عوامل الإرتداد من الداخل..في السودان؟؟

عبد الله راكز

1/إواليات الفِعل المُفترض:

سبق للمفكر الإجتماعي غالي شكري في مؤلفه الشهير” الثورة المضادة بمصر ” أن لاحظ أن إواليات الفعل تفترض عمليا(وليس بالصراخ الهلامي) أن نحدد تاريخ الثورة المضادة(كفعل هام) من داخلها وخارجها ، باعتبارها عوامل ارتداد نشأت في تربة بورجوازية هجينة نمت بالعالم العربي كنتيجة لأزمة ولادة البورجوازية به. بورجوازية تبعية هجينة نشأت أصلا بالواقع التجاري تساندها شريحة ضيقة من الفلاحين(=الملاك) وشريحة أضيق من الموظفين(=البيروقراطية التابعة لها).
وإذن، فإن نظام التماثل بين النظام المصري(منذ التحاقه بكامب ديفيد) والنظام السوداني (المؤقت/الدائم) ينحصر في كون الثورة المضادة هو تاريخ الثورة نفسها،فمن داخلها وخارجها معا كانت تنمو عوامل الإرتداد.وهو مانشهده الآن.
يضيف غالي شكري،أن هذا الإرتداد(على الأقل في مصر ) يرجع لامحالة إلى النشإة المغايرة كيفيا لنشأة البورجوازية في الغرب،وأن هذه الأخيرة قد تركت بصماتها على مسيرة الطبقة الوسطى.فلقد تلقت تلقت الضربة الأولى في ظل نظام اوتو-تيوقراطي، فيما ولدت فئات اجتماعية متخلفة في أسلوب الإنتاج وعلاقات الإنتاج معا ؟؟ .لنعد إلى السودان(في ظل نفس منطق التماثل ).
لعل التجربة السودانية تفيد في القول(وحسب مرجعية غالي شكري)،إن نجاحها(للأسف) يتجه إلى تتبع نموها وهي تقطع بحدّها الثوري جذورها الأولى وتتجه إلى الحد النقيض.
2/ خيبة أمل البورجوازية المتوسطة بالسودان:
يستمد ماقلناه سابقا، حضوره الطاغي مما يُصاغ كصورة غد للعالم العربي(وليس السودان لوحده)،وربما لحركة التقدم به(إن وجدت؟)،أكثر من أي شيء آخر. أما إحالتنا في فهم الإرتداد بالسودان على غالي شكري،فلأنه فهم نقديا طبيعة الثورة المضادة في مصر،وهي بالتباساتها وحيثياتها تُماثل إلى حدّ بعيد أختها الجارية الآن بالسودان.
هو ارتداد لاخلاف في ذلك،يُعبر عن خيبة أمل البورجوازية المتوسطة بالسودان التي نشأت أصلا في القطاع التجاري،تساندها شريحة واسعة من الفلاحين وشريحة أضيق من الموظفين، وتتداخل مصالحها بالضرورة مع الاحتكارات الأجنبية. هذه النشأة المغايرة لنشوء البورجوازيات في الغرب قد تركت بصماتها على مسيرة الطبقة الوسطى،ليس في السودان فقط،بل بكل العالم العربي مع بعض التفاوتات الثانوية في الأصل؟.
على هذا النحو ،فنحن أمام ظاهرة طبقية هي:ظاهرة تكوين البورجوازية المتوسطة بالسودان التي كان من الممكن(إذا ما توافر لها الوعي بذلك ) أن تقود الثورة السودانية بوطنية عالية وتمنع عنها أي ارتداد ممكن.
في خيبة أمل البورجوازية المتوسطة بالسودان وفي توجهها الى الحدّ النقيض. يكمن تفسير ارتداد بلد اللاءات الثلاث إلى القطع مع حدّه الثوري. ويكمن أيضا تفسير لماذا وضعت الثورة السودانية النظام(المحاصصي الإنتقالي) أمام خيارين لاثالث لهما: طريق الإندماج بالسوق الرأسمالي العالمي أي طريق أمريكا بالإختصار(وقد تم).وطريق تصفية نفسه كممثل لذات البورجوازية المذكورة،بالاندماج بالقاعدة الشعبية،وبخلق ميكانيزمات التحول الديموقراطي الصلب ،بتصفية (أي بتحييد)العسكريين واللاعلمانيين ودعاة القومية الميتافيزيقية(وليس القومية بمعناها التاريخي العلمي ) من المرحلة الإنتقالية.
هذه مرحلة جديدة يدخلها السودان،سميناها بالثورة المضادة وهي موجبة بدافع تداعي المعاني على الأقل،بتحديد لمعنى الثورة،أي للفعل الذي نتج عنه للأسف رد الفعل.
فهل كانت الثورة السودانية حقا،ثورة حقيقية؟؟.

الكاتب : عبد الله راكز - بتاريخ : 02/11/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *