حقيقة الاعتداء على منظمة «غلوبال أكسيون»
حمري البشير
من غير المنطقي أن يتم توجيه اتهام لمغربي في ظل الدعم الواضح الذي تبديه الدنمارك الرسمية لحل سياسي ينهي هذا الصراع. وأود التأكيد على ذلك بالإشارة إلى الموقف الذي عبّر عنه وزير الخارجية الدنماركي، لارس لوكا راسموسن، خلال حوار سابق وأجريته معه ونُشر في جريدة الاتحاد الاشتراك، فقد صرح الوزير حينها بكلام إيجابي للغاية يعكس رغبته الصادقة في تعزيز العلاقات المغربية-الدنماركية.
هذا التصريح يجد ترجمته اليوم في المواقف الرسمية للدنمارك، التي تتجه نحو الانضمام إلى الدول الداعمة لحل سياسي ينهي هذا الصراع، مما يؤكد استمرار هذا التوجه الإيجابي.
الضجة التي أثيرت حول محاولة إحراق مقر منظمة «جلوبال أكسيون» المعادية للتواجد المغربي في الصحراء تظهر بوضوح وجود أياد خفية وراء هذه العملية المشبوهة. هذه المنظمة، التي لا تمتلك أي امتداد جماهيري، تقع في حي تقطنه نسبة كبيرة من الجالية الفلسطينية والمغربية.
شخصياً، سبق لي أن حضرت لقاءات نُظمت في مقر هذه الجمعية، وقد كان الحضور هزيلا للغاية. في آخر لقاء حضرته، لم يتجاوز عدد الدنماركيين السبعة، ومعظمهم من المنخرطين الجدد الذين يجهلون تفاصيل هذا الملف تماما.
أستغرب لغباء الجهة التي قامت بهذه العملية ومحاولتها نسبها للمغرب، خصوصا في ظل التحول الإيجابي الذي شهدته العلاقات المغربية-الدنماركية عقب اللقاء الذي جمع وزير الخارجية ناصر بوريطة ونظيره الدنماركي على هامش اجتماع في الأمم المتحدة. مثل هذا التحول يجعل هذه الاتهامات غير منطقية ومجرد محاولة بائسة لتشويه سمعة المغرب.
الموقف الإيجابي الذي تبنته الدنمارك تجاه قضية الصحراء المغربية يبدو أنه أصاب خصوم الوحدة الوطنية بصدمة كبيرة، مما دفعهم، بدعم من المخابرات الجزائرية، إلى اللجوء لأساليب استفزازية ومسرحيات مفبركة، كان آخرها محاولة إحراق مقر منظمة «جلوبال أكسيون».
هذه المنظمة، المعروفة بمواقفها الداعمة للبوليساريو، لا تحظى بأي امتداد شعبي، ويقع مقرها في حي يقطنه عدد كبير من الجالية المغربية والفلسطينية. المغاربة المقيمون هناك بعيدون عن السياسة، لكنهم متشبثون بعمق بمغربية الصحراء ومساندون لقضية فلسطين العادلة، ويستنكرون ما يحدث في غزة.
محاولة إحراق مقر المنظمة تبدو كحركة يائسة من العناصر الانفصالية التي تسعى، بطرق ملتوية، إلى جذب الانتباه في الدنمارك، خصوصاً بعد الموقف الواضح الذي عبر عنه وزير الخارجية لارس لوكا راسموسن. هذا الموقف الداعم للحل السياسي لإنهاء الصراع، والذي يرى في مشروع الحكم الذاتي المقترح من المغرب خيارا أمثل، أربك العناصر الانفصالية ومن يقف وراءهم.
من الواضح أن هذه المسرحيات لن تخدم أجندات أعداء الوحدة المغربية، وهي محاولات مكشوفة لن تنجح في تغيير المواقف الدولية المتنامية لصالح المغرب وحلوله الواقعية لإنهاء النزاع المفتعل.
إن الدنمارك دولة تدعم حرية التعبير وتعطي الحق لممارسة أي نشاط سياسي، وإذا كان وزير الخارجية نفسه قد التقى وزير الخارجية المغربي على هامش أشغال الأمم المتحدة وعبر عن موقف الدنمارك بدعم حل سياسي لقضية الصحراء، فهذا نعتبره موقفا متقدما وإيجابيا لمصلحة المغرب، وإلصاق التهمة بالمغرب في حادث إحراق مقر تلك المنظمة تأثيره ضعيف على الشارع الدنماركي، بل هي محاولة غبية تقف من ورائها المخابرات الجزائرية لجلب انتباه الرأي العام الدنماركي لممارسة ضغوط على الموقف الرسمي الذي أعلن عنه بعد اللقاء الذي تم بين وزير الخارجية لارس لوكا وناصر بوريطة في نيويورك.
ما حدث أعتبره شخصيا زوبعة في فنجان لإثارة انتباه الشارع الدنماركي، فهذه العملية الإجرامية لا علاقة للمغاربة بها، وهي من فعل فاعل مدعم من المخابرات المعادية لمغربية الصحراء، والتي تتوالى سقطاتها بتوالي الاعتراف بمغربية الصحراء، من خلال دعم مشروع الحكم الذاتي الذي طرح في سنة 2007.
وقبل أن أنهي الاسترسال في الحديث، لا بد من الإشارة إلى أن هذه المنظمة تسعى إلى استقطاب أعضاء جدد لا علاقة لهم بالسياسة. وقد لاحظت ذلك خلال آخر لقاء نظمته المنظمة قبل حوالي سنة.
وفي ما يتعلق بالخبر المرتبط بهذه العملية التي وقعت، وهي عملية نستنكرها بشدة، فلا يقوم بها إلا شخص متهور وغبي، مدفوع من جهات مخابراتية هدفها لفت انتباه الشارع الدنماركي لهذا الملف، الذي يشهد تطورا ملحوظا يدعم الحل الذي تم اقتراحه لإنهاء هذا الصراع. والحقيقة ظهرت لاحقا، فقد ألقت الشرطة الدنماركية القبض على منفذ العملية، وهو شاب بريطاني يبلغ من العمر 19 سنة.
وتجدر الإشارة، في الأخير، إلى أن الدنمارك بلد يؤمن، بل يقدس، حرية التعبير. وما يشهده المجتمع الدنماركي من حركية إيجابية يجعلنا لا نستغرب ظهور جمعيات بلا امتداد جماهيري، تتغذى وتستمر بفضل الفتات الذي تتلقاه من أجهزة مخابرات أجنبية.
وارتباطا بما حدث في مقر «جلوبال أكسيون»، تشير أصابع الاتهام إلى المخابرات الجزائرية. لكن تبقى الكلمة الفصل للتحقيقات التي تجريها الشرطة الدنماركية.
الكاتب : حمري البشير - بتاريخ : 21/01/2025