كَشْط القدرة الشرائية للناس والارتجالية في البناء الاجتماعي

مصطفى المتوكل الساحلي

من شفط تعويضات التقاعد وتجميد مستوى الأجور وسحقها بالغلاء، إلى تعمد التراجع عن مكتسبات حكومة اليوسفي وتبخيسها وتعطيل الأوراش الكبرى المفتوحة، إلى المساس بالحريات العامة والعمل النقابي والحق في الاحتجاج والاضراب وتبرير ذلك بإسناده تعسفيا للدين !؟، إلى اعتماد قرارات بنفس شعبوي سياسوي غير مضمونة النتائج على مستوى الالتزامات والوعود ولا محمودة العواقب من الحكومتين ما قبل الحالية واللتين امتلكتا من الجرأة المصطبغة بالتحدي والاستهزاء أحيانا، المتخفية وراء قاعدة غير عادلة ولا تنموية بزعم السعي نحو إصلاح الاقتصاد والمالية العمومية للمرور إلى تحرير الأسعار، وعدم تسقيف أثمنة المحروقات، وتعطيل آليات التشغيل الرسمية في الوظائف العمومية، ونهج مسار التجريب باعتماد»نظام « التعاقد الذي يجعل منظومة التعليم مفككة وغير مؤهلة للاضطلاع بأدوارها الرائدة وإدخال المنظومة التربوية إلى توجهات لم يستشر فيها المعنيون ولا ترضي الشغيلة التعليمية وكل من يفهم ويهتم بعلوم التربية والتكوين لأنها تضعف المكانة الرسالية التربوية والاستقرار المهني لقطاع لاتقوم النهضة والتقدم إلا بصلاحه وتوقير رجاله ونسائه، ومحاولات حثيثة من البعض كانت تسعى «لخصخصة» التعليم والصحة العموميين بعلة أن الدولة تنفق وتضيع أموالها على قطاعات اجتماعية إنسانية هوياتية ثقافية وأن من يريد التعلم والتداوي فعليه أن يدخل يده في جيبه -»يضرب»بتعبير آخر- والتي يعلمون أنها ستخرج فارغة لاحول لها ولاقوة بسبب سياسات مالية بنكهة طبقية لاتراعي أحوال وأوضاع الغالبية العظمى من الشعب الذي هو الثروة الفعلية وصمام الأمان والمنتج الفعلي للتنمية في جميع المجالات .. إنهم يسعون لإسكات العامة بنسبة الفقر بكل أنواعه للقضاء والقدر الذين هما فعل إلاهي ويعللون الغنى وكسب وتراكم الثروات بأن ذلك مشيئة الرب يوتيها لمن يشاء ويعظون الجميع بالرضى بالاوضاع كما هي لأن ذلك من رضى الله …؟!
إن المعادلة الاقتصادية الصحيحة هي المرتكزة على توظيف الأموال والثروات من أجل تنمية الشعب وازدهاره، وليس استعمال الشعب من أجل تنمية رؤوس أموال الأثرياء والبورجوازيين الكبار بغض النظر عن جنسياتهم الذين يستثمرون بكل الضمانات والتسهيلات ،، ولمل ء الخزينة العامة ..
لهذا يمكن القول إن الحكومة الحالية لم تستطع في الأشهر الثمانية الماضية أن تنزل قرارات وإجراءات وقوانين تنهض بالمجال الاجتماعي بطبقتيه الرئيسيتين الشغيلة والكادحين، والبورجوازية الصغرى وحتى المتوسطة ..، وازدادت الصعوبات والتعقيدات بسياساتها في تعاملها مع الإكراهات الهيكلية الموروثة والطارئة وطنيا وفي علاقة بالأوضاع العالمية وتداعيتها على سائر الدول، حيث يظهر أن العمل الحكومي لم تظهر آثاره المحسنة والمصلحة لأحوال وأوضاع الطبقات المتضررة أصلا من السياسات المعتمدة التي لايرى فيها الناس وأهل الاختصاص ما ينشدون تحققه في كل مجالات الإدماج والتأطير والتكوين وفي آليات التنمية الفعلية بعيدا عن الإجراءات الآنية الاستعراضية”الاحسانية» التي تكرس الفوارق الطبقية والبطالة المقنعة المؤديين إلى التهميش والإقصاء والمساس بكرامة الناس …
إن جيوب وقدرات المواطنين والمواطنات  تـــــشْفَطُ أيضا بسبب تداعيات السياسات العالمية وأصبح أمرهم متروكا للضربات والارتدادات السلبية التي تستنزف كل ما بقي من طاقاتهم وإمكانياتهم المتواضعة والضعيفة والمنعدمة كما أن الأوضاع الاقتصادية أثرت بشكل كبير على هشاشة الأوضاع الاجتماعية ورفعت من منسوب الخصاص وضيقت على مستوى العيش، ولن تقنع كل التعليلات الحكومية المدافعة عن تدبيرها المتضررين في حاضرهم والمتخوفين على مستقبلهم ومصائر أبنائهم، فمن يصلح الأوضاع ويحمي المواطن من التقلبات العالمية وامتداداتها … ؟
إن الحكومة تحتاج : إلى تغيير ثوري في سياساتها التي سطرتها في البرنامج الحكومي والبرامج القطاعية في ارتباط بغايات النموذج التنموي الجديد ، لأنها أصبحت بفعل واقع الأحوال في حاجة إلى برنامج حكومي جديد يوازن بين تنمية الرساميل والثروات وبين تنمية القدرات والأوضاع المادية والحقوقية والمعيشية للشغيلة المغربية والطبقات الشعبية ؟ وهذا يفرض على رئيس الحكومة أن يضع مقاربة جديدة يعتمد فيها على السياسيين أهل الاختصاص والخبرة والممتلكين للقوة الاقتراحية ليكونوا وزراء جدد وأن يواكب ذلك تعيين خبراء ومختصين في المجال الاجتماعي ببعده المالي والتنموي والحقوقي على مستوى مصالح الوزارات المعنية مركزيا وممثليها بالجهات والأقاليم، لضمان تنزيل تنمية بعدالة تواصلية وعملية مجاليا وقاعديا، تساير مصلحة الدولة التي هي من مصلحة الشعب، و لإعادة الحياة والقوة لمن كانوا يسمون بالبورجوازية الصغرى وحتى المتوسطة الذين أصاب الوهن والضعف قدرتهم على الاستهلاك وألزمهم اللجوء للمزيد من التقشف والتعامل مع الأوضاع الجديدة بطريقة لم يكونوا يتصورون وقوعها …
إن الرأسمالية العالمية الأنانية اللا إنسانية واللااجتماعية قدمت لسكان الأرض أبشع صور ليبراليتها وزيف شعاراتها ومبادئها..

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 15/06/2022

التعليقات مغلقة.