عندما تصبح أفكار اليمين المتطرف حول الهجرة في صلب القمة الأوربية

باريس: يوسف لهلالي

عندما كان قادة الاتحاد الأوربي يعقدون قمتهم الأخيرة (17و18 أكتوبر) ببروكسيل، اختارت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني هذا اليوم، لنقل عدد من المهاجرين خارج إيطاليا، نحو ألبانيا، ليس من أجل اعادتهم إلى بلدانهم الأصلية أو بلد العبور، بل من أجل نقلهم إلى مراكز خارج إيطاليا من أجل دراسة وضعيتهم. بمعنى أن إيطاليا كلفت بلدا آخر من اجل إيواء مراكز حجز المهاجرين واللاجئين ودراسة وضعيتهم خارج التراب الإيطالي، وهي فكرة ليست جديدة، فقد استعملتها بريطانيا في السابق دون أن تنجح من خلال نقلها هي الأخرى لمهاجرين إلى رواندا من أجل دراسة ملفاتهم.
إيطاليا قدمت نفسها في هذه القمة باعتبارها بلدا وجد حلا لوقف الهجرة غير النظامية، وهي إشارة إلى المجلس الأوربي وإلى القمة الأوربية من أجل تمويل هذا المقترح الإيطالي المكلف جدا والمنعدم الفعالية، وانتقدته العديد من البلدان الأوربية الكبيرة التي تستقبل أكبر عدد من المهاجرين مثل ألمانيا. وقال المستشار الألماني أولاف شولتس أمام الصحافة إن هذه المراكز ليست سوى “قطرة في بحر” و”ليست حلا” لـ “الدول الكبرى” مثل ألمانيا.
في نفس الاتجاه صارت تصريحات رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو أن هذه “المراكز” “لم تثبت أبدا في الماضي أنها فعالة جدا وكانت دائما مكلفة للغاية”. فيما اعترضت إسبانيا بشكل واضح على هذا الاقتراح، بينما تلزم فرنسا الحذر داعية إلى “تشجيع العودة حين تسمح الظروف بذلك”، بدلا من ترحيل المهاجرين “إلى مراكز في دول أخرى”.
الموقف الفرنسي تحكمه اعتبارات متعددة منها رغبة الحكومة ووزير الداخلية برونو روتايو تقديم قانون جديد للهجرة مطلع هذه السنة يكون أكثر تشددا. وهو ما يمكن الحكومة من إلهاء التجمع الوطني وأنصاره الذي يتوفر على فريق برلماني كبير بالجمعية الوطنية، وحاجة الحكومة إليه لتجنب ملتمس رقابة يمكن أن يطيح بالحكومة.
هذه التصريحات والمواقف الأوربية جاءت للرد على الاتفاق الذي أبرمته إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني، رئيسة الحكومة وزعيمة حزب “إخوة إيطاليا” اليميني المتطرف، مع ألبانيا، حيث أرسلت يوم الخميس الماضي أول المهاجرين الذين تم اعتراضهم في المياه الإيطالية.
وعلى هامش هذه القمة نظم الإيطاليون اجتماعا غير رسمي بحضور ميلوني لتشجيع “هذه الحلول التي اقترحتها روما لمواجهة الهجرة، وشاركت فيه حوالي عشر دول بينها هولندا واليونان والنمسا وبولندا والمجر، في هذا اللقاء، حضرته رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين. وهو ما يعكس الوضع المركزي الذي أصبح يتمتع به ملف الهجرة في بلدان الاتحاد الأوربي، وذلك عقب ضغط أحزاب اليمين المتطرف التي تسجل تقدما سياسيا كبيرا في العديد من دول أوروبا، خاصة أن المندوبية السابقة أقرت في شهر يونيو الماضي الميثاق الأوربي للهجرة الذي أثار سخط المنظمات العاملة في مجال الهجرة.
وقالت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن التي حضرت في بروكسل اجتماعا لكتلة «وطنيون من أجل أوروبا»، وهي ثالث قوة سياسة في البرلمان الأوروبي بعد انتخابات يونيو الاخيرة، إن البعض في الاتحاد الأوروبي «يسمعون ما كنا نقوله منذ سنوات». بمعنى أن أحزاب اليمين المتطرف حتى قبل أن تصبح في الحكم بأوروبا أصبحت أفكاره في صلب القمة الأوربية.
رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين عبرت عن رغبة المندوبية الأوربية في اقتراح قانون جديد حول الهجرة في رسالة وجهتها الى الدول الـ 27. من شأنه مراجعة «توجيهات العودة» الصادرة عام 2008، من أجل تسهيل عمليات الترحيل والطرد على الحدود الأوربية.
وإذا أصبح الاوروبيون اليوم متفقون حول سياسة التشدد والصرامة تجاه الهجرة المستلهمة من أفكار اليمين المتطرف الأوربي، فان الاختلافات مازالت مستمرة حول الطريقة المثلى لذلك وحول طريقة حماية الحدود الخارجية، وكذلك لاختلاف الوضع الجغرافي بين بلدان توجد على الحدود الاوربية مثل إيطاليا، اسبانيا واليونان والمجر وبلدان للعبور أو الاستقرار مثل فرنسا وألمانيا وهولندا، بالإضافة الى الضغط الذي يشكله تصاعد اليمين المتطرف في مختلف البلدان الاوربية. وقد رأينا المثال الألماني حيث اضطرت حكومة شولتز الاشتراكية إلى تعطيل اتفاقية شغنن من أجل الحد من تصاعد قوة اليمين المتطرف في الانتخابات التي عرفتها بعض الجهات بألمانيا، وهو ما مكن حزب شولتز من الحفاظ على تقدمه الانتخابي بهذه المناطق، فكل بلدان أوروبا اليوم بما فيها فرنسا وألمانيا، وهما البلدان الاساسيان بأوروبا، رهائن لدى تيارات اليمين المتطرف التي أصبحت افكارها حول الهجرة تطبق بأوروبا حتى قبل أن تتسلم زمام الحكم .

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 22/10/2024