كرامة المواطنين بين منطوق الدستور ومرارة الواقع

إسماعيل فيلالي

تبين من خلال المبادرة الإنسانية التي تقوم بها مؤسسة محمد الخامس للتضامن في الجبال والأرياف القرى النائية، بتقديم مساعدات،والتي شملت بعض الأقاليم، أن الوضع الذي يعيشه المواطنون في الواقع الملموس كارثي، بعيد كل البعد عن الحياة الكريمة التي يجب أن يعيشها كل المغاربة على حد سواء ، كما نص على ذلك دستور البلاد . حيث يقول في تصديره ما نصه : « إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون ، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة ، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء مجتمع متضامن ، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة ، وتكافؤ الفرص ، والعدالة الاجتماعية ، ومقومات العيش الكريم ، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة «. و بعيد أيضا عن الجهوية المتقدمة التي بدأ العمل بها منذ سنة2015، والتي اختارها المغرب لخدمة المواطنين لكي يعيشوا هذه الكرامة و العدالة المفقودة ؛ لكن الذي اتضح بعد عقد من الزمن ، تقريبا ، تبقى الجهوية مجرد حبر على ورق يستفيد من ميزانيتها المنتخبون كما سبق لنا أن أشرنا إلى ذلك في مقالات سابقة عن المجالس الجهوية والإقليمية والمحلية، وإلا فأين هم رؤساء الجهات والأقاليم، وما هو الدور الذي يقومون به في هذه الظروف الطبيعية الصعبة والقاسية المرفوقة بغلاء الأسعار التي تجاوزت حدود المعقول ، والتي تستفيد منها كما هي العادة لوبيات الاحتكار و المضاربات والفسادو تجار الأزمات والموت ، الذين يستنزفون جيوب الكادحين و المستضعفين دون خوف من الله أو خجل أو حياء .
لقد سبق أن قلنا ، إن إنجاح الجهوية المتقدمة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وتنمويا و ثقافيا، يجب أن ينطلق من إعطاء الأولوية للمناطق المهمشة والفقيرة، و ذلك بتخصيص ميزانية خاصة بهذه الأوقات القاسية من جهة ومن جهة أخرى اتخاذ المبادرة لمساعدة الإنسان في هذه المحن ، خاصة في المناطق الجبلية التي أصبحت ساكنتها تئن تحت وطأة البرد والفقر والهشاشة في غياب عدالة مجالية تخفف من تداعيات التغيرات المناخية.
لقد ظهر واضحا من خلال التغطية الإعلامية التي واكبت هذه المساعدات الإنسانية أن المواطنين يعانون من مشاكل لا حصر لها تشكل عنوانا كبيرا لغياب هذه الكرامة و المساواة و العدالة الاجتماعية و المجالية ، خاصة في مجال التعليم والصحة والمسالك الطرقية ، و البنيات التحتية المتردية ..
و في الوقت الذي كنا ننتظر من الحكومة التسريع بتفعيل الجهوية أطلّ علينا وزير الداخلية باقتراح جديد لتفعيل هذه الجهوية بعد مرور ما يناهز 10 سنوات ،وذلك بإحداث أربع لجان موضوعاتية وهي لجنة التنمية الاقتصادية ولجنة النقل ولجنة التكوين المهني والشغل ولجنة البيئة ، لتفعيل هذا الورش الكبير الذي كان و لا يزال المواطنون يراهنون على فعاليته وإنقاذهم من الغبن والهم الذي يعيشون فيه . والسؤال المطروح : هل ما زلنا في حاجة إلى النقاش لتكريس الجهوية المتقدمة ودورها في حماية المواطنين في الحر والقر؟ هل قدرنا أن نعيش كل هذا الانتظار ؟ فكم نحتاج من الوقت لكي يعيش المواطن هذه الكرامة بشكل ملموس على أرض الواقع، ومن دون انتظار للإحسان و مدّ اليد ؟ إن تفعيل مسلسل الجهوية المتقدمة والتنمية الترابية بصفة عامة ما فتئ يسير ببطء كبير، ولم يعرف أي تطور على أرض الواقع ،خاصة في بعض الجهات المهمشة والمنسية، كل ما تعرفه هو هدر الميزانيات الضخمة المخصصة لتعويضات المنتخبين،و مكاتب الدراسات والمؤتمرات والندوات والسفريات والتنقلات ومنح الجمعيات المحظوظة ، وغيرها من المصاريف التي لا يستفيد منها المواطن إطلاقا …
إن تنزيل الجهوية المتقدمة كاستراتيجية وطنية كما رسمها الدستور المغربي يجب أن تعيد صياغة المشروع السياسي والإداري للبلاد كأفق للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والترابية. في جميع الجهات بدون استثناء لكي يستفيد من خيرات الوطن كل أبناء الوطن الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل عزة الوطن ورفعته ، وبذلك تتحقق العدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة التي يتحدث عنها الدستور . و حتى لا يعيش المواطنون تحت رحمة الظواهر الإحسانية ، التي ترافقها هالة إعلامية كبيرة ، تتكرر في كل مرة تحت أغطية كثيرة، يجب أن نستحضر عين العقل ونستبعد غريزة العاطفة ، فالمغاربة لا يحتاجون إلى الإحسان والصدقة ، بل يحتاجون إلى الاستفادة من ثروة الوطن ، كما يحتاجون إلى ما يحفظ كرامتهم ونخوتهم ووطنيتهم ، كما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية، التي تقدر الإنسان حق قدره، وتعطي للحياة الكريمة قيمة مضافة بتخصيص رواتب شهرية لكل أبناء البلد حتى وهم عاطلون عن العمل…

الكاتب : إسماعيل فيلالي - بتاريخ : 02/03/2023

التعليقات مغلقة.