قرار البرلمان الأوروبي وحكاية حقوق الإنسان

محمد المموحي

كشفت بعض الأوساط المقربة من الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني عن حجم الضغوطات التي تعرض لها نواب الحزب للتصويت على القرار الذي دافعت عنه رئيسة البرلمان الأوروبي المالطية – روبيرتا ماسيولا- ومعها الفريق الفرنسي الذي يقف خلفه اللوبي الصناعي والعسكري لفرنسا وألمانيا، وهو ما أشارت إليه جريدة «الكونفدوسيال» الإسبانية ، كما كشفت أيضا شخصيات من اليمين الفرنسي المتطرف بالبرلمان الأوروبي أن الغاز الجزائري الذي تلهث وراءه أوروبا لتعويض عجزها في مجال الطاقة الذي تعانيه بسبب العمليات العسكرية باوكرانيا، كان وراء القرار، وهي نفس المواقف المتطابقة مع مواقف نواب الحزب الشعبي اليميني الإسباني PP .
ومعلوم أن علاقة المغرب بأوروبا شابتها العديد من مظاهر الفتور وصلت حد النفور والتوتر مع فرنسا وألمانيا في محطات كثيرة بعد إعلان الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق دولاند ترامب اعتراف بلاده بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية المسترجعة من إسبانيا منذ سبعينيات القرن الماضي، وهو الموقف الذي سحب البساط من تحت أقدام فرنسا، على وجه التحديد، باعتبارها الدولة الأوروبية، التي تدعي صداقتها التاريخية مع مستعمرتيها، الجزائر والمغرب، وبقيت مخلصة لاستمرار استغلالهما باللعب على صراعهما الذي افتعلته الجزائر وغذته ومولته حتى أصبح عقيدة لدى حكامها.
والسؤال المطروح الآن في قراءة مضامين هذا القرار للبرلمان الأوروبي ورسائله هو :
هل أوروبا جادة في طرح قضايا حقوق الإنسان والحريات خارج فضائها كمحدد لسياستها الخارجية؟ أم أن الخلفية الحقيقية الكامنة خلف القرار هي مصالح اللوبي المصالحي الصناعي العسكري ؟
في سياق هذا السؤال لابد من التذكير أن الديموقراطيين المغاربة وكل القوى اليسارية والتقدمية كانت ومازالت مناضلة من أجل احترام حقوق الإنسان وحرياته في الصحافة والإعلام لأجل مجتمع ديموقراطي وإقامة دولة المؤسسات والحق والقانون، وقد كافح هؤلاء من أجل هذه المطالب وأدوا ضرائب كبيرة من حرياتهم وحياتهم وأسرهم في سبيلها وفي زمن الجمر والاستبداد، كان فيه البرلمان الأوروبي ينعم بخيرات الأنظمة، التي تفسح المجال لدوله وساسته للاستمرار في نهب شعوب إفريقيا والأمة العربية، ويكفي للتدليل على ذلك، حالة الاستغلال البشع التي تمارسها فرنسا مع شعب النيجر ودولته، التي تعتبر أكبر منتج لمادة اليورانيوم، الذي يوفر الطاقة النووية لفرنسا «الأنوار وحقوق الإنسان « بينما شعبها الإفريقي الوديع لا يتوفر حتى على إنارة الكهرباء، دون التذكير كيف كان موقف فرنسا والغرب عموما من قضايا المعتقلين السياسيين المغاربة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في زمن الرصاص ومعتقل تزمامارت وغيره، كيف كان موقفهما من السرفاتي ومن معه من معتقلي حركة «إلى الأمام» و «منظمة 23مارس» و الشيخ عيد السلام ياسين وغيرهم، لقد كان موقفا جبانا خانعا لمصالح حكامه، حتى أبدع المغرب، بتوافق مع الملك محمد السادس، المصالحة التاريخية في الإنصاف والمصالحة وجبر الضرر الفردي والجماعي وطي صفحة الماضي، والتوافق على إبداع خريطة طريق لمغرب جديد بديموقراطيته الناشئة وبنموذجه التنموي الواعد والعائد إلى عمقه الإفريقي، وهو بيت القصيد الذي أقلق كل الدوائر الاستعمارية القديمة في أوروبا الحالمة بالابتزاز السخيف الذي يسعى إليه القرار الأوروبي المعني .
إضافة الى هذا السياق السياسي لابد من تذكير من هو في حاجة إلى ذلك، أن القضايا الحقوقية موضوع قرار البرلمان الأوروبي والمتعلقة بملفات معتقلي احتجاجات الحسيمة، هي قضايا سبق للقضاء المغربي البت فيها و إصدار أحكامه في سنوات 2017 و 2020 ، وهي الأحكام التي طالبت مختلف القوى الوطنية باطلاق سراح المعتقلين فيها، تقديرا من كل القوى الوطنية والديموقراطية المغربية أنه من مصلحة المغرب مواصلة الجهود الجماعية لأفق جديد يسحب البساط من كل المتربصين بالمغرب وبمصالحه العليا .
عاش المغرب..ولا عاش من خانه.

الكاتب : محمد المموحي - بتاريخ : 25/01/2023

التعليقات مغلقة.