كم من الدماء ستراق!
فابيولا بدوي
لا يوجد ما يمكن معاودة الحديث عنه الآن حول الألم والصدمة والوجع الذي أصاب السواد الأعظم من الشعب المصري فور الإعلان عن حادث شمال سيناء، لكنني حينما أقول الغالبية العظمى فأنا أعنيها، فقد كشفت هذه الفاجعة بما لا يدع مجالا للشك، أن منا للأسف من يحمل من العداوة والكراهية والغل ما يفوق التصور أو ما يمكن أن تعبر عنه الكلمات.
عانت باريس منذ عامين من صدمة مماثلة ومفاجئة وفاجعة، ولم نسمع مواطنا واحدا اتهم قيادة البلاد أو أمنها بالتواطؤ أو الخيانة أو حاول بعثرة الشكوك حولهما، بل عاشت البلاد فور الهجوم الإرهابي مشهدا من الوحدة الوطنية يضرب به المثل، التزم خلاله أشد المختلفين حينها( اليمين المتطرف) بكل ما تفرضه مقتضيات الوحدة الوطنية التي تحولت إلى واجب وليس مجرد اختيار.
بعدما هدأت النفوس، فإن أقصى ما تم توجيه هو بعض الانتقادات لأداء الرئاسة والحكومة لا تعدو كونها اختلافات في وجهات النظر، لتأخر الحكومة في فرض حالة الطوارئ وبعض الإجراءات الاستثنائية الأخرى حماية للبلاد عقب حادث الهجوم على صحيفة شارل إبدو، بما يؤشر إلى أنها كانت اختلافات صحية تعكس وجهات نظر متباينة حول رؤية كل فصيل سياسي ناضج لما يمكن أن يجنب بلاده بعض ويلات الإرهاب.
ولم نقرأ أو نتابع تصريحات شخصية واحدة من النخب أو البسطاء، وجهت اتهاما صريحا أو حتى تلميحا لقيادات البلاد بفرنسا، بالتفريط أو التهاون أو السعي لتنفيذ مخطط، إلى آخر ما سمعناه من تحليلات وتعليقات وتطاول.
إذا لم تدفعنا أشلاء جثث الأطفال في المساجد والكنائس وصرخات أهالي الضحايا إلى التعالي عن أي اختلافات وخلافات، فمتى يمكن أن يحدث هذا؟
هل الغرض من تلك العملية الدموية البشعة هو الترويع وإعلان هؤلاء القتلة عن أنفسهم ووجودهم، وربما أيضا إخلاء شمال سيناء بالكامل؟ الإجابة بديهيا هي نعم.
هل يعقل ونحن نرفض اتهام المعارضين بالخيانة أن نوجه لقيادات البلاد اتهامات ملتوية بأنها مستفيدة من ذلك الحادث الرهيب؟ نعم هناك من يرغب في إخلاء سيناء، لكنها ليست قيادات الدولة كما يروج أقزام الوطنية لتنفيذ مخطط القرن، الذي هو مخططهم في الأساس، لكنها جماعات الدم التي تستميت كي تستولي على هذه الأرض لتعلنها إمارة إسلامية خالصة، وهو ما لن تتمكن منه يوما بإرادة هذا البلد قيادة وشعبا.
وحينما نتحدث عن وجع وطن لا نستثني منه أحدا، فالأمر لا ينسحب فقط على المواطنين والبسطاء، بل تحتاج اللحظة إلى وعي ويقظة وتلاحم ومصداقية أيضا، فالحديث عمن يروج الشائعات والشكوك حول الحادث لا يجب أن يأخذ منا أكثر من حجمه، وهو معرفتنا اليقينية بأغراضهم وأهدافهم لا أكثر ولا أقل، وأظنهم قد تعروا تماما.
في المقابل نأمل أن يرحمنا شيوخ السلفية من فتاويهم وأصواتهم وآرائهم التي تفرق ومن المستحيل أن تجمع، وتتلاعب بعقول الصغار لتنشئة الأجيال على التشدد والانغلاق والكراهية.
فالوحدة الوطنية تعني أيضا حماية المواطن كرامة وفكرا، وعدم إهدار قدرته على المشاركة، فالتلاحم لا يعني على الإطلاق أن يسود الصمت.
وتفرض على مؤسستنا الدينية أن تجيبنا، هل داعش التي هي بيننا اليوم كافرة، أم مجرد جماعة مسلمة لا تلتزم بتعاليم الدين؟ وهل سيتم تنقية المناهج الأزهرية بالكامل وبشكل حاسم، أم ستظل مسألة حذف بعض الصفحات من مرحلة تعليمية وترحيلها إلى أخرى هي السبيل الوحيد لادعاء الفعل والتجاوب والإيجابية؟
وأخيرا هل سنرى نخبا حقيقية قادرة على مواكبة التهديدات أم سنسمع المزيد من التنديد والشجب والمزايدة كسبيل أوحد لا تعرف هذه النخب طريقا سواه لوجودها واستمراريتها؟
الكاتب : فابيولا بدوي - بتاريخ : 07/12/2017