على هامش خطاب ماكرون : أزمة الإسلام أم أزمة الديمقراطيات الغربية ؟

ذ: محمد بادرة*

في خطاب شبه استشراقي ألقاه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في غرب باريس قال فيه “إن الإسلام يعيش أزمة في كل مكان بالعالم ” وان على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وانكار الجمهورية الفرنسية.
وأضاف ماكرون انه سيكون مضطرا للجوء إلى وضع سياسة متشددة ضد ما سماه ( التشدد الإسلامي الذي يتخذ العنف منهجا له )، وطرح ماكرون مشروع قانون ضد ( الانفصال الشعوري ) بهدف ” مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية ” وهوما يعتبر استهدافا للجالية المسلمة على وجه الخصوص.
لقد تكلم ايمانويل ماكرون وكان مصير الدول العربية والإسلامية تقرره ( لعبة الديموقراطيات الغربية ) لكنه نسي ان يقرأ بأن هذه الديموقراطيات الغربية بالذات هي التي اوجدت “اسرائيل” في قلب الوطن العربي وفي خصر الأمة الإسلامية، وعندما فشلت جميع المحاولات في اقتلاع الاستيطان الصهيوني من هذه المنطقة برزت التيارات الأصولية الإسلامية كاتجاه سياسي قوي مناهض للصهيونية وللديموقراطيات الغربية معا.
على السيد ماكرون أن يقرا التاريخ و يستحضر نتائج مؤتمر يالطا ومؤتمرات القوى الاستعمارية ودور الدول الاوربية “الديموقراطية” في مواجهة النزعات المستمرة في الشرق الاوسط والشرق الادنى، كما على السيد ماكرون ان يستحضرا تلك المقولة السائدة التي ترى في التاريخ الحديث والمعاصر تاريخا للدولة الديموقراطية لأنها ( اداة الترقي الحضاري ) وهي مقولة سائدة ترى في الفكر السياسي السائد في اوروبا اليوم منبرا للديموقراطية التي يجب ان تسود العالم كله في مواجهة مخاطر ( الهمجية) الوافدة من الأطراف الإسلامية؟؟؟
إن مقياس الديموقراطية في نظر ماكرون ومن على شاكلته من الساسة والمثقفين الغربيين هو الديموقراطية الليبرالية الغربية فهي البديل – في نظرهم – الذي لا بديل سواه لكن الشرق الاوسط هو في حالة غليان ناتج عن زرع هذه الديموقراطيات لكيان عنصري صهيوني متطرف دينيا وايديولوجيا وعنفا وما يثير الانتباه هو الانحياز الأوربي إلى جانب هذه الأصولية الدينية الصهيونية.
وعليه يمكن القول إن السمة الغالبة لتاريخ شعوب الشرق الاوسط في العقود الأخيرة هي صعود الصهيونية من جهة وتوطين الفكر الصهيوني بدعم اوربي مباشر حيث زرعوا الاصولية التوراتية فأثمرت لنا الأصولية الإسلامية وساهمت في بناء الدولة الاستبدادية ذات النزعة التسلطية لتثمر هي الاخرى ديكتاتوريات عسكرية ( مصر – سوريا – العراق ..) قمعية واستبدادية ثم هجرة كثيفة نحو اوروبا اساسا وهي الهجرة التي بدأت تقض مضاجع الديموقراطيات الاوربية وتعزز الاتجاهات الفاشية والنازية فيها والمتحفزة للظهور بقوة في جميع الدول الاوربية.
قد يبدو هذا التوجه مشروعا أي مخاطبة الاوربيين باللغة التي يفهمونها لكن السؤال المنهجي الذي يبرز هو ما إذا كانت الاصوليات الدينية تزعج اوروبا وامريكا طالما ان نتائجها السلبية خارج اراضيها فعندما خططت اوروبا لقيام اسرائيل كانت تتوخى اهدافا استراتيجية على المدى الزمني الطويل ابرزها خلق كيانات مصطنعة ومنع قيام وحدة بين شعوب ودول المنطقة العربية وتقليص دور او تأثير الفكر الوحدوي القومي ومنع قيام انظمة عربية ديموقراطية حقيقية في الشرق الاوسط والاستمرار في نهب ثروات هذه المنطقة والاستفادة من اليد العاملة الرخيصة في اوروبا وامريكا.
كما أن الفكر الاوربي يرفض المقارنة بين الأصولية الصهيونية والأصولية الإسلامية، فالفكر الاستيطاني الصهيوني نتاج مشروع سياسي استعماري اوربي امريكي في حين أن الفكر الأصولي الإسلامي نتاج مشروع سياسي عربي اجهضته الهزائم العسكرية المتلاحقة ويشكل ردا على مشاريع التسوية السلمية الاستسلامية. ولاشك ان سياسة كامب ديفيد واسلو ومدريد وانحسار المد القومي خلق المناخ المناسب لانتعاش الحركات الإسلامية ذات التوجه المتطرف.
إن الإسلام “المأزوم” كما ورد في خطاب ماكرون او شيوخه من المستشرقين هو “الإسلام” الأمريكي الذي مولت تطرفه وكالة المخابرات الامريكية – سي اي ايه – و ربيباتها المخابرات الأوربية وأرسلته إلى العالم الإسلامي والعربي للقتل والتدمير وتفكيك الدول وبذر بذور الطائفية في مجتمعاتها.
والقوانين المأزومة هي القوانين التي تشجع سياسات العزل للمهاجرين عندما تفرض الحكومات الاوربية والفرنسية خصوصا على فئة من المهاجرين الاقامة في معازل و” غيتوهات ” سكنية خاصة على أطراف المدن والحواضر فتعزلهم عن المواطنين الفرنسيين وكأنهم ” وباء ” يجب سحقه وابادته وظلت تتعامل مع المهاجرين كمواطنين من الدرجة الدنيا اما بسبب لونهم او عقيدتهم واليوم نسمع ماكرون يتهمهم بعدم الرغبة في الاندماج في المجتمع الفرنسي و تشكيكهم في قيم الجمهورية. انه يسعى لشيطنة الإسلام والمسلمين ليصنع من ذلك (قنابل الخوف) حتى يستثمره في الانتخابات بجانب اليمين المتطرف الذي بدأت تتصاعد أسهمه في برصة الانتخابات وتزداد حظوظه وشعبيته في اوساط الرأي العام الفرنسي بعد ان اتخذ من ( الإسلاموفوبيا) ومن المهاجرين أوراقا رابحة في كل المحطات الانتخابية والدستورية .
إن سياسة العزل العنصرية هذه في السكن والمدارس والوظائف والمستشفيات، تتعارض مع شعارات ومبادئ الثورة الفرنسية وقيم وقوانين الجمهورية الفرنسية.
لقد شهدت الساحة الفكرية في فرنسا منذ بداية الثمانينيات اهتماما متزايدا بأمور الإسلام والعمال المهاجرين لكن هذا الاهتمام لا يعني بالضرورة التعاطف مع قضايا هؤلاء المغتربين من العرب والمسلمين.
فهل كان الإسلام يمثل حاجزا أمام اندماج المهاجرين العرب المسلمين في فرنسا؟ هكذا بدا الصادق سلام كتابه “الإسلام والمسلمون في فرنسا ” وهو كتاب يقدم محاولة جادة في التعبير عن وجهة نظر الإسلام والعمال العرب المسلمين المغتربين (الجزائريين خصوصا) في ديار الهجرة ، ويتساءل الكاتب
هل كان يمثل الإسلام حاجزا أمام اندماج المهاجرين العرب المسلمين في فرنسا ؟وهل يشجع تصور الغربيين للحضارة العربية الإسلامية ورؤيتهم الخاطئة في هذا المضمار على الاندماج الذي يريده المجتمع الفرنسي لعمال لم يجدوا مساعدات خاصة من اجل تربية ابنائهم ؟
لقد عرض هذا الكاتب الجزائري في هذا المؤلف الهام جزءا كبيرا من بحثه لتحليل أهم المراحل التي شهدت تكوين تصورات الشعور الغربي المسيحي تجاه العرب والإسلام، فذكر بتسامح المسلمين وبفقههم وقوانينهم التي تجيز تعيين مسيحي أو يهودي في دواليب الدولة العربية الإسلامية، كما بين كيف تمكن كثير من المفكرين ورجال الدين المسيحيين من الاقامة في المدن والحواضر العربية والإسلامية واستطاعوا أن ينهلوا من الحضارة العربية الإسلامية ودراسة الدين الإسلامي على حقيقته بل منهم من دعا إلى الحوار مع المسلمين ( القديس فرانسوا).
لقد كانت نظرة الاستشراق الاكاديمي نظرة ظالمة ضاربة بعروقها في التقليد الاوربي المسيحي القديم والأفكار المسبقة على الإسلام وحول الإسلام بل ما تزال قائمة الذات وهي متغلغلة في عقول الساسة الاوربيين الجدد ..فهم يتخبطون في أزمة ضمير وأزمة إنسانية مستفحلة ويجرون وراءهم فكرة واحدة لا شيء يضاهي الغرب في قوته ونفوذه وفكره وقوانينه..
إنهم يستحضرون ذكريات ماضي الصراع المتأصل في اللاوعي الجماعي وما يجره هذا من حفيظة واحتقار وسوء تفاهم .. هذا الماضي البعيد وما زخر به من تنافس بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي، أثر على العاطفة الغربية وعلى النفسية الغربية في خلق نظرة عدائية ظالمة في غالب الأحيان إلى العرب والمسلمين عامة زادت منها الدعاية الصهيونية المرتكزة على الشعور بالإثم نحو” اضطهاد” اليهود ولو أنهم لا يعترفون بكونهم هم اصحاب المحرقة ؟؟؟
إننا لم نكن ننتظر من ماكرون أن يقول صراحة إن الإسلام يعيش اليوم أزمة، لأنه ليس مؤهلا أن يتكلم على الإسلام أو عن الدين بقدر ما هو مؤهل ان يتكلم عن الدولة والمجتمع.
وإذا كان يشعر بقلق حضاري فليعد قراءة كتابات فرويد ( قلق في الحضارة )-(مستقبل وهم) فقد يجد في هذه الكتابات ما يجعله يقتنع بأن الانسان يجب أن يحظى بالسعادة التي ينشدها مهما قارب أن يكون الها ؟؟

*الدشيرة الجهادية

الكاتب : ذ: محمد بادرة* - بتاريخ : 10/10/2020