رؤية النساء وهن يلعبن كرة القدم حرام!

عبد السلام المساوي

كتبت لاعبات المنتخب الوطني لكرة القدم التاريخ صباح الخميس الماضي بتأهلهن لثمن نهائي كأس العالم المقامة حاليا بأستراليا ونيوزيلاندا بانتصارهن على كولومبيا بهدف لصفر… وسارت اللبؤات على خطى الأسود بتألقهن بمنديال أستراليا في تكرار لسيناريو المنتخب الوطني بمونديال قطر 2022، والذي تمكن من احتلال المركز الرابع، رغم أنها المرة الأولى التي يشارك فيها المنتخب الوطني النسوي بالمونديال .
اكتشفنا بمناسبة كأس العالم للسيدات أن عددا لا بأس به من الجاهلين (نسبة للجاهلية، ونسبة للجهل، ونسبة للجهالة ونسبة لكل المشتقات) لا زال يعيش بيننا .
بعضهم قال إن رؤية النساء وهن يلعبن الكرة حرام، والبعض الآخر ذهب بعيدا في الجهل حتى نال من لاعبات منتخبنا الوطني ، ومن الحكمة المغربية المشاركة في هذا المونديال بأقذع الأوصاف ، وبشكل بذيء  يكشف حقا أننا لم نقطع الوادي الشهير بعد ، وأن الأرجل منا لا زالت مبتلة .
صوت هاته الجاهلية يرتفع في مواقع التواصل أكثر ، لذلك يظل افتراضيا يتخفى وراء الأسماء المستعارة، أو الحسابات الموجود أصحابها خارج الديار (يهربون إلى البلاد التي يصفونها بالكفر لكي يسبوا منها إخوانهم المسلمين!)، ولحسن حظنا أن المغاربة في واقعهم المعيش، أي المغاربة الحقيقيين يعيشون حياتهم بالطول وبالعرض، وهم متخلصون من من عقلية (كوزينتك) الغبية والرجعية، يكفي أن تطل على شواطئ ومسابح البلاد من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، لكي تفهم أننا لا نعطي لغباء الجاهلين أي اعتبار، وأن المغربية والمغربي يعيشان حياتهما والسلام، ومع ذلك هناك مشكل في الحكاية كلها .
أصوات الظلم هاته التي تتحرك من وراء ستار في العالم الافتراضي ليس هي صوت الشعب، أو صوت الناس العاديين يعبرون من خلالها عن فكرة قد لا تروقنا، وقد نختلف معها، لكننا مجبرين على تقبلها إذا كنا فعلا مؤمنين بحرية التفكير والتعبير .
لا، الحكاية أخطر بكثير، إذ هي تعبير عن تيار سياسي يتخفى في لبوس الدين كذبا وزورا وبهتانا ، ويعلن من القديم، أي منذ نشأته وازدهاره بداية سنوات الانحطاط في عالمينا العربي والإسلامي،  إنه لا يقبل بأي مشروع مجتمعي غير المشروع الإخواني .
تصوره للمرأة معروف منذ البدء، مكانها بالنسبة له هو أن تطبخ جيدا ومن هنا عبارة (كوزينتك الغبية) ، وأن تكنس جيدا، وأن تغسل ملابس سكان المنزل جيدا، وأن تتهيأ كل ليلة لاستقبال  «البطل المغوار»، السيد بعلها بعد عودته إلى الديار ، لكي تشتغل له جسرا أو «كوبريا» ، يمتطيه من أجل التكاثر والتناسل والإتيان بأطفال (يستحسن أن يكونوا ذكورا) ، والسلام .
الصورة قد تبدو كاريكاتورية، لكنها فعلا حقيقة هذا التيار ، وهي إذ تبدو اليوم صعبة التطبيق فعليا، إلا أنها «فونطازم» من الاستيهامات الثابتة في عقلية هذا التيار الذي يداعب بها الفكر الذكوري القابع في دواخل كل واحد منا .
ذات يوم صرخ أحدهم في مستشفى عمومي مغربي في وجه طبيبة مغربية شابة «الله يلعن النهار اللي قريتو فيه وليتو طبيبات»، بسبب شنآن عابر هناك حول الدور أو ماشابه .
هدأ المجتمعون في المستشفى من روعة الرجل الذي اكتشفوا أنه يشتغل بائعا منذ الصغر لأنه غادر المدرسة قبل الوقت بوقت طويل، وشرعوا في «تبويس لحيته»، والتوسل إليه لكي يهدأ، وقال له أحد حراس المستشفى» ما تديش على طبيبة راها غير مرا، وراك عارف لعيالات كيفاش دايرات».
القصة تتكرر دوما في أكثر من من مكان دليلا على أن هناك مشكلا حقيقيا في دواخلنا جميعا، لا بد من دفع القوم دفعا رفيقا للشفاء منه بالعلم والدراسة والقراءة والاطلاع والفرجة والتعلم الكثير، ولا بد من تدارك الوافدين الجدد قبل فوات الأوان لئلا يمسهم أذاه، ولا يصلهم ضرره، ولا مفر من تربية هذا التيار من جديد لكي يفهم أن التي وصفها بناقصة العقل والدين، والتي يعتبر أنها لا تستطيع صنع أي شيء دونه، هي التي ولدته وأتت به إلى الحياة .
ولو كانت تعرف أن الكائن الذي سينزل من بطنها سيكون بكل هذا الغباء،  لتوسلت المسكينة ربها أن يخلقها عاقرا، لكنها لن تفعل.
ستستغفر ربها، وستدعو لذلك الكائن بالهداية والعودة يوما إلى العقل، ستتسلح باختصار بحكمة النساء…

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 07/08/2023

التعليقات مغلقة.