رحيل السفير عبد لقادر لشهب :المغرب يفقد أحد دبلوماسييه المقتدرين
مصطفى العراقي
فقد المغرب، أول أمس الأحد، أحد دبلوماسييه المقتدرين، السفير عبد القادر لشهب عن سن السبعين. رجل راكم رصيدا مهما في العمل الدبلوماسي بتمثيله بلادنا في عواصم عالمية، فقد تقلد منصبه هذا سنة 1998 ثم باليابان سنة 2003 ، فالفلبين سنة 2004، وفي نونبر 2008 عينه جلالة الملك سفيرا بروسيا وكازاخستان وبيلاروسيا .
ولعمل الأستاذ عبد القادر الدبلوماسي عمق سياسي ومعرفي وثقافي واجتماعي ورياضي :
إنه ابن أحد أبرز رجالات المقاومة بالمغرب الشرقي، وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء والقانون الدولي بجنيف، التحق بوزارة الخارجية سنة 1983 وبعدها بخمس سنوات شغل منصب مستشار للشؤون الاقتصادية ببعثة المغرب بمقر الأمم المتحدة بجنيف ولدى العديد من المنظمات الدولية، فمديرا لديوان الوزير الأول، وزير الخارجية سنة 1995.
ولا يقتصر الأمر على صفتي الدبلوماسي والأستاذ الجامعي فقط بل إن عبد لقادر لشهب كان شاعرا، كذلك، له إصدارات متميزة، فمن البوابة الإلكترونية للسفارة تطل علينا قصيدته الرائعة «موسكو»، وهو أيضا لاعب كرة قدم عشق المستديرة منذ طفولته وعرفته الملاعب، لعب ضمن فريق نادي الاتحاد الوجدي وبعده مولودية وجدة قبل أن ينتقل إلى الوداد الرياضي، وقد كان واحدا من أعمدة المنتخب الوطني الذي لعب له 15 مباراة.
حاورت الفقيد في أحد أيام دجنبر من سنة 2009 في إطار ملف أعددته لجريدة الاتحاد الاشتراكي تحت عنوان «الدبلوماسية المغربية : أسئلة النجاعة»، وضمنه حوار مع السفير عبد القادر لشهب أجريته معه بواسطة الهاتف، كان حريصا على التدقيق في إجاباته، مرحا، يجعلك تشعر وكأنك تجالسه وتعرفه لسنوات …من بين الأسئلة التي طرحتها عليه: ماهي التحديات الجديدة أمام الدبلوماسية المغربية؟
إن الديبلوماسية المغربية تقوم وتتأسس على مرتكزات ومبادئ ثلاثة أساسية: وهي الشرعية والرجاحة وبعد النظر، التي تسخر وتعتمد للدفاع عن مصالح البلاد وقضاياها المصيرية والعادلة وتطلعاتها في الحاضر والمستقبل، وتواكب بكفاءاتها التحولات العميقة التي يعرفها العالم المعاصر على مستوى العلاقات البينية والمتعددة الأطراف الإقليمية منها والدولية، وهذه المتغيرات تحتم أيضا تكييف ردود أفعالنا ومبادراتنا وطرق العمل وبرامجه.
وحتمت المتغيرات الجوهرية التي عرفها العالم إثر اندثار الاتحاد السوفياتي ووقوع أحداث 11 شتنبر وتداعياتها، والثورة التي شهدتها التكنولوجيات الحديثة ووسائل التواصل والإعلام، على الديبلوماسية، الانصهار في واقع جديد ووضع مقاربات وقراءات جديدة ومتجددة للأحداث، للتعامل مع هذا التحول ضمن نسق عالمي علاقاتي متحول، إذ لم يعد مكان وجدوى للديبلوماسية التقليدية، ولم تعد الديبلوماسية بمعناها التقليدي المتجاوز صالحة للحاضر كما كان ذلك ممكنا في الماضي، وأضحت الديبلوماسية الناجحة والناجعة بالتالي ترتكز على مفاهيم جديدة تجعل من أولوياتها المبادرة واستباق الأحداث عوض الانتظارية والتقوقع.
وأصبح لزاما وحتما على الديبلوماسية بمفهومها العصري الوظيفي أن تركز اهتمامها وتسخر قدراتها ومجهوداتها في كل الفضاءات والمجالات سواء تعلق الأمر بالمجال الحكومي المؤسساتي أو تعلق الأمر بالمجالات الأخرى الحيوية كالثقافة والاقتصاد والتفاعل مع وسائل الإعلام والجامعات والمراكز الفكرية والمنظمات غير الحكومية ومكونات المجتمع المدني الأخرى.
وبالإضافة إلى ما قيل وذكر، فإن أسئلة وقضايا أخرى جديدة ذات البعد الكوني حتمت على الديبلوماسية الاشتغال بها والتجاوب معها، وتهم هذه القضايا إشكاليات وجوانب تستأثر باهتمام كل الرأي العام الدولي من قبيل قضايا حقوق الإنسان والبيئة والإرهاب والمشاكل الأمنية، وكل هذه القضايا باعتبار أهميتها وحساسيتها تحتم وضع مقاربات خاصة واستعدادا وخبرة للتعامل معها ومتابعتها والاندماج في محيطها وكينونتها واتخاذ قرارات واضحة بشأنها برؤى شفافة ومنسجمة ومتفاعلة.
ولابد من التأكيد في سياق ما سبق ذكره، أن المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس يعمل ببعد نظر ورؤية وحكمة لمواجهة التحديات المطروحة على البلاد وجعل الجهاز الديبلوماسي أداة فاعلة لخدمة قضاياه ومصالحه وتحقيق تطلعاته، وتبوأ بهذا موقعا رائدا في المشهد الإقليمي والقاري والعالمي، وهذا التفاعل مع الأحداث بنجاعة ورزانة بشكل يعكس بجلاء موقع وتاريخ ودور المغرب في مختلف المحافل، ومن نافلة القول التأكيد أيضا على أهمية ودور الوسائل البشرية واللوجستيكية في تطوير الأداء الديبلوماسي وجعله أكثر فعالية وقدرة، وقد قام المغرب بجهود كبيرة على هذا المستوى، ومازالت المجهودات متواصلة في هذا المنحى، وهو ما يجعل الديبلوماسية المغربية منخرطة بإيجابية في محيطها وتعرف تقدما وتطورا مناسبا، وهي بالإضافة إلى ذلك ديبلوماسية مناضلة، تدافع عن قضايا المغرب المصيرية والعادلة باقتدار، كباقي المكونات المؤسساتية المغربية، وتساهم من موقعها المتقدم بمسؤولية في مسيرة التنمية التي تعرفها بلادنا على أكثر من صعيد ومجال.
لقد فقد المغرب برحيل السفير عبد القادر لشهب ديبلوماسيا حرص باقتدار على أن يدافع عن قضايا المغرب وعلى رأسها القضية الوطنية ..ويعود إليه الفضل في عدم انسياق موسكو وراء أطروحة خصوم وحدتنا الترابية، وأن تدعم جود الأمم المتحدة وأن توقع مع بلادنا اتفاقيات شراكة في مجالات متعددة ومنها اتفاقية الصيد البحري التي تشمل بالأخص المياه الإقليمية لأقاليمنا الجنوبية .
رحم الله الفقيد الذي أسلم الروح إلى باريها، أول أمس العاشر من نونبر، وكل العزاء لعائلته ولأسرته الدبلوماسية ولكافة أصدقائه في حقول الأدب والرياضة .
الكاتب : مصطفى العراقي - بتاريخ : 12/11/2024