كيف تحول ميدان التحرير إلى ميدان «النكسة» ؟

نورالدين زوبدي

من بين ما آثار انتباهي في الزيارة التي قمت بها إلى القاهرة الأسبوع الفارط ، في إطار فعاليات المؤتمر العالمي الحضري في نسخته الثانية عشرة، آراء المصريين الذين صادفتهم، التي تعبر عن خيبة آمالها لما ألت إليه الأوضاع بعد “ثورة الربيع العربي”.
القاهرة عالم آخر، وضجيج في كل مكان، نتيجة الازدحام وفوضى السير والجولان، حيث إن أصوات منبهات السيارات والدراجات النارية هي لغة التواصل بين السائقين ذوي الوجوه الشاحبة، والتي تبدو غاضبة من خلال ملامحها وأجوبة أصحابها.
وفرة مياه النيل المخترقة للقاهرة، لم تجلب السعادة لساكنة هذه المدينة الكبيرة والآهلة بالسكان ( 12مليون)، فعدم وجود مساحات خضراء ونافورات بالشوارع يجعل منها مدينة كئيبة يغلب عليها الصخب والضجيج والازدحام .
أثناء عودتي رفقة بعض الأصدقاء من أحد الأسواق المعروفة المسماة ” خان الخليلي “، الذي يشتهر بعرض المنتوجات التقليدية المصرية، سأل أحدنا السائق عن ميدان التحرير، فكان جواب السائق: “دا مش ميدان التحرير دا ميدان النكسة ” ، واسترسل في الحديث عن الواقع الذي أصبحت تعيشه مصر بعد الثورة، وهو مقتنع بأن ما حدث كان نكسة في أرض الكنانة وتراجعا لم تعرفه خلال حكم مبارك.
السيناريو نفسه تكرر مع سائق “التكتوك ” الذي امتطيناه من أحد المطاعم الشعبية المتواجدة بالأحياء القديمة التي تسمى ” وسط البلد “، المعروفة بأطباق الحمام المشوي، من أجل العودة إلى الفندق المطل على نهر النيل، حيث انتفض غاضبا لما خاطبه أحد الأصدقاء بالقول:” مصر تغيرت مع السيسي ” ، وقال بصوت عال ” أنا ما احبيوش والمعيشة أصبحت غالية … ..” ، ورغم محاولتي إيقافه عن الكلام فقد ظل يردد عبارات الرفض والتذمر إلى أن وصلنا باب الفندق .
شاهد آخر كان سائق طاكسي أيضا، الذي عبر بدوره عن رفضه لواقع مصر، واستشهد بحاله هو أيضا، حيث قال :” أنا موظف بالإدارة المالية واشتغل بالليل كسائق لأواجه تكاليف العيش التي تزداد يوم بعد يوم ” ، ولم يقف عند هذا الحد بل تكلم عن التطبيع وأمور أخرى، ولما سألته : هل أنت من الإخوان ؟أجاب: أنا ليست متحزبا أصلا.
كل هذه الشهادات والارتسامات الحية النابعة من واقع معيش، تدفع في اتجاه واحد، وهو أن الثورة لم تحقق مطالب الشعب في الحرية والعيش الكريم، وأن وصول الإخوان إلى السلطة كان نقمة على الشعوب العربية لعدة اعتبارات مهمة.
أولها، عدم وجود مشروع مجتمعي حاضن للجميع، ومقبول من المجتمع الدولي، إذ لا يمكن أن تقبل دول إقليمية استيطان مشروع سياسي يعتبر نفسه بديلا لكل الأنظمة القائمة .
في ظل هذا الوضع، ينظر الشارع المصري إلى ميدان التحرير على أنه رمز لتعاسته ومحنته، ولم يعد ذاك المكان المقدس، الذي يجسد الثورة المجيدة. لقد أصبح يحمل صورة للإحباط والتذمر، وعنوانا لفشل السياسة في تغيير الأوضاع .
للدولة المصرية رأي آخر، فتحسين الحياة بالقاهرة يمر عبر بناء مدينة عصرية جديدة، بالمواصفات المطلوبة للعيش الكريم، حيث تعتزم تشييد مليون منزل لتخفيف الضغط عن المدينة القديمة، في أفق ترحيل أغلب الساكنة من أجل إعادة تأهيلها وهدم الأجزاء غير الصالحة للسكن .
واقع الحال يؤكد ذلك، ففي طريقنا إلى المركز المصري للمؤتمرات الدولية، يبهرك حجم المشاريع العمرانية والطرق السيارة التي تخترق المناطق والتصاميم الرائعة.

الكاتب : نورالدين زوبدي - بتاريخ : 12/11/2024