فلندا والسويد تباغتان روسيا بورقة «الناتو» بينما تركيا تساوم على العضوية

عبدالرحمان رفيق

لقد غيرت الحرب، بلا شك، في مفهوم الأمن والسلام عند دول كثيرة في أوروبا، ولم يعد الحياد واستقلال الرأي متواجدا بعدها، خاصة أن الدعاية الأمريكية تلعب دورا في بث القلق بين الأوروبيين من روسيا ونواياها، مما جعل الدول المجاورة لها تبحث عن ضمان أمنها والاحتفاظ بمكاسبها وحياتها الرغيدة.
لكن إذا كان الجار القوي يمكن أن يكون مصدر تهديد لها فما قيمة الحياد؟ هذا ما جعل دولتي فنلندا والسويد تتراجعان عن حيادهما، مع العلم أن الدولتين يتمتع سكانهما بالسعادة والحياة الطيبة والحريات ويعيشون دون تلوث، وهما بالطبع ليستا على استعداد للتنازل عن هذه السعادة التي ينعم بها شعبيهما، غير أنه في الأيام السابقة رأينا (فنلندا، والسويد) تعلنان عن طلبهما الانضمام للناتو على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث أن هذا الغزو جعلهما أكثر احتياجاً لأن يكونا جزءاً من التحالف لتأمين أنفسهما من أي عمل عسكري روسي محتمل ضدهما.
ومن جانب آخر فإنه منطقي جداً، أن الخوف من روسيا يكون هو الدافع لطلب الانضمام للناتو، والحاجة لمظلة تأمين أكثر فاعلية من قدراتهما الذاتية في مواجهتها، غير أن هذا الخوف كان موجودا منذ زمان، وهو خوف ذو طابع استراتيجي وتاريخي، لكن الجديد الذي شجعهما على أخذ هذه الخطوة في هذا الوقت تحديداً، هو أن حرب أوكرانيا كشفت حدود قدرات روسيا العسكرية وجعلتهما أقل قلقاً من رد فعلها، على اعتبار أن تورطها في الحرب واستنزاف قدراتها، يجعل الوقت الحالي فرصة تاريخية لانضمامهما للناتو.
والمؤكد في كل الأحوال، أن روسيا أرادت من الحرب استغلال لحظة اختلال توازن الغرب، في تقليص مساحة الناتو ووضع حدود صارمة لتوسعه، وبالتالي تغيير توازن القوى في أوروبا والعالم، لكن في المقابل تظهر أمريكا بخطة جديدة؛ وهي أن الناتو يرغب في ضم دولتين لا تقلان من حيث أهميتهما الاستراتيجية لروسيا عن أوكرانيا، بينما زادت علامات الاستفهام على مدى قوة روسيا العسكرية.
ونحن نعلم أن الانضمام للناتو يمنح الحلف مساندة معنوية وغطاء استراتيجيا مؤثرا أو كاسرا لأي غزو خارجي، انطلاقا من أن الميزانية الأساسية مرتبطة بقرار أمريكي ومرونة الأعضاء، كما أن حلف الناتو ستبعث فيه الحياة من جديد، وسيكون توسعه شرقا بلا أي مانع أو تهديد.
زيادة على ذلك فإن الناتو يرغب في إنقاذ ماء وجهه بهذا التجديد عن طريق ضخ دماء جديدة، وأيضا زيادة التفوق العسكري الذي يعتبر بمثابة الرد العملي والحاسم ضد مخططات «بوتين» المرسومة بدهاء في فن الحروب.
أما بالنسبة لموقف تركيا بعدم الموافقة على دخول (فلندا، والسويد) إلى الناتو؛ فهو راجع أساساً في رغبة تركيا أن تكون موافقتها على ضم (السويد، وفلندا) إلى الناتو مقابل موافقة الاتحاد الأوروبي على دخول تركيا في عضويته بوعد أوروبي صريح، وأيضا المساومة في الحصول على صفقة الطائرات الأمريكية، والأرجح أن هذا هو ما سوف يحدث في ظل ظرف أمني ضاغط، ولا يتحمل إضاعة الوقت في الرد على مثل هذه المناورات التركية.
خلاصة القول، إن روسيا ستجد صعوبة في قبول نتائج الحرب حتى الآن، وبالتالي ستستمر عبثا في محاولة ترميم صورتها، وسيؤدي ذلك إلى استمرار أوكرانيا كمستنقع لتآكل القوة الروسية، تماما كسيناريو أفغانستان في مواجهة الاتحاد السوفييتي.

الكاتب : عبدالرحمان رفيق - بتاريخ : 24/05/2022

التعليقات مغلقة.