سؤال «التخلّف» والانهيار القِيمي بالمجتمع المغربي؟؟

عبد الله راكز

 

أن يصف المثقف المُفترض، إلانسان المغربي ب»التخلف» والمجتمع المغربي ب»المنهار» قِيميا،ويربط هذه الحالات في تمظهرها، كحالة واحدة، هوفي اعتقادنا أهم الأسباب الرئيسية،الدافعة به،من حيث يدري أو لا يدري،إلى الارتكان السلبي تجاه هذا الواقع، بموجب انتمائه إليه أولا،أما أن نعثر على المثقف عينُه، وفي حالة من الاستمتاع والنّشوة إزاء هذا،وبه،فمعناه أن المسألة أخذت شكلها المأساوي،أو هي على طريق تشكّلها كذلك.
إذا كانت هذه الظاهرة بتجلياتها المذكورة،تجد نفسها- أحيانا – في وضع اجتماعي مقبول،وفي فترة الأزمة بالكاد،فإنها في حقيقتها تبدو أخطر،حيث تهيئ لظهور نماذج «مثقفية»- إذا جاز التعبير- أقل ما يمكن أن يقال عنها،إنها انعزالية سلبية،ومهووسة بذاتها…

1/ في فحوى المشكل والبحث عن المرجع:

إذا قبلنا بكون هذه الحالة-كما يدعي البعض في مجال تبريرها قصدا وعمْداً-حالات عارضة مؤقتة وقابلة للزوال بمجرد زوال «رداءة «هذا الواقع،فإنه من الضروري أن نشير،وبشكل موضوعي،إلى أنها في إلحاحية حضورها المُؤرق حقا،ليست سوى تعبير عن حالة الواقع العامة،بأبعادها السياسية- الاقتصادية والاجتماعية، والتي تغيب فيها الشروط الذاتية والموضوعية، الكفيلة بدفعه باتجاه التّطور الصحيح.
ضمن هذا لاغرابة،في أن نجد كذلك مُستتبعات هذه الحالة،التي تجد تعبيراتها،في كل ثقافة لا تجد نفسها قادرة على فكّ قيودها..وتَرضى لنفسها بأن تبقى حبيسة الثبوتية والجمودية المُفقرة التي تجعلها غير قادرة على فتح عينيها لرؤية ما يجري حقيقة وجوهرا على أرض الواقع.
يجد المثقف(الإشكالي المُفترض والقلق من اللحظة ) نفسه وسط هذا الحقل رهين التساؤل،وبتوافق مع همّه،سيتحصن بجعل التساؤلات المستمرة بعيدة عن كل الإجابات السريعة،المُخلّة بقواعد الاستجلاء القويم،لأسس وعناصر الواقع المجتمعي…سيُدرك أن الإخلاص للواقع يبتدىء أولا من الاقتناع بأن محاولة مقاربة أدنى مشكلة، لن تعدو كونها في العمق،سوى مقاربة لأهم مشكلات/إشكالات الواقع المجتمعي الذي يحضنها وترتبط به على أكثر من مستوى وأكثر من واجهة،أما الوصول كحد أدنى فقط إلى نقطة البداية في هذا الكل وفي محاولة معالجته،فإنها تقتضي البحث في المقام الأول،عن مواطن الخلل في بنية الواقع ، التي ربما تمتد إلى أصوله العامة التاريخية….إن وراء ذلك كله يكمُن المرجع،ويتحدّد،ويتحدّد الجُرح، وابتداء منه، يمكن استخراج الخلاصات والبحث عن الحلول المُمْكنة..
سيكون الجُرح التاريخي هنا، بالنسبة للمثقف الإشكالي الأزمة التي تنخر المجتمع على كافة المستويات ولبّها «التبعية «.وسيظل وجهها الحاضر بضراوة والمكرّس لاستفحاها،هو غياب العلاج الديموقراطي الشمولي،إذ الحاضر بكل إشكالاته وتعقيداته،محنه وأزماته،هو الحافز الأكبر وسيستمر في ذلك،مادام على حاله المتردّي.

2 – عن السؤال المحوري:

أما السؤال المحوري بين الأسئلة الأخرى المُنعكسة في مرآة التبعية،فيتلخص وكما يلاحظ عبد الله العروي في « ما عمق،ماهي أشكال،ماهي بنية الظاهرة الاجتماعية التي تأخذ في وقت ما،صورة تخلف يجب استدراكه «( انظر مجمل تاريخ المغرب)،إذ أن أي «تخلف في أي مستوى،يجر حتما،تخلفا مماثلا في سائر المستويات «(مجمل تاريخ المغرب).ومقابل القول القائل بكون»التخلف ضاربا في العمق التاريخي،فإن البحث في مرجع الجُرح المذكور- وهو تاريخي أيضا- أي التبعية،هو المعيار الأساسي لتحديد معنى الاصطدام الحقيقة كون عقبة التقدم في مجتمع تقليدي،لاتنحصر فقط في عوامل داخلية بحتة، بل قد تظهر في الغالب،كنتيجة مركّبة لغزو خارجي- وبصيغ متعددة – والرغبة الملحّة في التخلص منه ومن تأثيراته الكابحة والمُعيقة لسبل النمو والتطور.
وعليه،سيصبح من الضروري الاقتناع إلى جانب ما سلف،أن جريمة الاستعمار تتلخص، بجانب كونها المُعيق للتطور، في أنها تفرض سُبلاً وطرقا للتطور بعيدة كل البعد عن المنطق التاريخي بما يحفظ الاعتبارات الضرورية لتحقيق الطموح المشروع بكل أشكاله…
وفي حالة المغرب، سيعتبر المثقف الإشكالي المُفترض، أن القرن التاسع عشر، وفي تسارع أحداثه إلى حدود أوائل القرن العشرين قد جسد المنبع الأول لأزمات المجتمع الرئيسية منها والثانوية،الخارجية والداخلية،سواء تلك التي انتعشت في حضنه أو الخارجة عن إرادته، فيما فتح باب التّساؤل والبحث عن المخرج في حضور المعيق الأول للتطور: الاستعمار المسؤول عن ديمومة «التخلف».
لذلك كانت الدعوات الإصلاحية التي عرفها القرن العشرون منذ بدايته، وفي شروطها كردّ فعل موضوعي على الوضعية المجتمعية،تتمثل العلاج الديموقراطي كأحد الأجوبة الضرورية عن طبيعة المرحلة وشروطها،وبغض النظر عن كون هذا المطلب كان متكاملا أو العكس في فهمه لمتطلبات المرحلة، فإن هذه الدعوات تفطّنت مبكرا، إلى أن عملية تطوير المجتمع وجعله قادراً على مواجهة مشاكله المتعددة،تقتضي تحقيق هذا المطلب بشكل لا مناص منه، وهنا يكمُن جانبها الإيجابي في المعالجة أو الطرح على الأقل..
سيستمر نفس المطلب اليوم في حضوره بنفس الالحاحية (في ظل كورونا وما بعدها)، وفي ظل ظروف وشروط أخرى لاتختلف عن سابقاتها إلا بمقدار أعباء الماضي والحاضر معا: «التخلف» المكرّس بالتبعية. وسيجد المثقف الإشكالي المُفترض والمعني أن كل محاور أسئلته لاتخرج عن دائرة هذا المطلب الشمولي، كجواب عن الجُرح الدّائم وستواجهه معالجة مُشْكلية ذات نطاقين:
– نطاق اقتصادي-اجتماعي: ويتجسّد في الحضور المثبت لبنيات اجتماعية-اقتصادية ما قبل رأسمالية، مختلطة بأخرى رأسمالية مشوهة وهجينة، هي على الأعم بنية نظام الإنتاج التبعي بكل شروطه وظروفه، مُعطياته واحتمالات استمراره..
– ثم نطاق إيديولوجي- فكري يتوافق والبنية المذكورة في تعبيره عنها، وسيادته المُسْتقاة من سيادتها، وهو عبارة عن تحالف ثقافتين متوافقتين: ثقافة سلفية انتقائية-تراثية-ماضوية إظلامية،وأخرى ليبرالية هجينة -استيلابية شكلا ومضمونا..

الكاتب : عبد الله راكز - بتاريخ : 07/08/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *