عزلة الجزائر ورحلات تبون

حيمري البشير

 

لماذا زار تبون هذه الدول الثلاث التي هلل لها الإعلام الجزائري؟ وماهي نتائج رحلته لهذه الدول ومخلفاتها؟ ولماذا يركز النظام في الجزائر على قطر، ويستثني الإمارات والمملكة العربية السعودية والبحرين وسلطنة عمان والكويت، وكلها دول لها استثمارات في عدة دول؟
الأسباب معروفة، فعلاقة الجزائر مع الإمارات التي لها استثمارات كبرى في الجزائر ليست على مايرام لأنها تزاحمها في الدخول إلى منظمة “البريكس”، ونفس الشيء بالنسبة للمملكة العربية السعودية، لكن إلى جانب ذلك هناك مواقف هذه الدول من قضية الصحراء التي تعتبرها دول الخليج، وبالإجماع، مغربية، وهناك قنصليات لبعضها في الصحراء المغربية.
المتنافسون لدخول منظمة “البريكس” من دول مجلس التعاون الخليجي حظوظهم أقوى من الجزائر، فما هي، إذن، الأهداف من رحلة تبون الصيفية لقطر، التي عبرت حتى هي على لسان ممثلها في الأمم المتحدة عن دعمها للمغرب ولمغربية الصحراء، فهل شكل اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء هاجسا وقلقا لعسكر الجزائر ورئيسهم الذي هرول إلى قطر، وما الدور الذي يمكن أن تقوم به هذه الدولة الخليجية كي تقدم دعما للجزائر في الورطة التي أصبحت فيها بعد قرار نتنياهو الاعتراف بمغربية الصحراء؟
مأزق لن تستطيع قطر التدخل فيه، ولا في تغيير موقف الاحتلال الإسرائيلي من الاعتراف بمغربية الصحراء، ثم لا نستبعد أن يكون من أسباب الزيارة تغيير وجهة الجزائر في تحويل أموال البترول من البنوك الإماراتية إلى البنوك القطرية بسبب التوتر الذي تعرفه العلاقات الجزائرية الإماراتية، منافستها في الدخول لمنظمة “البريكس”.
ومن الدوحة طار تبون للصين التي تعتبر من الدول الأساسية في منظمة “البريكس” لإقناعها بدعم انضمام الجزائر للمنظمة من خلال فتح المجال للصين للاستثمار، على نطاق واسع، في الجزائر، وفي نفس الوقت توقيع اتفاقيات عدة مع الطرف الصيني لإغراق السوق الجزائري بالمنتوجات الصينية، وهي وسيلة نشم منها رائحة الرشوة، كما فعلت مع دول عدة في إفريقيا قسمت عليها مليار دولار كي لا تغير موقفها من قضية الصحراء، والتي أطلقنا عليها بدبلوماسية الشيكات، إذن مليار دولار راحت ومليار دولار أخرى وعد تبون الصين بضخها في بنك منظمة “البريكس”، كضمانة حتى تدعم الصين دخول الجزائر لهذه المنظمة، تبون لم يجرؤ في زيارته للصين على فتح النقاش حول ملف الصحراء، ولا نستبعد أن يكون قد ناقش مع الرئيس الصيني أزمة استغلال منجم الحديد الذي يتجه المغرب للتصعيد في شأنه لكونه موضوع خلاف كبير معه، وماقامت به الجزائر خرق سافر لاتفاقيات موقعة بين البلدين، ولكون المنجم يقع في منطقة متنازع عليها والمغرب عازم على طرحها في محكمة لاهاي واللجنة الرابعة بعد طي ملف الصحراء المغربية وسحبها من اللجنة الرابعة.
انتهت زيارة تبون للصين بجلب المزيد من السلاح على حساب الشعب الجزائري، الذي يعاني من الطوابير في كل شيء، ويعاني اليوم في كل أنحاء البلاد في هذا الصيف الحار من العطش، ومن ندرة الماء .
في ختام هذه الزيارة، صدر بيان واضح في الصين، لكن البيان المنشور في الإعلام الجزائري وقع فيه تصرف يخدم أجندة العسكر، ويخفي الموقف الصيني الحقيقي الذي لا لبس فيه.
وماحصل يبين فعلا التخبط الذي أصبح النظام يمارسه لتغليط الرأي العام في الجزائر والمحيط الإقليمي، من بكين طار تبون إلى تركيا مخلفا وراءه إعصارا قويا ضرب الصين مسببا خسائر كبيرة، وكان منتظرا، لأن تبون في كل بلد حل به إلا وتحل به كارثة…
تركيا المطبعة مع إسرائيل، والتي لها سفارة في تل أبيب وقنصلية في القدس الغربية ولها علاقات متينة مع إسرائيل واستقبل رئيسها في تركيا استقبال الرؤساء العظام، لا نعرف بعد أسباب زيارة تبون لها ولا أبعادها، هل لإقناع رجب طيب أردغان بمزيد من الاستثمارات في الجزائر، أم محاولة للتأثير على موقفها من قضية الصحراء، وهي عندها إشكالية منطقة “الأكراد” الذين يطالبون بالانفصال، أم شراء الطائرات المسيرة “برقدار” التي يمتلكها المغرب؟
الرئيس التركي رحب بتبون وخاطبه باللغة العربية، لكن خطاب أردغان الدبلوماسي يخدم مصالح تركيا من دون أن يمس علاقته مع المغرب، زيارة تبون كالعادة كانت فأل شؤم بحيث ضرب زلزال تركيا مرتين، وسبب هلعا ورعبا لسكان أدنة، وانتهت الزيارة لتركيا وعاد تبون بخفي حنين، لأن شروط الدخول لمنظمة “البريكس” لن يحلم بها، وكذلك فشل في تغيير موقف الدول التي زارها من قضية الصحراء وعاد للجزائر ليواجه كابوس العطش والحرائق وندرة المواد الأساسية، وازدياد الغليان الشعبي، وانضاف إليها قلقه من اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، وخطورة التقارب المغربي الإسرائيلي والتعاون العسكري بين البلدين.
بالإضافة إلى ذلك حظوظه الضعيفة للدخول إلى منظمة “البريكس” رغم مبادرته لضخ مليار دولار في بنكها، وأعتقد أن قبول الجزائر بات شبه مستحيل لوضعها الاقتصادي المتدهور، ولقوة الدول المنافسة وعلى رأسها دول الإمارات والسعودية والأرجنتين، إذن حلم تبون لن يتحقق، والوضع سيزداد تدهورا خصوصا بعد إعلان إسرائيل نيتها فتح قنصلية لها بالداخلة، وتوارد أخبار بتطبيع موريتاني قادم مع إسرائيل ودول عربية أخرى في الطريق ستنضاف لقائمة الدول التي لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
الجزائر تعيش عزلة إقليمية وعربية، والنظام العسكري المتحكم في دواليب الدولة يعيش أزمة حقيقية بسبب الأزمة الاجتماعية والغلاء وندرة المياه.

الكاتب : حيمري البشير - بتاريخ : 24/07/2023