صمتت إيران كما لو أنها لم تُهزم
فاروق يوسف*
ليس الصمت الإيراني عمّا جرى في سوريا مفاجئا. لقد صمتت إيران يوم هُزم حزب الله في لبنان ولم يجرح صمتها مقتل حسن نصرالله وقد كان أعز أبنائها وسيد مقاومتها التي انتقلت بعده إلى حالة بائسة من اليتم.
تعرف إيران كيف تطوي بالصمت صفحات كانت قد ملأت بياضها سوادا. ألم تطو صفحة قاسم سليماني وقد كان مايسترو مشروعها التوسعي في الشرق الأوسط من خلال ضربات صوتية متفق عليها مع الولايات المتحدة؟
لقد بالغت إسرائيل في قصف القواعد العسكرية الإيرانية ومخازن الأسلحة التابعة لها على الأراضي السورية من غير أن تردعها إيران بأيّ نوع من الردود، مهما كان ذلك الرد صغيرا.
لم تقل إيران كلمة واحدة وهي ترى أن كل الأموال التي أنفقتها على تكريس وتثبيت وتقوية وجودها في سوريا كانت تُحرق عبثا وبطريقة مجانية. ناهيك عن مشهد الجثامين التي كانت تُحمل من دمشق إلى طهران لتحظى بوداع الملالي وأدعيتهم وهتاف الجمهور بالموت لإسرائيل.
هذه هي إيران. لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الشرح والبراهين الأخرى. تعربد حين تشعر أن الآخرين يمدون لها يد السلام وتصمت خائفة ومذعورة حين ترى الشرر يتطاير من عيون خصومها. معادلة ليست جديدة على الرغم من أن الكثيرين ممن لا يقرون بحقائق الواقع يفضلون قراءتها بالمقلوب، كأن تكون إيران في انتظار اللحظة المناسبة للرد الذي سيكون مزلزلا حسب أولئك الأتباع.
ما لا ينكره الأتباع في انتظارهم أن عالم الخبث الإيراني واسع ومتعدد الأبواب ومن أبوابه ذلك الصبر الذي يُتعب الإيرانيون من خلاله خصومهم، غير أن ما لا يعلمه أولئك الأتباع أن الإيرانيين يبقون على باب النجاة مفتوحا وهم لذلك لا يلقون بأنفسهم إلى التهلكة. ذلك هو أساس سياستهم في المنطقة التي خططوا لابتلاعها.
صحيح أن حضورهم لم يكن شبحيا تماما في المغامرة التي كلفوا أتباعهم بإنجاز فصولها في العراق واليمن وسوريا ولبنان غير أن عيونهم كانت مصوبة دائما على عصا المايسترو الأمريكي. كل التحديات التي مارسوها مع الولايات المتحدة كانت تقع في الهامش الذي لن يتحملوا فيه المسؤولية التي يمكن أن تجرهم إلى صراع مباشر.
التضحية بالآخرين هي أساس سياستها. ما الذي تخسره إذا ذهب أولئك الآخرون إلى الجحيم وأخذوا معهم شعوبا وأوطانا خططت إيران لهلاكها؟ لا شيء. ما يهم ملالي إيران ألاّ يُمس نظامهم في الداخل أمّا مشروعهم في تصدير الثورة فيمكن إرجاؤه مؤقتا من غير حذفه من خريطة وجودهم المستقبلية. ما لا تتخلى عنه إيران حقيقة أنها دولة حرب. حربها على العالم لا تنتهي. فهي أساس وجودها. من غير حرب لا يمكن أن يتنفس النظام الإيراني الهواء العقائدي المناسب له. ولكن ما اهتدى إليه الإيرانيون كان اكتشافا نفيسا. يمكنهم أن يستثمروا في الآخرين عقيدتهم تلك. يمكن أن يحاربوا من غير أن يورطوا بلدهم في حروب شبيهة بتلك الحرب التي خاضوها ضد العراق.
«الحرب بالوكالة» ذلك هو المصطلح الذي عبّر من خلاله الإيرانيون عن خبثهم في أعلى درجات ذكائه. هناك لبنانيون وعراقيون ويمنيون وأفغان وفلسطينيون يمكنهم أن يكونوا حطبا رخيصا لحرب إيرانية غير أنها لن تسبب أيّ ضرر لإيران. لقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على إيران ولكن تلك العقوبات لم تُتخذ بدافع الحد من أطماع إيران الإقليمية. كان المشروع النووي الإيراني هو المقصود ويوم تقرر إيران الانصياع للمطالب الدولية المتعلقة بتخصيب اليورانيوم فإن تلك العقوبات ستُرفع.
وإذا ما كانت إيران قد سعت إلى الضغط على العالم للتخفيف من أثر قبضته عليها من خلال حروب وكلائها على إسرائيل فإن خسارتها لأولئك الوكلاء، حماس في غزة وحزب الله في لبنان لم تكن تصل بها إلى مرحلة الخوف على مستقبل نظامها في الداخل. غير أن الصادم فعلا أن أتباعها وقد رأوا بأعينهم تخليها عنهم وجدوا لها عذرا وبطريقتها الذرائعية نفسها. وهو ما يكشف عن قوة تمكنها من غسل أدمغتهم عقائديا.
ربما تخسر إيران في وقت قريب رهانها اليمني. ذلك سينهي حلمها في السيطرة على البحر الأحمر بعد أن انتهى حلمها في السيطرة على السواحل العربية على البحر المتوسط غير أن العراق يظل بالنسبة إليها هو منجم ذهبها. ما لم يحرر العراقيون بلدهم من الاحتلال الذي تمارسه إيران عن طريق وكلائها في ميليشيات الحشد الشعبي فإن كل خساراتها يمكن تعويضها.
*كاتب عراقي
الكاتب : فاروق يوسف* - بتاريخ : 18/12/2024