جيل Z في المغرب بين الغضب والمبادرة وفشل السياسات الحكومية
سعيد الخطابي
يعيش المغرب اليوم لحظة مفصلية، حيث برز جيل Z، المولود بين منتصف التسعينيات ومطلع الألفية، كقوة اجتماعية وسياسية جديدة لا يمكن تجاهلها. إنه جيل رقمي بامتياز، يتابع التحولات العالمية لحظة بلحظة، من حرب أوكرانيا إلى القضية الفلسطينية، ومن جائحة كورونا إلى الأزمات الاقتصادية والمناخية. لكن ما يميز هذا الجيل ليس فقط وعيه الكوني، بل قدرته على إسقاط هذا الوعي على واقعه المحلي الذي يتسم بأزمات متراكمة: انهيار منظومتي الصحة والتعليم، اتساع الفوارق الاجتماعية، هشاشة سوق الشغل، غلاء المعيشة، وانسداد الأفق أمام الشباب.
لم يتردد الشباب المغربي الفتي في النزول إلى الشارع للتظاهر ضد الظلم الاجتماعي والاقتصادي. والاحتجاجات التي قادها هذا الجيل لم تكن مجرد نزعات غضب عابرة، بل صرخة واعية ضد سياسات عمومية فشلت في تلبية المطالب الأساسية. هؤلاء الشباب رأوا في الاحتجاج وسيلة لإعلان وجودهم كقوة حية لا يمكن تهميشها. لكن ما يزيد من مأساوية الوضع هو أن هذه الاحتجاجات غالبًا ما تُقابَل بالقمع والعنف، وكأن صوت الشباب جريمة يجب إسكاته. إن ضرب الطلبة والمحتجين بالهراوات بدل الإصغاء إليهم هو تعبير عن أزمة عميقة في العلاقة بين الدولة ومواطنيها، وعن عجز الحكومات المتعاقبة عن ابتكار حلول حقيقية.
رغم ذلك، لا يمكن اختزال جيل Z في الغضب فقط، فقد أثبت أنه جيل المبادرة بامتياز. أسس مشاريع ناشئة في مجالات التكنولوجيا والابتكار، وقاد حملات بيئية ومناخية للتوعية والتأثير، وأطلق مبادرات مواطنة في الأحياء والقرى لمساعدة الفئات الهشة. هذا الجمع بين الاحتجاج والبناء يكشف أن الشباب المغربي لا يكتفي برفع الشعارات، بل يسعى لاقتراح بدائل وبناء مسارات جديدة، رغم قلة الإمكانات وضعف الدعم المؤسسي.
الوجه الآخر للأزمة يكمن في فشل الحكومة الحالية التي رفعت شعارات الدولة الاجتماعية ثم سرعان ما تخلت عنها لصالح خيارات نيوليبرالية متوحشة. فقد تملصت من وعودها الانتخابية المرتبطة بتوفير مناصب الشغل وتحسين الصحة والتعليم وتوسيع الحماية الاجتماعية، وبقيت هذه الالتزامات حبيسة الخطابات الدعائية. واعتمدت أسلوب التسويق السياسي الفارغ بدل الإنجاز، فباعت الأمل الوهمي وغطت على غلاء المعيشة وانهيار القدرة الشرائية. بل أكثر من ذلك، وجّهت سياساتها لخدمة فئات محدودة من المستثمرين والنافذين، ضاربة حلم الدولة الاجتماعية في مقتل، تاركة الشباب والطبقة الوسطى على هامش التنمية.
هذا الجيل الجديد لا يطلب صدقات ولا ينتظر وعودًا جوفاء، بل يرفع نداءً شاملًا من أجل الكرامة. إنه يطالب بحق أصيل في الشغل اللائق الذي يحمي من شبح البطالة المزمنة التي تطارد ملايين الشباب، بما في ذلك أصحاب الشهادات العليا، وما تولده من يأس وهجرة غير نظامية. كما يطالب بالحق في السكن الكريم في وجه غلاء العقار الذي جعل الاستقرار بعيد المنال، وبخدمات صحية عمومية تحفظ كرامة المواطنين بدل تركهم رهائن للقطاع الخاص. التعليم بدوره يمثل أحد أهم جبهات المعركة، إذ فقدت المدرسة العمومية جاذبيتها وأصبحت تنتج الفوارق بدل تقليصها، وهو ما يدفع الشباب للمطالبة بإصلاح جذري يربط التعليم بالعدالة الاجتماعية. إلى جانب ذلك، يصر جيل Z على أن حرية التعبير حق أصيل لا يمكن التراجع عنه، وأن التنمية الحقيقية يجب أن تشمل الرفاهية المجتمعية التي لا تعني مجرد الخروج من الفقر، بل بناء مجتمع يضمن حياة كريمة وفرصًا للإبداع والثقافة والرياضة.
جيل Z المغربي هو جيل التغيير القادم. هو جيل الاحتجاج والمبادرة، الغضب والبناء، المطالبة والاقتراح. وإذا استمرت الحكومة في تجاهل مطالبه، فإن هذا الجيل سيصبح الفاعل المركزي في صياغة معالم مغرب جديد، أكثر عدالة وكرامة وديمقراطية. إن العتاب اليوم موجه إلى حكومة فشلت في الوفاء بوعودها، وتخلت عن حلم الدولة الاجتماعية، وانحازت إلى النيوليبرالية التي عمّقت الفوارق بدل أن تعالجها. غير أن الأمل يظل معقودًا على شباب جعلوا من نداء الكرامة مشروع حياة، ومن الاحتجاج والمبادرة طريقًا نحو مغرب أفضل، لا يُدار بالخطابات الدعائية بل بالفعل السياسي والاجتماعي المسؤول.
* عضو المجلس الوطني للحزب
الكاتب : سعيد الخطابي - بتاريخ : 01/10/2025

