صرخة امرأة من الدار البيضاء

خديجة مشتري

لم نقل يوما إننا نعيش في المدينة الفاضلة حيث لا جريمة و لا عقاب حيث المثالية والمستوى الحضاري الراقي..
ولم نقل يوما إن مدينتنا التي ليس لها من البياض إلا الاسم، حمامة وديعة تحمي بجناحيها أبناءها وبناتها وتوزع عليهم أغصان الأمان وورود الأمل..
لا نحلم أحلام اليقظة ولا ننتظرالمعجزات وليس لنا إلا التمني نورا خافتا ينبثق من ثنايا الفؤاد عل الغد يكون أفضل..
نعلم أنها مدينة غول مترامية الأطراف شاسعة المساحات مر خبزها عسير المنال…
ونعلم أن العيش وسطها والتنقل في شوارعها وأزقتها وأسواقها مغامرة محفوفة المخاطر كثيرة المطبات، مثل العيش وسط دغل تحفه الضباع المتربصة أو الأفاعي السامة…
ولكننا رغم ذلك نحبها ونرجو صادقين أن تبادلنا حبا بحب أو القليل منه فقط، وليس حبا بسكين يحمله ضبع متعطش لسلب راحتنا وأماننا كل صباح رمادي متلبد السحب كثير الغيوم..
في هذه الصباحات الباردة يتربص بنا نحن سكانها وخصوصا النساء كل ذو سابقة، ليجمد الدم في أوصالنا ويسحب منا في رمشة عين ما تبقى من بعض أمل نتخذه زادا كل يوم وعونا .
في هذه الصباحات الموحشة تصادف الكثيرين منا، كائنات غريبة تعيش على دموع ضحايا أغلبهم نساء، وتتلذ بصراخهن وإغماءات بعضهن خوفا وفزعا، ذنبهن أنهن استيقظن باكرا وتوجهن إلى عملهن ليجنين رزقهن بعرق جبينهن وبالحلال، نساء لا يمددن أيديهن لأخذ ما ليس لهن، نساء همهن إعالة أبنائهن ومد يد العون لأزواجهن في هذا الزمن الكالح، بنات يعلن أسرهن ويساهمن في نزع الفاقة والعوز عن آبائهن وأمهاتهن، وفي تحريك العجلة الاقتصادية لبلادهن، لا ينتظرن من أحد لا جزاء ولا شكورا…
نساء من كل المشارب، أميات ومتعلمات، موظفات أو عاملات، في البيوت أو في معامل الخياطة أومصانع «الكابلاج» وغيرها من المعامل والمصانع المنتشرة على تراب هذه المدينة القاسية، بائعات متجولات أو تاجرات، أمهات أو فتيات، يتوجهن كل صباح إلى عملهن قبل أن تنشر الشمس خيوطها، تراهن يسرعن الخطى في سباق يومي مع الزمن خوفا من ضياع الوقت وتحسبا من مواجهة ملاحظات رب عمل نزق أو «شاف» عصبي.
لكن لسوء حظهن أن وجد نوع من «البشر» أو الطفيليات التي تعيش على عرقهن، وتقتات من دمائهن، وتفرح لحزنهن وتعاستهن.
كائن غريب ملثم أو يضع طاقية سوداء تخفي الجزء الأكبر من وجه مليء بالبثور وآثار معارك ضارية وشفرات حادة خلفت وراءها أخاديد بشعة واضحة المعالم على سحنة داكنة مخطوفة اللون من كثرة تناول المسكرات وأنواع الحشيش والمخدرات التي تذهب العقل وتسود القلب والوجه.
كائن لا يضرب ضربته وحيدا فهو يشبه الضبع الجبان لابد له من مؤازرة ومساندة، ولما لا مجموعة لكل واحد منها مهمته، الاستطلاع والتخطيط واختيار الأماكن التي يكثر فيها الضحايا الغافلات والتربص ثم الهجوم في الوقت المناسب لنجاح العملية، ثم الهروب والفرار من مسرح الجريمة مع ترك الأعين المتلصصة في عين المكان لاستقصاء الآراء وما خلفته العملية من خسائر، ولم لا الدلو بشهادات مزورة للتمويه وإعطاء معلومات مغلوطة عن الوجهة التي سلكها قطاع الطرق للهروب، في أفق العثور على ضحية جديدة لسلبها ما تحمله من مال أو هواتف أو أي شيء، لا بأس فكل شيء مسلوب بالقوة يفي بالغرض ويحقق المراد، كل شيء غنيمة ولو كان ثمنه أقل من حالة الخوف والفزع التي خلفوها في النفوس.
هل قدر على المرأة أن تكون ضحية عنف ممارس ضدها حتى من الأغراب ..
هل قدرها أن تصادف من لا يتقي الله فيها حتى في الشارع العام..
هل قدر لها أن تعيش رهينة الخوف و «الحكرة» في كل الفضاءات بدءا بالمنزل ومرورا بالشارع وانتهاء بأماكن العمل…
أليس عيبا وعارا أن نصادف نساء في شوارعنا مغبونات مسلوبات خائفات من مجهول تربص بهن وغريب طمع في بعض دريهمات قضين شهرا من عمرهن في العمل الشاق والمضني حتى يستطعن الحصول عليها…
أليس من حقهن أن يأمن في شوارع مدينتهن على أنفسهن وأموالهن، وأن يتنقلن وسطها سالمات مطمئنات.
من يرفع عنهن ظلم الشارع وينقذهن من جور يومي ألمّ بهن…
من يطهر أزقتنا من ضباع بشرية تعيش على آلام الآخرين وتقتات من بقايا الوجع..
كيف انتشرت وسطنا في الآونة الأخيرة، بشكل كبير، حتى لا يمر يوم دون أن تسجل جرائمها وتهرب عائدة إلى أوكارها دون عقاب أو حساب…
لماذا تنضاف هذه الظاهرة إلى لائحة مآسي المرأة اليومية، أليس يكفيها ما تعانيه من غلاء و»جري» وتربية أطفال وإيصالهم لمدارسهم ومشاكل المواصلات وجبال المعاناة المتواترة التي لا يعلمها إلا الله…
وااأسفاه على حالنا نحن نساء البيضاء، مدينتنا العزيزة التي أبت إلا أن تقدمنا لقمة سائغة للصوص !
وااأسفاه على مدينة مليونية كنا نتمنى أن تكون قاطرة للتنمية في بلادنا فإذا بها تجمع المتناقضات ويستوطنها لصوص حقائب نساء..
كثيرة مشاكلك مدينتي، عميق حبنا لك عمق حفر شوارعك وأزقتك الخلفية، وعمق صرختنا التي نتمنى أن يصل صداها لكل مسؤول عن تنظيم فوضاك وترتيب عشوائيتك، من يدري ربما مازال بين ظهرانيك من يؤمن حقا أن في الأمر ما يستحق المحاولة، فأنت البيضاء !

الكاتب : خديجة مشتري - بتاريخ : 18/03/2023

التعليقات مغلقة.