قمة دولية للفكر العربي بمعهد العالم العربي بباريس

باريس: يوسف لهلالي

تمت قمة الفكر العربي تحت رعاية الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران، الذي منحها بعدًا خاصًا في ضوء الأحداث التي تعرفها المنطقة العربية، في ظل حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني واللبناني منذ أكثر من سنة بدعم غربي مطلق.
بالنسبة لإدغار موران، هذه القمة هي «نافذة واسعة على تشابك وعمق الفكر العربي، بعيدًا عن الفكر الأحادي، التبسيطي والمختزل الذي قاومته طوال حياتي. ورغم أن هذا الفكر قد يبدو أحيانًا مختلفًا عن فكرنا، إلا أنه يستكشف المعارف بطرق متميزة، ويبنى في سياقات تاريخية ولغوية وثقافية قد تكون أقل معرفة لدينا، ومع ذلك، فقد أثر هذا الفكر بعمق على الفلسفة الغربية.»
وبالنسبة للفيلسوف الفرنسي، فإن هذه القمة «فرصة لاستكشاف هذا الفكر ومناقشته ومشاركته من خلال لقاءات متميزة تجمع كبار المثقفين من العالم العربي.» وهي قمة تعذر عليه الحضور إليها لأسباب صحية.
هذه القمة عرفت العديد من الموائد المستديرة التي سادتها شهادات حول الأوضاع التي خلفتها الحرب، مثل قطع المساعدات على المنظمات النسائية العربية التي لا تشاطر ولا تؤيد حرب الإبادة ضد الفلسطينيين. «
الجميع نبه إلى الوضع الإعلامي في الغرب الذي تحول أغلبه إلى دعم للرواية الرسمية لليمين المتطرف الإسرائيلي الحاكم اليوم في تل أبيب، ومحاربة كل من يخرج عنها واتهامه بمعاداة السامية وتأييد الإرهاب، وهي تهمة أصبحت جاهزة ضد كل من يخرج عن ‘الإجماع الغربي’ المصطف وراء الرواية الرسمية لحكومة الاحتلال.» هذه الوضعية لم تسلم منها حتى الرياضة حيث تحول المشجعون العنصريون والعنيفون إلى ضحايا وممثلين لذاكرة الضحايا، رغم أن هؤلاء «الهوليغنز» لا علاقة لهم بهذه الذاكرة، وربما أغلبهم لا يعرف تاريخها، وبقي غارقًا في سلوكيات العنصرية لاعتقاده أنه الأسمى والأقوى في العالم.
وكان هذا اللقاء الذي استضافه معهد العالم العربي فرصة للتعرف على مثقفين وكتاب برزوا في العقد الأخير، وهي فرصة لاكتشافهم واكتشاف غنى الفكر العربي وحيويته وإلهامه كما يقول إدغار موران. ليضيف أنه لمواجهة الظلامية والخوف لا بد من التوفر على الأسلحة الحقيقية من معارف سياسية وتاريخية وثقافية. طبعا، من خلال موائد متعددة عرفتها هذه الندوة في مواضيع متنوعة مثل الإعلام المستقل، الحركات النسائية، التموضع تجاه الفكر العربي الإسلامي، الفكر العربي والاستعمار، الاستشراق والاستغراب، والعلوم الإنسانية بالمنطقة.
«المثقفون العرب غير معروفين في الغرب، وبعضهم حتى في بلدانهم العربية، والمعهد العالم العربي هو دوره الأساسي في التعريف بهذا العالم وبمثقفيه، وبعضهم غير معروف حتى في العالم العربي»، يقول رئيس المعهد العالم العربي جاك لونغ لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» حول مغزى هذه الندوة الفكرية.
وأضاف: «هذه الندوة التي سوف ننظمها كل سنتين ستكون فرصة لإبراز غنى الثقافة العربية. اليوم هناك نوع من التجاهل أو أحكام القيمة في التعامل مع هذا الفكر وهذه الثقافة، وإذا أخذنا اليوم الإعلام الفرنسي الذي يتجاهل هذا الفكر ولا يهتم به بتاتا، فهو لا يهتم إلا بأبطال الشاشة أو أحداث الإثارة، للأسف. وهذا دور معهد العالم العربي بباريس، وهو العمل على المدى البعيد للتعريف بهذا الفكر، بترجمة بعض الأعمال العربية والتعريف بها في فرنسا. ما يحدث اليوم هو تراجع دور الثقافة والتربية والمعرفة ويتم إعطاء الأسبقية للمصالح والحروب.» يقول رئيس معهد العالم العربي للحديث عن ما يحدث في الغرب وعن دور المعهد في فتح الأبواب نحو هذا الفكر وهذه الثقافة.
هذا اللقاء الفكري في معهد العالم العربي بباريس شارك فيه العديد من المثقفين من مختلف البلدان العربية. ومن المغرب، ساهمت العديد من الوجوه المعروفة، مثل الباحثة في الفكر الإسلامي أسماء لمرابط، التي تحدثت عن التجربة المغربية وعن الإسلام السمح ومحاولة المغرب كنموذج البحث عن طريق خاص به يجمع بين قراءة مستنيرة لتراثه العربي الإسلامي وبين اقتسام قيم الإنسانية التي ليست قيمًا للغرب وحده بل لكل الحضارات الإنسانية التي استفاد منها الغرب نفسه لبناء ذاته. وشارك من المغرب أيضًا الأنثروبولوجي حسن رشيق الذي أعطى لمحة عن العلوم الإنسانية في المغرب، وكيفية إعادة تأهيل علم الاجتماع بالمنطقة.
ويهدف هذا اللقاء أو قمة الفكر العربي بباريس، حسب معهد العالم العربي، تحت رعاية إدغار موران، إلى تأكيد حيوية الإنتاج الفكري، إبراز الشخصيات الهامة التي تساهم في إنتاج وتطوير الأفكار المعروفة، وتعزيز الفكر العربي والأوروبي من خلال اللقاءات والمناقشات.

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 16/11/2024