولة، لا داخلها ولا خارجها تماماً، جيلٌ يتأمل مؤسساتها كما يتأمل الغريب بيتاً كان يوماً بيته، لم يعد الإيمان بالسياسة يسكن النفوس كما كان، ولم تعد اللغة القديمة للإصلاح تُقنع من وُلد في زمن الشاشات والسرعة واللايقين، فبين انبهار بالحداثة الرقمية ومرارة من بطء التحول السياسي، يقف الشباب اليوم أمام مفترق التاريخ.
السياسة، في معناها العميق، كانت وعداً بالتحرر وبناء المصير المشترك، غير أنها في الواقع تحولت إلى مشهد رمزي يكرر ذاته بلا روح. لذلك لم يعد غريباً أن يبحث الشباب عن معنى آخر للمشاركة، خارج الأحزاب والبرامج، في فضاءات رقمية مفتوحة حيث تُصاغ المواقف بحدسٍ جديد، وتُمارس المواطنة بأساليب مبتكرة تتجاوز الوسائط الكلاسيكية.
لكن خطورة هذا التحول تكمن في أن الدولة، وهي تسعى إلى الاستقرار، لم تلتقط بعد الإشارات الدقيقة لوعي هذا الجيل. إنها ما تزال تتعامل بمنطق الوصاية والتلقين، بينما يتحدث الشباب بلغة المبادرة والمواطنة التشاركية، وهنا تبدأ الفجوة بين من يريد إعادة إنتاج السلطة كما هي، ومن يريد إعادة تعريفها على أسس العدالة والكرامة والمعنى.
فالشباب المغربي اليوم لا يطلب امتيازاً ولا شعارات جديدة، بل يطالب بصدقٍ سياسي يعيد الثقة في الفعل العمومي. يريد دولة تُصغي بدل أن تُلقّن، ومؤسسات تُحاسَب بدل أن تُقدَّس. يريد وطناً يُبنى بالعقل الجماعي لا بالقرارات المعزولة.
إن جيل الهامش هذا لا ينتظر الدعوة إلى المائدة السياسية، بل يصنع مائدته الخاصة في فضاءات جديدة تتجاوز الحدود بين الدولة والمجتمع، ولعلّ مستقبل السياسة في المغرب سيتحدد بقدرتنا على تحويل هذا الجيل من طاقة متأملة إلى قوة فاعلة، ومن وعي متردد إلى مشروع وطني متجدد.
فحين تعود السياسة لتُلامس نبض الشباب، ويستعيد الشباب ثقته في الدولة، فقط آنذاك يمكن أن نتحدث عن مستقبل… لا يقف على الحافة.
*باحث في القانون العام والعلوم السياسية

الكاتب : عبد الإله طلوع - بتاريخ : 14/11/2025