جيل Z.. بين الرؤية الملكية والتقاعس الحكومي
الدكتور بدر الدين قرطاح (*)
تشهد مدن مغربية عدة في الأيام الأخيرة احتجاجات شبابية يقودها جيل “Z”، رفعت مطالب اجتماعية مشروعة تتعلق بالحق في التعليم والصحة والشغل، قبل أن تنزلق بعض المسيرات إلى مواجهات وأحداث شغب مؤسفة. هذه التطورات ليست سوى تعبير صارخ عن أزمة عميقة وبنيوية كان قد جرى التنبيه إليها في أكثر من مناسبة.
ووفق أحدث بيانات المندوبية السامية للتخطيط (2025)، فإن جيل Z يمثل 26,3 % من مجموع سكان المغرب، أي ما يقارب 9,65 ملايين شاب تتراوح أعمارهم بين 13 و28 سنة. ويتوزع هذا العدد بشكل شبه متوازن بين الذكور (50,9 % – 4,913,601 شاباً) والإناث (49,1 % – 4,743,682 شابة). هذا الوزن الديموغرافي الكبير يجعل من هذه الفئة ليس مجرد رقم إحصائي، بل قوة اجتماعية وسياسية لا يمكن تجاهلها.
لقد أكد جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2018 على ضرورة إعادة التفكير في النموذج التنموي الوطني بما يستجيب لتطلعات المواطنين. وفي خطاب 21 غشت 2018 بمناسبة عيد الشباب، شدّد جلالته بشكل خاص على وضع قضايا الشباب في صلب السياسات العمومية، مؤكداً أنهم يشكلون “الثروة الحقيقية للأمة”. غير أن الواقع يكشف عن فجوة كبيرة بين هذه التوجيهات الملكية السامية وبين الممارسة الحكومية.
في ماي 2024، أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) تقريراً صادماً حول الشباب المصنّفين في خانة “NEET” (لا يدرسون، لا يشتغلون، ولا يتابعون أي تكوين). التقرير كشف أن 4,3 ملايين شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة (أي ما يعادل واحداً من كل أربعة شباب) يوجدون خارج مسارات الإدماج. ومن بين الفئة العمرية 15–24 سنة، تصل النسبة إلى 28,5 %، فيما تشكل النساء حوالي ثلاثة أرباع هذه الفئة، وأكثر من نصفهم ينحدرون من الوسط القروي.
المجلس نبّه إلى أن استمرار هذه الوضعية سيؤدي إلى تعميق الفقر والهشاشة، وارتفاع مخاطر الانحراف والتطرف والهجرة السرية. وقدّم توصيات عملية، من بينها: الحد من الهدر المدرسي (300 ألف حالة سنوياً)، تطوير التكوين المهني، تعزيز الخدمات الصحية، وتوسيع آليات المشاركة المواطنة للشباب.
لكن الحكومة، بدل التفاعل الإيجابي، اختارت نهج التقليل من شأن التقرير والتشكيك في خلاصاته، حيث وصف رئيس الحكومة توصيات المجلس بأنها “غير مقنعة”، ما عمّق أزمة الثقة بين الشباب والدولة وأضاع فرصة إصلاحية ثمينة.
الأرقام الأخيرة الصادرة عن بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط تؤكد خطورة الوضع:
- 47 % من الشباب عاطلون عن العمل.
- فقدان أكثر من 108.000 منصب شغل زراعي في سنة واحدة.
- معدل البطالة العام بلغ 13,3 % في 2024، وأكثر من 32 % في الوسط الحضري.
- 8,5 ملايين مواطن دون تغطية صحية فعلية رغم تعميم AMO.
- الأسر تتحمل حوالي 50 % من المصاريف الصحية من جيوبها.
هذه المؤشرات تجعل الاحتجاجات الحالية نتيجة طبيعية لسنوات من السياسات الحكومية غير الفعالة، والتي لم تنجح في خلق حلول مستدامة لقضايا التعليم والصحة والتشغيل، رغم وضوح التوجيهات الملكية وصدور تقارير مؤسسات دستورية مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وإذا كانت الحكومة تتحمل المسؤولية الأولى في تفاقم هذه الأزمة بسبب ضعف التفاعل مع تلك التوصيات وإصرارها على مقاربات ظرفية أو تقنية محدودة الأفق، فإن الأحزاب السياسية، على اختلاف مواقعها، لم تضطلع جميعها بالدور المطلوب في الوساطة والتأطير. صحيح أن بعض الأحزاب تبذل جهوداً في مجالات التكوين أو في مرافقة الشباب عبر مبادرات محلية أو جمعوية، لكنها تبقى محاولات متفرقة لا ترقى إلى مستوى الرهانات الوطنية. أما المجتمع المدني، فغالباً ما يُحرم من الوسائل المادية والدعم المؤسساتي الذي يمكّنه من احتضان هذه الطاقات الشابة وتوجيهها نحو البناء بدل الشارع.
إن الخروج من الأزمة يقتضي اليوم قرارات جريئة: إطلاق حوار وطني شامل حول قضايا الشباب، إصلاح منظومتي التعليم والتكوين وربطهما بسوق الشغل، تعزيز الخدمات الصحية وضمان عدالة في الولوج إليها، وإعادة الاعتبار لدور الأحزاب والجمعيات كقنوات حقيقية للتأطير.
وكما شدّد جلالة الملك في خطاباته سنة 2018: الشباب هم الثروة الحقيقية للأمة. وتجاهل هذه الحقيقة هو تهديد مباشر للسلم الاجتماعي واستقرار الوطن.
أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط
الكاتب : الدكتور بدر الدين قرطاح (*) - بتاريخ : 03/10/2025

