حول الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء

  فدوى الرجواني 

 

 

حسنا فعل الفريق الاشتراكي بمجلس النواب بتنظيم يوم دراسي حول الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء: حصيلة عقد من التنفيذ في المغرب، فالمغرب كان أول دولة في منطقة المينا التي تبنت استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء، بمبادرة ملكية واعية بالتحديات المرتبطة بتحول المغرب من بلد عبور إلى بلد استقرار، فكانت الحاجة إلى تطوير وتنفيذ سياسات هجروية شاملة يتم من خلالها التركيز على قيم التضامن الإنساني واحترام حقوق المهاجرين واللاجئين، تشجيع اندماجهم في المجتمع المغربي، بما في ذلك الولوج إلى التعليم، الصحة، وسوق الشغل، تحسين القوانين للتعاطي مع تدفقات الهجرة بشكل أفضل وفي احترام تام لحقوق الإنسان، تعزيز قدرات المجتمع المدني لجعله فاعلا أساسيا في تدبير الهجرة، ضمان ظروف إنسانية لاستقبال المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء والتي تجمعها بالمغرب علاقات أخوية، اقتصادية ودينية تعزز البعد الإفريقي للبلد ولعل أهم ما جاءت به الاستراتيجية كان هو تسوية وضعية المهاجرين بمنحهم بطائق إقامة تمنحهم وضعا نظاميا يحفظ كرامتهم ويصون حقوقهم كعمال محتملين.
فتولت لجان إقليمية على مستوى العمالات أمر التسوية وكانت تعرض أمامها طلبات التسوية مرفوقة بكل ما يمكن أن يعزز به مهاجر غير نظامي طلبه أمام لجنة تتكون من ممثلي السلطة والقضاء والأمن ولكن أيضا من ممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان عبر أعضاء لجانه الجهوية والمجتمع المدني فكانت التسوية تتم بتوافق كل هذه الأطراف، ليتفوق المغرب على نفسه وعلى إمكانياته ويتم خلال الفترة الأولى للتسوية التي انطلقت سنة 2014، تسوية وضعية 25 ألف مهاجر من بين 28 ألف طلب، أغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء وسوريا..
وفي سنة 2018، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قرارا يقضي باختيار المغرب لاحتضان المؤتمر الدولي للهجرة تم خلاله اعتماد «الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة» في سياق دولي يعرف مدا يمينيا رافضا للهجرة وسياق إقليمي مازالت فيه بعض الدول تعتمد نظام الكفيل وتحدد سن النساء المسموح لهن بولوج أراضيها دون الحاجة لتأشيرة..
وفي القمة الإفريقية الأوروبية الخامسة في العاصمة الإيفوارية أبيدجان قال الملك محمد السادس إن الهجرة لا تسبب الفقر لدول الاستقبال، لأن 85 ٪ من عائدات المهاجرين تصرف داخل هذه الدول؛ مضيفا أن التمييز بين بلدان الهجرة وبلدان العبور وبلدان الاستقبال لم يعد قائما.
انخرط المغرب إذن ملكا وحكومة وشعبا في هذا الورش واعتبر أن الهجرة رافعة للتنمية وحقا من حقوق الإنسان مستحضرا دائما وجود خمسة ملايين من المغاربة خارج الوطن يساهمون في تنمية بلدان الاستقبال ومرتبطون بالبلد الأم.
ولكن أين نحن اليوم من كل هذا المسار الحقوقي المميز والشجاع، ما هي وضعية المهاجرين غير النظاميين والنظاميين فوق أراضي المملكة، وما الذي تغير حتى تتوقف عمليات التسوية؟
قد نتفهم أن يعزى التوقف عن تسوية وضعية المهاجرين غير النظاميين في المغرب  إلى عوامل معقدة ومتداخلة مرتبطة بالضغوط الاقتصادية والتحديات المالية التي تواجه البلاد مما يصعب تنفيذ برامج تسوية وضعية المهاجرين، هذه الوضعية الاقتصادية الصعبة تؤدي بشكل مباشر إلى تصاعد وانتشار خطابات الكراهية تجاه المهاجرين في المغرب، خاصة في الفضاء الرقمي، فوفقًا للشبكة المغربية لصحافيي الهجرات، شهدت البلاد تصاعدًا في الخطاب العنصري والمعادي للأجانب خلال عام 2024، وهو ما يناسب أهواء الحكومة اليمينية بقيادة أخنوش، والتي تصنف قضايا حقوق الإنسان عموما وقضايا الهجرة على وجه الخصوص في آخر اهتماماتها وتتعامل معها كقضايا ثانوية. كما نتفهم أن الدول الشريكة في مكافحة الهجرة غير النظامية، خاصة الدول الأوروبية التي تتعاون مع المغرب في مراقبة الحدود وتمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا قد تمارس ضغوطا على المغرب تدفعه لإهمال تسوية وضعية المهاجرين غير النظاميين كما أن الأوضاع الأمنية والاعتبارات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود قد تؤثر أيضا فيما يتعلق بتسوية وضعية المهاجرين..
قد نتفهم هذا كله ولكنه لا يجب أن يتحول إلى تراجع بلد رائد في التعاطي مع قضايا الهجرة عن التزاماته الإنسانية، والحقوقية وهو البلد العضو في اللجنة الأممية المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والبلد الذي انتخب كذلك لرئاسة مجلس حقوق الإنسان تتويجا لمسار حافل في مجال النهوض بحقوق الإنسان واعترافا بالجهود التي بذلت سواء على المستوى الدستوري أو التشريعي أو المؤسساتي، وكذا على مستوى الممارسات، لا يمكن أيضا أن نضرب عرض الحائط كل ما بذل في ملف الهجرة ونسمح بوجود مهاجرين غير نظاميين فوق ترابنا الوطني نحتك بهم كل يوم في الشارع والأسواق والمساجد يمارسون حياة عادية في ظروف غير عادية، فنحن نعرف الاستغلال الذي يتعرضون له من طرف بعض المشغلين الذين يقايضون منحهم فرصة شغل «فالنوار» مقابل أجر زهيد وظروف اشتغال غير إنسانية ونشاهد كل يوم أطفالا ولدوا في المغرب ومازالوا يعانون للولوج لأبسط الحقوق كالتلقيح والتمدرس، فقط لأنهم بدون بطائق إقامة، إن اليوم الدراسي الذي خصصته المعارضة الاتحادية في البرلمان لإعادة قضايا الهجرة إلى واجهة النقاش كان بمثابة طوق نجاة ليس فقط لآلاف المهاجرين غير النظاميين فوق ترابنا ولكن أيضا لسمعة بلد بذل الكثير في مجال حقوق المهاجرين واليوم يتخلى عنهم بشكل يستدعي التنبيه والترافع..

الكاتب :   فدوى الرجواني  - بتاريخ : 13/01/2025