صراع المجتمع المدني والدولة… بين الحقيقة والوهم

ذ: محمد بادرة

وهم وسطحية الفهم الشائع للمجتمع المدني

يعكس مصطلح المجتمع المدني المستخدم في الخطاب السياسي لعبة المصطلحية وتلازمها مع لعبة القداسة، ففي الوقت الذي فشلت فيه العديد من التجارب السياسية لاعتبارات كثيرة وخصوصا التجارب السياسية خارج الدولة،جاء مصطلح المجتمع المدني ليكون بديلا عن العلاقة مع الدولة ووسيلة لتسمية اخرى للديموقراطية، وهنا بالذات تبدى الوهم واستقوى الفكر الليبيرالي بتاليه الديموقراطية وتقديس المجتمع المدني، حتى ان المصطلح بات يستخدم وكانه بمنزلة حزب سياسي ضمني او بمنزلة القوى المواجهة للدولة او بمنزلة اختصار للعبة الديموقراطية.
و حدود الآن لايزال الجدل قائما ومحتدما حول طبيعة العلاقة بين «الدولة» و « المجتمع المدني « وهل العلاقة بينهما مبنية على التكامل او التصادم،ام تغيرت طبيعة هذه العلاقة مع تغيرات الظروف السياسية والتاريخية ؟
هناك مقاربات نظرية للمجتمع المدني، منها –بالخصوص- من صيغ توفق «ايديولوجية ثقافية « كيفته وتحكمت في مدارات تشكيلاته (غرامشي)، لكن مقاربات أخرى اكتست طابعا اقتصاديا تعود به إلى البنيات الاقتصادية وإلى السيرورة التاريخية التي من دونها ليس للثقافة ذات ولا موضوع. مستدلة بكون المجتمع المدني لا يمكن ان يتشكل في غياب القاعدة الفارزة للمصالح الاقتصاديةالمتضاربة وللفئات الاجتماعية المتصارعة.
واستحضارا لسيرورة وتطور هذا المفهوم في علاقته بالدولة ، هناك ثلاث مراحل أساسية واكبها الفكر الغربي الحديث، ويمكن اختصارها في:
الأولى وتمتد من مكيافيلي حتى الثورة الفرنسية، كان مطلب المجتمع المدني فيها هواتحاد القاعدة الاجتماعية مع البنية السياسية لتشكيل الجسد الاجتماعي بهدف اقصاء الكنيسة عن الحياة العامة واستقلال الدنيوي عن السماوي.
الثانية جاءت بعد الثورة الفرنسية وكان هدف المجتمع المدني هو استقلال المجتمع عن دولة الاكراه.
الثالثة في القرن العشرين ويسعى فيها المجتمع المدني إلى ايجاد مساحات تلاق مع الدولة لتحقيق الرفاه للإنسان.
يرى جون كين ان انشغال الفكر الغربي والليبيرالي خصوصا بضرورة ايجاد نقطة التوازن بين الدولة والمجتمع قد انتج خمس صيغ لطبيعةالمجتمع المدني وعلاقته بالدولة. ومن اهم تلك الصيغ،هي تلك التي ترى ان الدولة مكملة للمجتمع المدني (هيجل)، في حين ترى الصيغ الاخرى ضرورة استقلالية المجتمع المدني عن الدولة، لأنها ( شر يجب مقاومتها – الدولة – والحد من سلطانها ).
هذه المقاربات والتصورات الحديثة، وإن اختلفت فإنها تلتقي حول ضرورة إقامة أو تعزيز المجتمع المدني، لكن من الضروري ان يقع التساؤل حول طبيعة هذا المجتمع المنشود وتحديد مفهومه، ذلك انمقولة المجتمع المدني (امست اليوم تشكل النواة الصلبة لما يطلق عليه توماس كوهن T-S- KUHN « الباراديكم « paradigme اي النسقية الفكرية العلمية والثقافية التي يتم اعدادها في مرحلة تاريخية معينة فتتحول إلى مرجعية سائدة يتداولها الناس فيما بينهم خالفة لكل المنظومات المنافسة لها الناشئة منها والمتفسخة،ولكثرة الاستخدام والتصريف من طرف المختص وغير المختص اضحى مفهوم المجتمع المدني « حقيبة « تحمل مضامين مختلفة متشابكة ومتضاربة)

نور الدين العوفي – الثقافة والمجتمع المدني – سلسلة شراع.

إنه لكثرة التداول باتت كل التعبيرات الفردية والجماعية المناقضة للدولة او غير المتقيدة بأحكام السلطة أيا كان نوعها او مصدرها سياسية أو اقتصادية او دينية او ثقافية باتت شاهدة على تجسد و تموضع المجتمع المدني.
ولعل الارتباك والالتباس بلغ اقصى درجاته (عندما اخذ البعض يوازي ويقابل بين نجاعة الاداء الذي تتمخض عنه مؤسسات المجتمع المدني وديموقراطية علاقاته وشفافية الياته ومرونتها من جهة، وبين قصور الاجهزة الهوليستيكية كالدولة والتنظيمات السياسية والنقابية وخمولها وغياب الديموقراطية في السلوكات التي تنتجها وتعيد انتاجها ).
(إنه من الخطأ اعتبار المجتمع المدني « مدينة فاضلة «لا يتدافع فيها الناس ولا مكان فيها للتنازع وللإخضاع وللإكراه ولرهانات القوة…. إن المجتمع المدني لا يتشكل من فراغ بل هو نتاج لسيرورة ثقافية يندرج ضمنها الفرد والجماعة الاشكال المؤسسية وغير المؤسسية على حد سواء )- المرجع اعلاه، نورالدين العوفي – ص130
هذا التقابل بين المجتمع المدني والدولة بوصفهما كيانين منفصلين اومتصارعين،ما هو إلا تقابل وهمي بل يضر ويعدي الدولة والمجتمع المدني على السواء، إذ أنه لا يمكن توصيف اوتحديد المجتمع المدني بمعزل عن الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وقوانينها ودساتيرها، ذلك أن ظهور الدولة ونشأتها بالمعنى الحديث وتضخم أجهزتها البيروقراطية والأمنية وتعدد تدخلاتها وتنوع إداراتها،قد ترك تأثيره على المجتمع المدني، وبهذا المعنى يقول انطونيوغرامشي إن الدولة هي المجتمع السياسي زائد المجتمع المدني، فبينما يحتوي المجتمع المدني على التنظيم السياسي للمجتمع بأحزابه ونقاباته وتياراته وجمعياته تحتكر الدولة السلطة السياسية عبر اجهزتها البيروقراطية ومؤسساتها المختلفة.

وهم أسطورة المجتمع المدني

لأهمية تأسيس المجتمع المدني كمقدمة لأي اصلاح مجتمعي منشود، انبرى المثقفون العرب إلى استخدام هذا المصطلح بعد غياب الأمل في التجارب الحزبية بالديموقراطية، فغالوا في إبراز دور وأهمية المجتمع المدني كمشروع حداثي واستراتيجي وكان لسان حالهم انهم يستخدمونه (حصان طروادة) بهدف تقليم «اظافر» الدولة، والحد منقوة بيروقراطيتها وتمدد مؤسساتها السلطوية املا في انبثاق عصرالديموقراطية وتأسيس المجتمع المدني.
هذا الفخ التهويمي يعكس تضاربا فكريا بين المنظرين والمبشرين بمشروع المجتمع المدني، وهو تصور اخطأ وأسقط حقيقة المجتمع المدني،لأنه مجتمع على اتصال حقيقي بواقع الدولة،بل هو( وليد تمفصل الوحدة الاجتماعية والسياسية) وبالتالي فهو الوجه الديموقراطي لعلاقة المجتمع بالدولة،كما أنه لم يقم في سيرورته التاريخية الا باعتباره مفصلا في علاقة الدولة بالمجتمع وليس بالمقابلة بين الدولة والمجتمع.
ويقدم عماد فوزي شعيبي أستاذ الابستمولوجيا بجامعة دمشق صورة بشعة عن تجربة روسيا واوربا الشرقية بما يفيد في حسم المسألة بين الدولة والمجتمع المدني،مؤكدا أن واقع منتجات المجتمع المدني من أشباه مؤسسات غير متأصلة في التمفصل بين الدولة والمجتمع خلق مافيا سياسية ومجتمعية اطاحت بالدولة ولم تقم المجتمع المدني.
لذا لا بد من التنبيه إلى أن مخاطر تحول المجتمع إلى غول هي أخطر من استبداد الدول التوليتارية، لأن الإطاحة بالدولة لحساب وهم تحقق سريع للديموقراطية وتأصيل أسرع للمجتمع المدني سرعان ما اظهرت البنى المجتمعية الاكثر تخلفا، وسرعان ما استدعت القوى ما قبل الحداثة، إذ أن اخطر ما في الأمر هنا، أن الدولة والديموقراطية باعتبارهما من منتجات الحداثة السياسية عندما تغيبان فإن الظرف الذي سيسود سوف يبرز إلى حد كبير القاع اللاحداثي وهذا ما يؤكد ان ( نزعة امثلة المجتمع المدني في مقابل تقبيح الدولة لا بد ان تصحو على مجتمع اكثر شراسة من الدولة) عزمي بشارة .
هناك أسطورة وهمية تتصور أن المواجهة مع الدولة ستفضي آليا إلى قيام المجتمع المدني وأن « كسر عظام الدولة « سيؤدي إلى ميلاد هذا المجتمع المنشود وهو وهم ساذج للغاية ،لأن المجتمع لا يقوم خارج العلاقة مع الدولة و أصوله تكمن في العملية السياسية أي في الدولة نفسها .

3-حاجتنا إلى المجتمع المدني…. هي حاجتنا إلى دولة المؤسسات

لم تطرح قضية حقوق الإنسان ولا مؤسسة المجتمع المدني بقوة وبعنف –احيانا- مثلما طرحت في السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي،ذلك ان مطالب العدالة والمساواة والحق في الشغل والصحة والتعليم وحرية التعبير والتنظيم ..الخ كانت ضمن رهان الصراع على السلطة واصلاح نظام الحكم، بالاعتماد على جميع صيغ النضالات الجماهيرية ،التي أطرتها وقادتها الأحزاب الوطنية الديموقراطية، والنقابات العمالية،وجمعيات من المجتمع المدني،وكانت مرحلةغنية بالتجارب النضالية بل وبانقلابات إيديولوجية مذهلة على مستوى الخطاب والوعي السياسي،وبروز أفكار في الحداثة السياسية،فكان ذلك بداية لحقبة التحديث السياسي بمختلف روافده ومرجعياته التي تقوم على ادبيات حقوق الانسان وثقافة التدبير والتسيير الديموقراطي عبر مؤسسات المجتمع المدني،ثم برزت وظهرت تنظيمات حزبية جماهيرية وجمعيات حقوقية واجتماعية جديدة (منظمةالعمل الشعبي الديموقراطي – الجمعية المغربية لحقوق الانسان – جمعيات الدفاع عن المال العام اوعن المستهلك …) كما أن عددا من أحزابنا الوطنية الديموقراطية راجعت مسارها الايديولوجي والسياسي عبر تنظيم مؤتمرات استثنائية دعت إلى إرساء أسس السلطة السياسية القائمة على التمثيلية والانتخاب والقانون والديموقراطية السياسية لنزع مزاعم القداسة الدينية أو الايديولوجية التي تتدرع بها كل سلطة غير ديموقراطية.
ولتعزيز مبادئ حقوق الانسان وتقوية سلاسل مؤسسات المجتمع المدني كطريق وحيد لإصلاح النظام السياسي، تجد الشيوعي والاشتراكي والليبيرالي والقومي والاسلامي يناضل الواحد بجانب الاخر- ولو بنسب متفاوتة – من أجل بلورة ممارسة سياسية جديدة تتعلق بالحقوق الاساسية للمواطن في الحرية والشغل والمساواة والكرامة .

المجتمع المدني والدولة ..الآثار والانعكاسات

المجتمع المدني ودوره في عملية صنع القرار السياسي
إن ما يعاني منه مجتمعنا هو ضعف تأثير المؤسسات الديموقراطية المدنية القادرة على استيعاب الطاقات وحشدها في تعبئة وطنية من أجل تنمية جماعية، وبسبب ضعف هذه المؤسسات المدنية من جهة وتغول اجهزة الدولة من جهة أخرى عرفت بلادنااحتقانا اجتماعيا متناميا ومكثفا تطوّر بشكل ملحوظوسريع حتى وصل مداه ابتداء من العام 2011 ، حينواصلت الاحتجاجات والاعتصامات والاضرابات دروتها كميا ونوعيا ،وتواصلت بشكل يومي واسبوعي في المدن والحواضر والقرى،وتكتلت فيها كل الفئات والشرائح الاجتماعية المتضررة اوتلك التي تطمح إلى تحسين وضعها المادي ـ وتزامن هذا المد الاحتجاجي مع المد الثوري في دول الجوار فيما بات يعرف بثورات الربيع العربي. ولقد توجت هذه الحركات الاحتجاجية بانبثاق حركة 20 فبراير الاحتجاجية،والتي رفعت شعار العدالة الاجتماعية إلى جانب رزمة من المطالب السياسية وعلى رأسها المطالبة بتطبيق إصلاحات دستورية.
ومن جهتها انتهجت السلطات المغربية استراتيجية احتوائية تمثلت في سنّ مجموعة من الإجراءات الاستباقية ومنها تعديل الدستور(سنة 2011) وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، وهو ما مكّن من إضعاف حركة عشرين فبراير غيران الحركات الاحتجاجية سرعان ما تجددت في أشكال تعبيرية واحتجاجية مختلفة خصوصا مع توفر بيئة سياسية حاضنة للاحتقان الاجتماعي، وبداية من العام 2014 سيطغى الطابع الاجتماعي على مختلف الحركات الاحتجاجية والتي ستركز على الملفات المجالية أو القطاعية وخصوصا قطاعي التعليم والصحة، كما أن هذه الحركات الاحتجاجية ستتحول لتصبح حركات منظمة محليا و جهويا عوض تركيز أنشطتها في محوري الدار البيضاء – الرباط .وعلى سبيل المثال وصل عدد المظاهرات التي خرجت سنة2018 إلى حوالي 18 ألف مظاهرة.
ولقد تركت هذه الاحتجاجات آثارا وانعكاسات سلبية على الاحزاب والنقابات، حيث ُسجلت الانتخابات التشريعية نسبا ضئيلة في التصويت وصلت إلى ما دون 50 في المئة سنة 2011 وما دون 45 في المئة سنة 2016 وهو ما يدل على تراجع وضعف الأحزاب السياسية وفي قدرتها على تحقيق تغيرات اقتصادية واجتماعية حقيقية. وفي المقابل ازداد دور منظمات المجتمع المدني مما يتطلب وبشكل ملح ومستعجل تطوير علاقات متوازنة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني حتى يمكن لهذه الاخيرة أن تلعب دورا هاما في الدفع بالمطلب الديمقراطي، خصوصا بعد ارتفاع وتيرة الحركات الاحتجاجية وتنامي الركود السياسي وضعف ثقة المواطنين في المؤسسات التمثيلية. كما ان اكبر تحدي رئيسي يواجه منظمات المجتمع المدني هو في قدرتها على المشاركة في عملية صنع القرار السياسي العام.
إن على منظمات مجتمعنا المدني أن تلعب دورا هاما في المساهمة الفعالة في الترافع المدني وفي عملية صنع القرار العام عوض الاقتصار فقط على انجاز المشاريع التنموية الصغيرة او المتوسطة. ومن أجل لعب هذا الدور المحوري فإن على هذه المنظمات تجاوز التحديات الداخلية التي تعيق قدراتها في المشاركة الفعالة في عملية صنع القرار ومن أجل تحسين قدراتها الداخلية.

الدولة الوطنية وضرورةالانفتاح على المجتمع المدني

نمر اليوم بمرحلة تدهورت فيها وبشكل مخيف الأوضاع العامة للدولة الوطنية، حيث أصبحت تفقد مقوماتها بعد أن أصيبت في سيادتها وشرعيتها من طرف عالمية الاسواق، وهيمنة المنظمات والمؤسسات النقدية العالمية،فنتج عن ذلك تخلي الدولة بصفة تدريجية عن صلاحياتها لصالح المجتمع المدني ثم تنازلت على المستوى الدولي لصالح قوانين السوق العالمية والتنافس الدولي … ولذا فالدولة الوطنية مهددة بالتفجر تحت ضغط عالمية الاقتصاد، والانفجار تحت ضغط تكفلها بالمجتمع المدني، مما يستلزم إصلاحا عميقا لجهاز الدولة لملاءمته مع وظائفها الجديدة، والامر لا يتعلق بالتقليص من دور الدولة بل بمجرد تعديل في صلاحيتها.
ولا يخفى على أحد أن وظيفة الدولة الحديثة هو تأسيس المجتمع المدني، كما لا يمكن تأسيس مجتمع مدني بلا دولة، ويرتبط تحقيق سلطة الدولة السياسية ارتباطا جوهريا بتحقيق قيام المجتمع المدني، فهما متلازمان في الواقع اذ لا تقدم ولا تمدن من دون دولة مؤسسات تأخذ على عاتقها جميع المهمات المنوطة بها في ادارة مؤسسات الدولة ومشاركة المجتمع المدني في عملية صنع القرار السياسي.
وفي وضعنا الحالي، فدولتنا محتاجة دائما إلى ( تفعيل المادة 13 من الدستور وذلك من أجل ضمان الانشاء الفعلي للهيئات الاستشارية التابعة لمنظمات المجتمع المدني. ذلك أن هذه الهيئات الاستشارية ستساعد منظمات المجتمع المدني على التعاون وتنسيق أعمالها لكي تكون في مستوى يسمح لها بالتأثير على صانعي القرار. و في المحصلة، فإن مبادئ العمل المجتمعي الحر كما هو مسطر في دستور سنة 2011 هي التي يجب أن تؤطر وتحكم العلاقة القائمة بين منظمات المجتمع المدني وبين الحكومة…وإن لجوء الدولة المستمر إلى حل وإغلاق منظمات المجتمع المدني لن يساعد في خلق فضاء من الثقة المتبادلة بين الطرفين وهو الشيء الذي يهدد بناء شراكة بعيدة المدى بين الدولة والمجتمع المدني.)

حاجة المجتمع المدني إلى الثقافة والمثقف

يكتسي العمل الثقافي بملامحه العامة وتوجهاته في جل الميادين دعامة أساسية لترسيخ مفهوم المجتمع المدني و(إن الممارسة الثقافية تقوم أساسا في كل تصورها اليومي على مبادئ حقوق الانسان كتعبير أسمى لكل نشاط إبداعي، وهو المدخل الطبيعي للمجتمع المدني، مما يؤدي بالضرورة إلى الحد من هيمنة الدولة وسطوتها وسيطرتها، ولكي تتحول أجهزتها إلى مجرد آلية لتنفيذ رغبات الشعب وطموحاتهم فلا وجود لدولة قوية مركزية في غياب حركية المجتمع المدني الذي هو منبع السيادة والكرامة) –عبد الغني ابو العزم – الثقافة والمجتمع المدني –سلسلة شراع –ص41.
على المثقف أن يحمل وعيا نقديا لأنه عندما يكون مواجها لمجتمع متأخر او مضطرباومتدهور أنماط تركيباته الاجتماعية غير متناسقة، فإنه في هذه الحالة يمكن للمثقف أن يشعر بالإحباط والانهيار في الرؤية كما في الممارسة مما يجعله يهرب إلى الانزواء حيث يفقد كل امل في ايجاد حلول ناجعة ومما يزيد في تعميق احباطه هو التردي السياسي حيث يكتشف ان مناخ العمل السياسي معيق لقدراته مما يبعده عن امكانية الانخراط فيه ويضيف إلى احباطه وانهياره الغربة السياسية التي يحس بها مما يجعله بالضرورة يستنتج ان جهاز الدولة اكبر من قدراته ولا يملك ازاءه الا التسليم والتراجع ويفقد بذلك كل قابلية المواجهة والصراع ، وقد بدأت هذه الظاهرة تنمو وتشتد وهذا ما جعل اكثر الاحزاب تفقد اطرها وقياديها ومناضليها من المثقفين.
إن الأزمة قائمة وقد تطول ولا تخص المثقف فقط بقدر ما تخص الجميع وهذا ليس من باب رفع المسؤولية عن كاهل المثقفين بل على العكس هو دعوة لهم لتحملها كاملة فهم الذين يرسمون معالم الطريق لقوى البناء والتشييد ولمناضلي التغيير والتحرر في هذا الصراع.
أخيرا، فالدولة والمجتمع المدني ندان متكاملان، والعلاقة بينهما تفاعلية ومتداخلة بشكل لا يمكن فصله بسهولة. ( لمواجهة قوة الدولة لا يجب إضعافها ، ولكن يجب تقوية المجتمع المدني وزيادة رأسماله الاجتماعي حتى تكون العلاقة بينها متوازية وصحية ومفيدة لكليهما.–»فاذا كانت الشجرة قوية فلا مانع أن تتصارع الفروع»– ايمانويل كانط -).

الكاتب : ذ: محمد بادرة - بتاريخ : 15/01/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *