شيءمن التاريخ الحديث : الجزائر كما رصد أحداثها شاهد على التاريخ

عبد السلام البوسرغيني

 

لا أدري ما إذا كان الرئيس عبد المجيد تبون يستعين أم لا بمستشاريه ، كما لا أدري هل يحيط به مستشارون أكفاء بالقدر الذي تتطلبه الرئاسة ، يقدمون التقارير الواجب إعدادها لرئيسهم تمهيدا لندواته الصحفية، أو إستعدادا لرحلاته إلى الخارج.
ما سمعناه من أقوال الرئيس الجزائري طوال فترة رئاسته وغير ما مرة، لا يمكن أن تصدر عن رجل يتولى تدبير شؤون الدولة، لما يتطلب ذلك من الإطلاع على حقيقة الأوضاع في بلاده، حتى لا يغالي في تعظيم قدرتها في مختلف الميادين ووصفها بالدولة الأقوي والمتفوقة على ما عداها، وحتى يكون قادرا على تحديد الحاجيات والتخطيط مع حكومته ومساعديه لإنجاز ما تقدر على تحقيقه، وحتى لا يغالي ويكشف عما يركبه من غرور يبدو أن ليس له حدود.
يؤلمنا نحن في المغرب من مسؤولين وأطر وأعلاميين أن نجد أنفسنا أمام نظام يحكم الدولة الجزائزية، ويتناوب على تدبير شؤونها العليا قادة، طبع فترات حكم كل فئة منهم سلوك وتصرفات لم تكن قد خدمت المصالح الحقيقية للشعب الجزائري، ولا عملت على توفير الظروف الكفيلة بالتعايش مع المحيط الجغرافي للجزائر.
وأذا ما إقتصرنا على النظر إلى ما يتعلق بتطور الأوضاع الداخلية للجزائر ومنذ اوائل الإستقلال في الستينات، وهذا ما نقصده هنا، نجد أن فترة الرئيس هواري بومدين لم تكن قد شهدت وضع وتحديد أسس لأقتصاد قوي وسليم، ولا تم إعداد مخططات تتلاءم مع حاجيات البلاد وتأخذ بعين الأعتبار قدراتها٠ لقد كانت طموحات بومدين أكبر من قدراته الفكرية والمعرفية لكي يكون بحق قائدا ينهض بالبلاد إقتصاديا ، إضافة إلى انه كان متعاليا ينأى عن الإستعانة بأصحاب الكفاءات أو الأخذ بآراء الخبراء٠ وبوفاته المفاجئة التي لم يكن يتوقعها لا هو ولا رجاله، إختفت طموحاته العظمى التي عبر غير ما مرة عن طبيعتها، مصرحا في إحدى تجلياته بأنه يريد أن يجعل من الجزائر يابان شمال إفريقيا ،بل وحتى عموم إفريقيا ، ولم يكن يدرك أن تحقيق ذلك يتطلب ما كان يجهل هو ومن يجامله طبيعته وأدواته٠
كانت الجزائر بعد أن غيب القدر الرئيس بومدين أي الرجل الذي أسس حكما إنفرد بممارسة السلطة فيه، يمكن أن نطلق علية (نظام السيستيم)، قد طلت خاضعة لحكم العسكر طوال حوالي عشر سنوات، إنتهت بهيمنة بعض الضباط الذين ذهب بعضهم إلى حد أحتكار السلطة، وعمدوا إلى إستخدامها في تنصيب أو تنحية ما يرونه هم وليس غيرهم صالحا أو غير صالح للرئاسة٠
لن نتحدث عما آلت أليه سيطرتهم على الحكم من مآسي عانى منهاالشعب الجزائري من جراء الحرب الأهلية التي تسببوا فيها، بمثل ما تسبب فيها المتطرفون الإسلامويون، وهي الحرب التي أستمرت عقدا كاملا من الزمن (1992 – 2002)، فتلك قصة مؤلمةحتى بالنسبة لجيران الجزائر الذي تضرروا في معاملتهم معها من جراء نشوبه.
ونمر إلى عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي إبتدأ مع طلوع القرن الحالي والذي إتسم بفساد سياسي ومالي لا حدود لهما، بل وحتى بفساد أخلاقي٠ ويكفي أن نشير إلى شيوع إستهلاك المخدرات الذي إنتشر لدى الفئات المحظوظة، والذي يبدو من إكتشاف فضيحةإستيراد سبعمائة كيلوغرام من الكوكايين دفعة واحدة (نعم 700 كيلو)، وقد تم إكتشاف الفضيحة من طرف المخابرات الإسبانية، ولم يستطع الجزائريون التستر عليها٠ وتنبئ هذه الكمية الضخمة أنه كان هناك تدرج في كمية المستورد منها.
ولقد ساد خلال عهد ورئاسة بوتفليقة ، وطوال حوالي عشرين سنة (1999 – 2019)، ما يمكن تسميته بفوضى الحكم ، نتيجة عجز الرئيس في سنوات كثيرة من عهدته الرابعة عن ممارسة السلطةلأصابته بالشلل٠ وقد أتاح هذا الوضع لكل من بيده سلطة أن ينهب ويسرق كما يحلو له٠
ونتيجة لذلك دخلت الجزائر في أزمة إقتصادية كانت أهم وأخطر مظاهرها ندرة المواد الأساسية لحياة الناس كالدقيق والزيت والسكر والحليب وغيرها.
ولقد كان طبيعيا أن يهب الشعب الجزائري الى الدخول في ثورة سلمية سميت بالحراك الشعبي، مطالبة بحكم مدني لا عسكري، وظل يرفعه كشعار تردده الجماهير في مظاهراتها٠ وبما كان لأحد كبار ضباط الجيش من دهاء سياسي ونعني به الجنرال أحمد قايد صالح، فقد التف على هذه الثورة معلنا تبنيها وأحدث أنقلابا في الحكم كان أهم ما أقدم عليه عزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والزج بأبرز الرجال الذين تولو السلطة على عهده في السجن وإدانتهم، مثلما تمت في نفس الفترة عمليات تصفية في الجيش، وتعرض ثلة من أبرز الضباط لأحكام قاسية، وكانت عشرون سنة قدصدرت في حق أهمهم، أي الجنرال خالد نزار الذي ظل ولمدة طويلة أقوى رجل في النظام العسكري السياسي الذي أرسى أسسه الرئيس الراحل العقيد هواري بومدين عندما سيطر على الحكم إثر الإطاحة بالرئيس المنتخب المرحوم أحمد بنبلة.
ولقد كانت التصفية التي تمت في صفوف الجيش خلال الفترة القصيرة التي بدا فيها الجنرال أحمد قايد صالح الرجل الأقوى في النطام ، قد كشفت عن وجود صراع بين أجنحة الجيش، وفي خضم هذا الصراع، أعلن عن وفاة الجنرال قايد صالح، فكانت وفاته إيذانا بانتصار الجناح الذي يتزعمه الجنرال خالد نزار الذي التجأ إلى الخارج وهو محكوم عليه بعشرين سنة سجنا، وبذلك الأنتصار عاد نزار ألى الجزائر وبواسطة طائرة رئاسية، ثم تم تكريمه بعد مدة قصيرة رفقة أنصاره في صراع أجنحة الجيش، وانتهى الأمر بتزكية الضباط المنتصرين على جناح الجنرال قايد صالح لانتخاب عبد المجيد تبون كرئيس للجزائر، وصعد نجم الجنرال سعيد شنقريحة وهو يشغل منصب رئيس الأركان العامة للجيش ، وبدا كشريك فعال، في حكم يعتمد النظام السياسي العسكري كأساس للسلطة في البلاد.
ومن المسلم به أن نظاما هذه طبيعته وأسسه ويكتسي هذه الصبغة، لا يرى ضرورة تلزمه باعتماد خبراء واختصاصيين أكفاء بالقدر الذي تتطلبه رئاسة الدولة، كمستشارين والإسترشاد بآرائهم وأفكارهم في ممارسة السلطة وفي التخطيط وتدبير الشؤون العامة للدولة.
وكنتيجة لذلك تجد الجزائر نفسها اليوم تحت حكم رجال كشفوا عن جهلهم بما يصرحون به من أمور لا يمكن التسليم بها، ومن تقديم لمشاريع خيالية لا يمكن تصور أنجازها، وهذا ماظهر من تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون

الكاتب : عبد السلام البوسرغيني - بتاريخ : 29/11/2023

التعليقات مغلقة.