«جيل Z» والتحولات الاجتماعية والسياسية في المغرب

ياسين عمري (*)
لم يعد «جيل Z»، أي المولودون في العقدين الأخيرين من القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، وبالتدقيق ما بين 1997 و2012، بحسب تعريف خاص بباحثين بجامعة هارفرد الأمريكية، مجرد فئة عمرية عابرة في المشهد المغربي، بل أصبح كتلة ديمغرافية واجتماعية وثقافية ضاغطة تفرض، منذ يوم ظهورها، على النخب السياسية إعادة التفكير في أساليب تدبير الشأن العام والتواصل وصناعة القرار.
هذا الجيل الذي يشكل 26.3 بالمائة من سكان المغرب (9.65 مليون شاب وشابة) كما تؤكد مؤشرات وأرقام المندوبية السامية للتخطيط، وُلد في سياق رقمي بامتياز، نشط على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر مما نشط على ساحات المدارس العمومية، وامتلك وعياً بين المحلي والعالمي.
ولم يعد ينتظر كلمات رسمية مطولة تصدر عن الفاعلين السياسيين ولا بيانات حزبية متخشبة، بل يبحث عن تواصل مباشر، سريع وشفاف، بعيد كل البعد عن «لغة الخشب» التي ما زالت تهيمن على خطاب عدد من النخب السياسية.
من زاوية دستورية وسياسية، يشكل «جيل Z» تحديا عميقا لمبدأ «الوساطة السياسية»، فالأحزاب التقليدية إلى حدود الزمن الراهن فقدت قدرتها على استقطاب هذا الجيل، والنقابات تبدو بعيدة عن القضايا اليومية لهذا الجيل، بينما يفضل هو التعبير عبر «الترند» و»الهاشتاغ» في الفضاء الرقمي، حيث تتحول مواقع التواصل إلى برلمان افتراضي تطرح فيها القضايا التي تشغل بال هذا الجيل واهتمامه.
أما إعلاميا، فهذا الجيل يتابع وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، وبدرجة من الوعي وبات قادرا على فرز المعلومة ومساءلة مصدرها، والصحافة الاستقصائية هنا تكتسب قيمة مضافة، لأنها تلتقي مع حاجة هذا الجيل إلى كشف الحقائق، من خلال التحليل الموضوعي للبحث عن الخلل إلى صياغة أفق الإصلاح.
واجتماعيًا، يطرح «جيل Z» سؤالًا مقلقًا: لماذا ظل التعليم في المغرب تقليديًا؟
سؤال تتضاعف حدّته عند مقارنته بما يجري في أنظمة التعليم المتقدمة، حيث تشكّل التكنولوجيا ركيزة أساسية في التعلم والتطوير. فجيل اليوم يعيش في وطنٍ رقميّ مفتوح، يرتبط بالعالم الافتراضي أكثر مما يرتبط بالمؤسسات التقليدية.
وبلغة الأرقام، تشير معطيات المندوبية السامية للتخطيط، في آخر إحصاء عام للسكان والسكنى لسنة 2024، إلى أن نسبة السكان الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة فأكثر ويتوفرون على هواتف شخصية بلغت 84.4 في المائة على الصعيد الوطني، فيما تصل هذه النسبة إلى 98.6 في المائة لدى الأشخاص ذوي المستوى التعليمي العالي. هذه المعطيات الرقمية والاجتماعية تفرض على النخب السياسية المساهمة في تدبير الشأن العام أن تقرأ جيدا هذه «الأصوات الرقمية»، هنا قد يكون من الضروري التفكير في صيغ جديدة للتفاعل مع «جيل Z»: منصات رقمية مؤسساتية، آليات للاستماع والتشاور، تفعيل أكبر لمقتضيات الديمقراطية التشاركية التي نص عليها دستور 2011.
خلاصة القول: «جيل Z» في المغرب ليس مجرد فئة عمرية، بل هو إنذار سياسي واجتماعي، إذا أحسن الإنصات له وفتح أمامه أفق المشاركة والإبداع، فقد يشكل قوة لتجديد الفضاء السياسي المغربي. أما إذا استمر التعامل معه بمنطق التجاهل أو الاحتواء التقليدي، فإننا نغامر بمزيد من الفجوة بين الفاعلين السياسيين كمدبرين للشأن العام والمجتمع، وهي فجوة وجب تداركها، لأن السياسة في نهاية المطاف هي تدبير الخلافات بشكل سلمي.
(*) إعلامي باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية
الكاتب : ياسين عمري (*) - بتاريخ : 11/10/2025