حالة الطوارئ الصحية بالمغرب وسؤال الحقوق الدستورية

بسمة خروبي *

يعيش العالم اضطرابا كبيرا بسبب الانتشار الفاحش لفيروس كورونا (كوفيد-19) المستجد الذي صنفته منظمة الصحة العالمية بالوباء العالمي، انطلق من الصين واستشرى بأمريكا وتفاقم بأوروبا ..
ولأن أهم بوابة عبور بين إفريقيا وأوروبا بحرا وجوا ، بنسبة تدفق جد عالية ، هي المغرب ، الذي يعيش في هذه الآونة نتائج استثمارات ضخمة في الجانب السياحي ، أدت إلى تزايد الطلب على الرحلات الجوية الجديدة بين المغرب وأوروبا حيث يتمكن من نقل نحو 2.5 مليون راكب سنويا ،وعلى الخصوص عقب التوقيع على اتفاق « السماء المفتوحة « الذي أبرمه المغرب مع الاتحاد الأوروبي منذ 2006 ، ونظرا لاقتراب موسم عبور 2020 ، ناهيك عن سرعة انهيار العديد من المنظومات الصحية أمام فيروس كورونا المستجد ، ببعض دول أوروبا وبداية تسرب الهلع في صفوف مواطنيها أمام هول الجائحة ،ناهيك عن إقدام بعض الدول على تطويق الحركة ببعض أقاليمها ، … كل هاته المؤشرات كانت تعني شيئا واحدا ،هو أن المغرب لن يكون إلا امتدادا لدول انتشار الفيروس ، وأنه لن يسلم من هذه الجائحة .إذ سرعان ما تم تسجيل أول حالة لمواطن وافد من إيطاليا يوم الإثنين 2 مارس 2020، وبعد ثلاث أيام أعلنت السلطات المغربية تسجيل ثاني إصابة بفيروس كورونا لمواطنة عائدة هي الأخرى من إيطاليا التي سجلت في ذلك اليوم 3089 إصابة توفى منها 109 ، خصوصا أن ثالث أكبر جالية توجد في إيطاليا هي الجالية المغربية ..تلتها العديد من الإصابات في صفوف المواطنين .
الاستثناء المغربي الذي استحق عليه تنويه المتتبعين ، هو الإقدام المبكر على اتخاذ الإجراءات الاحترازية والإقرار الإيجابي بمحدودية الإمكانات المتوفرة لديه والتي لن تمكنه من المواجهة الميدانية للوباء ، وأن الاختيار الصحيح للمواقع الآمنة وسلوك المسالك الوقائية والمتاحة بأقل التكاليف وتسخير كل الممكنات القانونية والبشرية هي الحل لحمل المواطنين على المشاركة الواعية في حصر الوباء …
تربع المغرب على رأس قائمة الدول التي أحسنت التعاطي مع الجائحة لم يكن اعتباطيا ، فقد جاء المغرب في طليعة الدول التي وضعت خطوات استباقية مركزة ومدروسة لتفادي انتشار وتفشي الوباء بنفس الطريقة التي انتشر بها في غالب الدول حتى تلك التي تتوفر على امكانات ضخمة و منظومتها الصحية صنفت في أعلى المراتب ، ما عرف تنويها عالميا بالمجهود و الإجراءات التي اتخذها المغرب ، وعندما كانت شعوب العالم تخون حكامها وتلومهم لإخفائهم مكامن ضعف أنظمتهم الصحية وانفضاح حقيقة قدراتهم في مواجهة المرض وزيف ادعاء القدرة على احتوائه والانتصار عليه واستمرارهم في التراخي وعدم تقديم الحماية اللازمة للمصابين وعلى الأخص الشيوخ والشباب وحاملي الأمراض المزمنة باعتبارهم وقود الوباء الذي ينتشر من خلاله للباقين.
فئة كبيرة من الغاضبين لم تترد في الدعوة للاعتبار والتأسي بالحالة المغربية ،البلد الذي فكر في مصلحة مواطنيه وعطل بالمقابل شريان الاقتصاد ، مقدما بذلك مدرسة مواطنة في الاهتمام المغربي بالإنسان و الحماية التامة لحقوقه في زمن الجشع الاقتصادي وهيمنة الرأس المال .

من مميزات الحالة المغربية التحصين الاستباقي للجبهة الداخلية

إذا كانت دولة الصين قد أعلنت أول مرة عن الوباء أواخر شهر دجنبر سنة 2019 بقرار إغلاق بعض الأسواق بمدينة «ووهان «،وإذا كانت معظم الدول المصابة لم تلجأ إلى ترسانة الإجراءات الوقائية إلا بعد العاشر من مارس 2020 عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية « كوفيد – 19» وباء عالميا مدشنة بذلك لاندلاع حرب عالمية في الأفق طرفها الأول شبح الوباء وطرفها الثاني باقي دول العالم … فقد ظهرت بالمغرب ، ومنذ الوهلة الأولى، إرهاصات التعاطي الجدي مع الوضع والاستعداد له استعداد الحروب :
أولا :بتحصين الجبهة الداخلية وحماية المواطنين ، كل المواطنين، ولا شيء قبل المواطنين ،كأولوية الأولويات ، مهما تكن الكلفة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا …حيث أصدر الملك محمد السادس تعليماته بإجلاء المغاربة العالقين بدولة الصين، وإخضاعهم مباشرة للحجر الصحي لمدة 14 يوما. ليتم تسجيل هذا الإجراء كأول تدبير تقوم به المملكة المغربية متقدمة فيه على أعتى الديمقراطيات في الغرب ..
ولعل خلو جميع هؤلاء من الفيروس لخير دليل على أن يد الوطن كانت أسرع إليهم من مخالب الجائحة ، فكان لهذا الإجراء الإنساني وقعه السحري في استنهاض همة الشعب المغربي كله ، وإعلان ميثاق تماسك اجتماعي بين كل المغاربة ملكا و شعبا في مواجهة الزائر الثقيل، الذي لم يعلن دخوله الفعلي للمغرب إلا يوم الثاني من شهر مارس 2020 تاريخ اكتشاف أول حالة وافدة من أوروبا أين يوجد قرابة خمسة ملايين مغربي ، معدل أعمارهم أقل من 40 سنة ،أي في سن الحركة والحيوية والسفر .
ومن أجل تكريس خيار التحصين الداخلي، بادر المغرب منذ 19 مارس 2020 إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة في البلاد ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس ،تلاها في الغد ، 21 مارس، الإعلان عن وقف جميع أشكال التنقل ،داخليا ، ليتسع مجال الإغلاق ليشمل دولة إيطاليا بمجرد ارتفاع عدد الإصابات إلى 30 حالة ،فإسبانيا ثم الجزائر ليقدم بعد ذلك على إغلاق مجاله الجوي نهائيا . ليتفرغ للمرحلة الموالية والأكثر أهمية .
ثانيا :مرحلة التدبير الداخلي للحجر الصحي في شقيه ،القانوني من جهة والحقوقي والاجتماعي من جهة ثانية : احتراما من المغرب للحقوق الدستورية للأفراد والجماعات ، وضمانا لمبدأ الاستمرار بالعمل بها مصانة غير منتهكة في ظل الأزمة الوبائية ، وحالة الطوارئ الصحية ، تم منذ البداية السماح لجمعيات المجتمع المدني والإعلام العمومي الوطني والجهوي والمحلي بالمواكبة والتواجد والمساهمة في كل حملات التوعية و الحملات التحسيسية واقتراح البدائل الممكنة، في اطار من الشفافية والإعمال السليم للمقاربة التشاركية، استنادا لمقتضيات الدستور المغربي المتعلقة بالديمقراطية التشاركية وما تم التنصيص عليه من الأدوار الجديدة للمجتمع المدني استلهاما للخطابات الملكية السامية والتي ما فتئت تدعو إلى إشراك المواطن من خلال جمعيات المجتمع المدني منذ خطاب 30 يوليوز 2007 بمناسبة عيد العرش والذي جاء فيه « مهما كانت مشروعية الديمقراطية النيابية التقليدية فإننا نرى من الضروري استكمالها بالديمقراطية التشاركية العصرية، الأمر الذي يمكننا من الاستفادة من كل الخبرات الوطنية والجهوية والمجتمع الوطني الفاعل، وكافة القوى الحية للأمة « لتكون فرصة إعلان الطوارئ لأسباب صحية فرصة للتدريب الجماعي على تنزيل هذه المقاربة تنزيلا يسمح بردم الهوة المصطنعة بين المؤسسات المنتخبة والفاعلين المجتمعيين .

الوباء يفرض سرعته :
انتشار الجائحة كالنار في الهشيم وخطورة الصورة التي تصاحب هذا الانتشار في بؤر تواجده، وهول المشاهد المتداولة وشهرة الأسماء والرؤوس التي أطاح بها في كل سلالم الطبقات الاجتماعية ،…كرس لضرورة اتخاذ العديد من الاجراءات بنفس السرعة والفعالية ، وكذلك إلى ضرورة التعجيل باتخاذ التدابير اللازمة لحماية الوطن و المواطن ، مما استدعى من الدولة المغربية فرض «حالة الطوارئ الصحية « : وهي حالة استثنائية تقوم على فكرة الخطر المحدق بجزء أو بكل التراب الوطني ، وهي بمثابة نظام أو إجراء استثنائي يزول بزوال الظرفية الاستثنائية التي استدعت اللجوء إليه، والتي أشار إليها مضمون البلاغ الصادر عن وزارة الداخلية … حفاظا على صحة وسلامة المجتمع المغربي وبعد تسجيل بعض التطورات بشأن إصابة مواطنين غير وافدين من الخارج بفيروس «كورونا المستجد» ، تقرر إعلان «حالة الطوارئ الصحية» وتقييد الحركة في البلاد ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس 2020 في الساعة السادسة مساء لأجل غير مسمى، كوسيلة لا محيد عنها لإبقاء هذا الفيروس تحت السيطرة.

التأصيل الدستوري لحالة الطوارئ الصحية :
لم يأت بلاغ وزارة الداخلية مسندا ببند من بنود الدستور، وبالفعل ، عند العودة إلى الوثيقة الدستورية ، قد نجد ما يشبه الفراغ في الموضوع ، إذ لم يتم التنصيص في الدستور المغربي في أي باب من أبوابه أو فصوله على هذه الحالة بهذه التسمية .. ولكن بالمقابل تم التنصيص على حالتين مشابهتين :
الحالة الأولى، هي حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفصل 59 ، هذه الأخيرة لا يمكن اعلانها إلا من طرف الملك بظهير ، ويبرر إعلانها بسبب تهديد يطال حوزة التراب الوطني ، أو بسبب عرقلة تطال سير مؤسساته . يتم ذلك باستشارة مع رئيس الحكومة ، رئيس المحكمة الدستورية ، رئيس مجلس النواب ، و رئيس مجلس المستشارين ، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة توجيه خطاب للأمة .
الحالة الثانية: هي حالة الحصار التي نص عليها المشرع المغربي في الفصل 74 من دستور البلاد لسنة 2011 ، تحدد هذه الحالة في 30 يوما وذلك بمقتضى ظهير ، وهذا الأجل لا يقبل التمديد إلا بقانون .
حالة الطوارئ الصحية هاته، والتي تم الإعلان عنها بمقتضى بلاغ رسمي مشترك بين وزارة الداخلية ووزارة الصحة ليلة الخميس 19 مارس 2020، دخلت حيز التطبيق يوم الجمعة 20 مارس 2020 في الساعة السادسة مساء، تقوم على مبدأ التقييد الجزئي لحريات الأفراد ولبعض حقوقهم المرتبطة بالحالة وبشكل مؤقت ، وذلك ضمانا لصحة المواطنين ، سندها في الدستور الفصل 21 الذي ينص على أن لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقاربه، وحماية ممتلكاته، وأن السلطات العمومية تضمن سلامة السكان و سلامة التراب الوطني في اطار احترام الحقوق و الحريات الأساسية المكفولة للجميع .
وبعد اربعة أيام من إعلان حالة الطوارئ الصحية تم إصدار مرسوم بقانون رقم 2-20-292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية والإجراءات اللازمة الإعلان عنها ، هذا النوع من المراسيم يصدر عن الملك ، ويوقع من طرفه في الحالات الاستثنائية ، وهو يدخل ضمن الصلاحيات المخولة له في إطار ممارسته لاختصاصاته التشريعية في غياب البرلمان .
تم نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر يوم الثلاثاء 24 مارس 2020 ، بعد أن كان المغرب قد خطا خطوات استباقية دقيقة ومهمة لتفادي تفشي الوباء، فأصدر قٌرارا بإغلاق المدارس ، المساجد ، المطاعم ، المقاهي ، ومنع التجمعات التي تفوق 50 شخصا ، وغيرها من الإجراءات المهمة والتي توخى من خلالها الحيلولة دون تفشي الفيروس بشكل يجعل إمكانية احتوائه صعبة أو مستحيلة، في ظل الإمكانات المتواضعة للدولة في مثل هذه الحالات الوبائية، غير أن استمرار تعنت بعض فئات المواطنين وعدم التزامهم بالحجر الصحي المنزلي، ضيق دائرة الخيارات أمام المسؤولين ليتم، وبشكل استعجالي، اللجوء إلي إخراج قانون الطوارئ الصحية لحيز الوجود ، فجاء المرسوم بصريح العبارة ليعاقب كل شخص يخالف الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بخصوص حالة الطوارئ الصحية، وبنفس الإجراء يعاقب كل من سعى أو دعا أو عمل على عرقلة تنفيذ قرارات سواء عن طريق العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه ، وكل من يقوم بتحريض الغير على خرق حالة الطوارئ الصحية و تعريض نفسه وغيره للخطر و غيرها من المقتضيات المهمة ، وذلك جاء تماشيا مع مقتضيات الدستور وخاصة الفصل 23 منه ، الذي جاء في مضامينه أنه يمنع التحريض على العنصرية و العنف و الكراهية ، وتجلى هذا الفصل بوضوح من خلال كون الحملات التحسيسية أقيمت باللغتين العربية و الفرنسية و ذلك راجع لكون المغرب هو الوجهة الأولى للمهاجرين الأفارقة .
وإيمانا منه بضرورة التعليم واعتبارا أن توقف التلاميذ عن الدراسة ليس عطلة بل هو وقاية لهم ولذويهم من خطر الوباء، دعا المغرب إلى اعتماد التعليم عن بعد لفائدة تلاميذ جميع المسالك و المستويات وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، والمنصات الخاصة بالتعليم و كذلك عبر تسخير مجموعة من القنوات التلفزية و أصبحت تبث دروسا مسجلة بتقنية الفيديو لأجل ضمان مواكبة الدروس من طرف جميع الفئات والشرائح المجتمعية والعمرية .

الحقوق الدستورية و الحجر الصحي

ولأن حالة الطوارئ الصحية تقضي بعدم الخروج من المنزل إلا لأجل حاجة ملحة كالعمل ، والاستشفاء ، وتبضع المواد الغذائية اللازمة و الضرورية لسير الحياة بطريقة عادية داخل المنازل ، كما تقضي بإغلاق جميع المحلات وتوقف جميع الأنشطة إلا تلك المتعلقة منها بالأدوية ، الصحة و بيع المواد الغذائية و الخضر .. كان طبيعيا أن يحس الجميع بأن هوامش حريته ضاقت، وأن يحس الحقوقيون ببعض الضجر من جراء ذلك الضيق، وقد يعتبره الكثير منهم مسا بالحقوق والحريات الخاصة بالمواطنين ، اعتبارا لمبدأ شخصنة الحرية باعتبارها حقا أساسيا و طبيعيا وكذلك غريزيا عند الانسان، هذا ما يبرعم التزام المواطنين بالحجر الصحي المنزلي . ولأن الناس نسبيون في الالتزام حيال القانون وحتى بعض العارفين بخطورة الوضع، لا يلتزمون به إلا على مضض وتحت الخوف من التسبب في إيذاء النفس والغير ، فإن عددا كبيرا من عديمي الحس الجماعي بالمسؤولية وهواة التمرد يلجؤون إلى ابتداع طرق وأساليب لخرق القانون وبالتالي محاولة تعطيل مفعول الحجر الصحي ، تنتهي بمعظمهم هذه المغامرة في قبضة العدالة فيتم إيقافهم، إذ ناهز العدد 5000 موقوف بسبب خرق حالة الطوارئ الصحية بدون مبرر مقنع وموضوعي .
هذا العدد ، ومهما يبدو كبيرا ، فإنه للأسف لا يعكس العدد الحقيقي لأعداد المخالفين للقانون ممن صادف وضعهم في حالة خرق ، مرور أو تواجد قوى الأمن ، وكذلك المخالفين الذين لم يتم تفعيل المسطرة في حقهم، نظرا لاقتناع رجال الأمن بعدم تعمدهم تعطيل مقتضيات الحجر أو لتعهدهم بعدم التكرار،وهي مرونة اتسم بها بعض رجال حفظ الأمن اتجاه بعض المخالفين، فيما فضل بعض رجال السلطة استبدال سلطة الضبط والتوجيه و الإدانة بالعقاب الآني إيمانا منهم بأن هذه الخطوة فيها من التعاطف ما يجنب المخالفين المتابعة والسجن أو الغرامة . هذه الصيغة، وعلى محدوديتها، لم يستسغ الحقوقيون اللجوء إليها رغم كل الذرائع ، إذ تعتبر مساسا خطيرا غير مبرر بالكرامة، خصوصا لما اقترنت بإقدام بعض المواقع والأفراد ممن حضروا الوقائع على توثيقها والتشهير بضحاياها صوتا وصورة .
بيد أن بعضا آخر من المهتمين ، اعتبروا أن سن قانون الطوارئ الصحية، جاء في الأصل للتضييق من مجال حرية الأشخاص، وأنه تعطيل، ولو جزئي، للحق في الحرية كما جاء به الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأيضا فيه ضرب من التخلي عن الفصل 24 من الدستور المغربي والذي ينص على حرية التنقل عبر التراب الوطني، والاستقرار فيه، و الخروج منه ، والعودة اليه مضمونة للجميع وفق القانون .
وهو تخوف مشروع، رغم كونه تقييدا مؤقتا، ومهما يظل الغرض الأساسي منه هو حماية المواطن وحماية صحته و سلامته و حياته المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية للبلاد من خلال الفصول 21،20 ، 22 في الباب الثاني من الدستور المكون من 22 فصلا و المخصص للحقوق و الحريات الأساسية .
ولعل التعطيل المؤقت لهذه الحقوق يبقى، من وجهة نظر بعض المنتصرين لمبدأ الضرورات تبيح المحظورات، أن الحماية الجماعية أهم وأشمل من مناقشة وضع استثنائي يحد من بعض الحريات مؤقتا لضمان استمرار الحياة في ما بعد .
وبقدر حجم الغضب العارم الذي صاحب انتشار العديد من الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي وهي توثق مشاهد لرجال السلطة وهم يقومون بالتدخلات العنيفة في حق المواطنين ، جاءت مئات التعاليق من مواطنين عاديين تثمن ما قام به رجال السلطة ،وتدافع عن هذه التدخلات واعتبارها عربون غيرة على الوطن و إشارة خوف على صحة المواطن .وهي وقائع قليلة ومعزولة ، وتبقى في حدود التدخل المألوف في أوضاع أقل من هاته، ما يجعلها بعيدة عن وصف الشطط في استعمال السلطة أو الانتهاك المعيب لحقوق هؤلاء نظرا لعدم وجود مصالح مباشرة لرجال الأمن في تعنيف هؤلاء الذين عرضوا أنفسهم وعرضوا الناس، بمن فيهم رجال السلطة، للخطر ، فكان لزاما الدفاع عن الملتزمين بالحظر الصحي .
فئة أخرى وقعت تحت طائلة المساس بحقوقها، وهي الحقوق الاقتصادية والمعيشية ، أولئك المواطنون الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة و ضحاها بدون أي مورد رزق بسبب خضوعهم لحالة الطوارئ الصحية ، ما خلف نوعا من السخط و التذمر في صفوف معظمهم وتملكهم الخوف عن أسرهم وعيالهم ،لتتناسل التساؤلات عن كيفية تدبير هؤلاء لقمة العيش لهم و لعائلاتهم في ظل حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة بالبلاد . قبل أن تبادر وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة بتعميم مجموعة من البلاغات ، مفادها أن لجنة اليقظة الاقتصادية قررت بعد مشاورات واجتماعات متواصلة منح تعويض شهري جزافي يختلف من حيث القيمة بحسب الفئات المستهدفة ، يتم إيصاله للمعنيين به إلى بيوتهم وبطرق سلسة وسهلة ، سيتم صرفها من الصندوق الخاص بمحاربة هذه الجائحة، وذلك تنفيذا للتعليمات الملكية في هذا الشأن ، استفادت منها كل العائلات المعوزة تقريبا، ابتداء من العمال المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والذين فقدوا عملهم جراء الوباء، مرورا بفئة المواطنين المتوفرين على بطاقة «الراميد» وصولا إلى أولئك الذين لا يتوفرون لا على اشتراك بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ولا يندرجون ضمن قوائم خدمة الراميد ، ولديهم أسرة، ولحقهم الضرر جراء الدخول في الحجر الصحي ..
كل هؤلاء يتم تمكينهم من الإعانات المالية إما عن طريق حساباتهم البنكية ، أوعن طريق إرسال رب الأسرة لرسالة نصية للرقم المخصص لتلك الخدمة، يتم التواصل معه تدريجيا لحين التوصل بالمساعدة .
وأصدر الديوان الملكي بلاغا يعفي من خلاله مكتري محلات الأحباس من قيمة الكراء المرتبطة بمدة الحجر وبلاغ آخر يقضي بضرورة الإسراع في تنفيذ الأوامر الملكية باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتعزيز حماية نزلاء المؤسسات السجنية و الإصلاحية وكذلك بتمتيع 5654 معتقلا ممن قضوا أكثر من نصف المدة المحكوم بها، وثبت أن هنالك تحسنا في سلوكهم ، جرى انتقاؤهم وفق معايير إنسانية وموضوعية مضبوطة، تأخذ بعين الاعتبار سنهم ،وهشاشة وضعيتهم الصحية، ومدة اعتقالهم بالإضافة إلى سلوكهم المنضبط طيلة مدة اعتقالهم.
لتتوالى مبادرات المؤسسات والإدارات والهيئات المختلفة، بهدف التخفيف على المواطنين وطأة الحجر وحالة الطوارئ الصحية : حيث بادرت المؤسسات البنكية إلى تأجيل اقتطاع الديون لبعض فئات الموظفين والعمال، خصوصا تلك الأقساط المتعلقة بسلف السكن أو قروض الاستهلاك . وبادر الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد – 19 بتوفير ملياري درهم لتأهيل المنظومة الصحية. والتحاق الأطقم الطبية العسكري ببعض جهات المملكة لتعزيز الخدمات الصحية والاستشفائية بها .وأطلقت وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي برنامجا لدعم استثمارات المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة التي تستثمر في مجال تصنيع المنتجات والمعدات المستعملة في مواجهة جائحة كورونا. وسارعت وزارة التربية الوطنية لتقرر مواصلة التعليم عن بعد وتأجيل العطلة الربيعية مع اعتماد تقنيات التعليم عبر الوسائط الرقمية ومنصات الوسائط الاجتماعية لتكون في طليعة الإدارات والوزارات التي بادرت باتخاذ مجموعة من التدابير لدعم الإدارات العمومية في تبني الحلول الرقمية….ولحدود هذه اللحظة لا تزال المبادرات والإجراءات تتوالى في جو من التضامن الجماعي البناء لصالح الوطن ولصالح المواطن الذي أمسى مزهوا أكثر من أي وقت مضى بحجم الاهتمام الذي لاقاه من أعلى سلطة إلى أبسط عون بالبلاد، ومزهوا أكثر بمساهمته بقدر ما يستطيع في ركب الثورة الخلاقة من أجل رفع تحدي هزم الوباء الغول الذي انتصر، ولو مؤقتا، على أعتى الدول الرأسمالية ، كل ذلك يحدث في صون تام للحقوق الفردية والجماعية للمواطنات والمواطنين ، تماما كما هو منصوص عليها دستوريا .

 

* طالبة باحثة بسلك الماستر / شعبة القانون العام
ماستر الإدارة والقانون

الكاتب : بسمة خروبي * - بتاريخ : 13/04/2020