عندما يصبح الهروب عبر البحر خيارا أخيرا يصبح الإصلاح الحكومي ضرورة ملحة

حنان الخميسي (*)
تابع الرأي العام الوطني، بقلق، الأحداث الأخيرة التي حولت شمال المملكة من وجهة سياحية عائلية نشيطة إلى معقل للهجرة السرية، ومكان خصب لكل أنواع التجاوزات. لقد كانت هذه الأفعال متنفسا لشباب مقهور، يعبر عن مكنونات صدره الدفينة. شاهدنا معا ممارسات لا يمكن وصفها إلا بالمرعبة، تستدعي منا جميعا طرح سؤال واضح وبسيط: من المسؤول؟ أو بتعبير آخر، من يحمل على عاتقه مسؤولية ما وصل إليه هؤلاء الشباب من يأس وبؤس؟
في الآونة الأخيرة، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات مثيرة للريبة تدعو إلى التوجه نحو مدينة الفنيدق في 15 شتنبر، بهدف اقتحام معبر باب سبتة المحتلة، سواء عبر البحر أو بتجاوز السياج المحيط بها. هذه الدعوات التحريضية تعاملت معها السلطات الأمنية بجدية حيث عملت على تأمين المنطقة لضمان عدم حصول أي تجاوز من أي نوع حفاظا على أمن المنطقة وأمان الساكنة وحفاظا كذلك على أرواح شابات وشباب حتى أطفال غرر بهم
واستغلوا حاجتهم بأبشع الوسائل .
هناك عدة نظريات حول ما جرى، وأبرزها تشير إلى أن هناك جهات مستفيدة هي من تحرك هؤلاء الشباب نحو الهجرة، للهروب من بلدهم إلى بلاد لا يعرفون عنها سوى الاسم. يغامرون بحياتهم، وهم يدركون جيدًا أن الهجرة عبر البحر قد تؤدي إلى وفاتهم، سواء غرقا، أو هجوما مفاجئا من حوت ضخم، أو حتى رصاصة غادرة من ما وراء الحدود المصطنعة. تظل النتيجة واحدة: الموت محتوم واحتمالية النجاة تكاد تكون منعدمة.
تبقى هذه النظريات مجرد تخمينات، لكن النظرية الأكثر وضوحا هي أن الحكومة قد فشلت فشلا ذريعا في امتصاص غضب الشباب واستيائهم في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعيشها بلادنا. كما أنها فشلت في كبح الاحتجاجات الاجتماعية التي طالت جميع المجالات، ولا تزال مستمرة حتى اليوم، وأبرزها قطاع: الصحة والتعليم والعدل. أوليس هذا دليلا قاطعا على فشل الحكومة في تلبية توقعات الشعب، وخاصة فئة الشباب الذين يعيشون في ظروف اقتصادية مزرية، في ظل ارتفاع معدلات البطالة، وشعورهم بالإحباط والخوف من مستقبل غامض؟ هذا المستقبل الذي أصبح فيه التفكير في الهجرة السرية هو الخيار الأخير للبحث عن حياة أفضل، حياة يتمسكون فيها بالأمل بدلا من الألم، رغم المخاطر الكبيرة التي تواجههم في هذا الطريق.
إن الحكومة ووسط كل هذه الأحداث المتسارعة، لم تحرك ساكنا، بل تعاملت بأسلوب بارد كالثلج ظهر جليا في طريقة تعاطيها مع هذه الأزمات. سواء من خلال عدم تقديم خطط ملموسة للتعامل مع القضايا الاجتماعية الملحة، والتي تتطلب منا تدخلا عاجلا و تظافر الجهود ، أو من خلال أدائها في مناسبات رسمية تخص الأحزاب المنتمين إليها، كجلسة افتتاح الجامعة الصيفية للشبيبة التجمعية على سبيل المثال. هذا الحدث، الذي كان من المفترض أن يكون منصة لطرح استراتيجيات جديدة وحلول إبداعية لمشاكل الشباب، وعلى رأسها مشكلة البطالة، انتهى على أنغام هزلية «مهبوووول أنا…» وكأنه استعراض بعيد كل البعد عن هموم المواطن العادي، الذي ضاق ذرعا بسياسة النعامة التي تنتهجها الحكومة، فبدلا من توجيه الحوار نحو معالجة جذور الأزمات التي يمر بها المغرب، شهدنا تجاهلا واضحا للمشاكل الحقيقية التي تدفع الشباب إلى التفكير في الهجرة، وبدلا من اتخاذ خطوات فعلية نحو تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، نجد الحكومة تفضل الخطابات الجوفاء والوعود غير القابلة للتنفيذ. هذا يعزز الشعور بالعجز لدى الشعب ويدفع نحو مزيد من الاحتقان الاجتماعي، مما يخلق بيئة خصبة لاستمرار ظاهرة الهجرة السرية والرغبة في البحث عن بديل يضمن لهم العيش الكريم، لأن ما حدث في 15 شتنبر ليس إلا قطرة في غيمة ممتلئة تنتظر الوقت المناسب لتفيض قطرات.
حقيقة لا يجب أن يمر هذا الأمر مرور الكرام. يجب ربط المسؤولية بالمحاسبة، بل والإقالة إذا لزم الأمر. لو كانت هذه الحكومة تحترم نفسها وتحترم المواطنين الذين وثقوا بها، ولو قليلا، لكانت قد استحت مما اقترفته في حقهم، وتنحت عن مسؤولياتها. ففي نصف ولاية فقط، أفسدت سنوات من الجهود المبذولة في التسويق الإيجابي لصورة المغرب وإظهاره في أفضل صورة، وهذا أقل ما يمكنها فعله لتدارك هذه الفضيحة، وحتى لا تستمر البلاد في دفع ضريبة فشل سياساتها غير المدروسة والمفتقرة لعقل حكيم واحد يستمع لصوت المنطق، لأن المستقبل، شئنا أم أبينا، لا ينتظر أحدا، والأجيال الصاعدة بحاجة إلى فرص مضمونة وأفق جديد يرسم لهم طريقا نحو حياة كريمة تزرع فيهم أملا يحيي فيهم شغف البدء من جديد هنا.. ليس بعيدا عن بلدهم الأم .. بلدنا الأم..المغرب.
(*) عضو المجلس الوطني للشبيبة الاتحادية
الكاتب : حنان الخميسي (*) - بتاريخ : 20/09/2024