عاملان هشّما التجربة السوفياتية وتوابعها؟؟

عبد الله راكز

 

1/ في العامل الاقتصادي:

من الشائع أن الثورة البلشفية انفجرت في الحلقة الأضعف من سلسلة النظام الاشتراكي، إذ في الوقت الذي بلغت الدولة الرأسمالية طورها الاحتكاري، كانت روسيا السوفييتية بلدا متعدد الأنماط الإنتاجية، وبه، أي بهذا الواقع فإن النظام الجديد لم يرث أية خلفية تاريخية- اقتصادية- سياسية تمُت بصلة إلى الاشتراكية، باستثناء الموضوعات الفكرية ذات الصيغة البرنامجية لدى البلاشفة، والتي يحدّد(وقد حدّدت) الأطر العامة للاشتراكية كنظام اقتصادي- اجتماعي.وعلى أساس هذا المنظور، فلقد لعبت السياسة دورا قياديا إرادويا انطلاقا ليس من مجمل الشروط المادية القائمة أو استجابة لها بل في أحايين كثيرة من القدرة الفكرية والتعبوية التي تمتع بها قادة البلاشفة الأوائل (ضف إليهم أشباه البلاشفة العرب ؟؟).
لقد دافع رهط البلاشفة الروس في سبيل تأميم وسائل الإنتاج، بأن عمدوا إلى تركيز وسائل الإنتاج بيد الدولة محاولين بذلك خلق التراكمات الاقتصاديه الضرورية لا لغرض تجاوز التخلف وحسب، بل والوصول إلى مستوى الاقتصاد الرأسمالي المتطور. (انظر بهذا الصدد مؤلف لينين: ما العمل؟.فهو شكل برنامج عمل البلاشفة الإرادوي؟).وغني عن التعريف، أنه برغم الجهود الجبارة التي بذلتها الدولة السوفييتية المستندة إلى الملكية العامة لوسائل الإنتاج ومركزة التخطيط، أنها أفضت إلى ظهور شكل من أشكال الدولة الاحتكارية المرتكزة على الاستغلال الشامل لقوة العمل الوطنية.
جرى هذا بالاتحاد السوفييتي موطن الاتشتراكية بالترسيم اللينيني لها، أما بالعالم العربي فبالإرادوية الفاضحة لنخبه و”لخبطتهم” مابين الماركسية والقومية من المحيط إلى الخليج، ساهم(بوعي أو بدونه )في الابتذال الذي ساد مفهوم”التغيير” وفق الرؤية إياها، وفي المآسي الفكرية والاجتماعية التي ترتبت عن كذا تجربة.
2/ في العامل الإيديولوجي:

بذات الإتجاه لعبت الأيديولوجيا دورا توجيهيا مركزيا في مجمل النشاط السياسي- الاقتصادي، وحدّدت الصياغات الحقوقية والدستورية لبناء شكل الدولة السوفييتية وطبيعة النظام السياسي والاجتماعي انطلاقا من مبرر الأممية البروليتارية؟؟، والذي كان استجابة موضوعية لمواصلة الحفاظ على إرث الامبراطورية المتعددة الأقوام والأعراق، وبات بالتالي، على الدولة السوفييتية تحقيق مهمتين متداخلتين: الأولى منهما تجاوز الاضطهاد القومي الذي مارسته القيصرية ضد القوميات المختلفة، والثانية تجاوز السياسة الكسموبولتية التي حملتها الرأسمالية خارج حدودها الوطنية، والرامية إلى إنكار حق الشعوب في تقرير مصيرها.
رغم الإنجازات الكبيرة للمنتجين، خاصة في المجال الروحي والثقافي للشعوب السوفييتية،إلا أنها لم تكن قادرة وحدها على تنمية الأسس المادية لوحدة القوميات في الجمهوريات السوفيتية المختلفة، حيث جرى الاعتماد على الطابع الإيديولوجي ذي النزعة الإنسانية لهذه الوحدة القسرية(لننظر إلى مثال الشيشان وأوكرانيا اليوم ) الأمر الذي ولّد في مراحل لاحقة مشاعر اللامساواة بين القوميات المتعددة، وبالأخص لدى القومية الروسية التي تنامت لديها روح الاحباط من جراء عدم فعالية المساعدات الأممية للشعوب والقوميات المختلفة تحت أغطية أيديولوجية مبتذلة.
3/ تحصيل بسيط:

لابد من التأكيد على أن العوامل المشار إليها(قيادة السياسة للاقتصاد، وهيمنة الإيديولوجيا )شكلت من دون ريب، المناخ الملائم لظهور نظام سياسي، يفتقد الى الممارسة الديموقراطية وتحكمه حلقة مقفلة من الفئات البيروقراطية، تعيد إنتاج نفسها اعتمادا ليس على ماتملكه من وسائل الإنتاج والثروة، بل على الولاءات الحزبية والشخصية؟ أليس هذا هو نفسه، ما أنتجته التجارب العربية ذات الصلة،بهذا الصدد، من المحيط إلى الخليج؟

الكاتب : عبد الله راكز - بتاريخ : 01/02/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *