لماذا أرفض الرأسمالية ؟
عائشة زكري
ببساطة أرفض الرأسمالية لأنني أومن بالنظرية الاشتراكية كنظرية مفيدة وصالحة لتأطير المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا، مع الأخذ بعين الاعتبار، معطيات الواقع المجتمعي وخصائصه .
ولأنه كما قال كارل ماركس ” كل إثبات نفي، وكل نفي إثبات ” أي نفي للنقيض، ولذلك فإنني حينما أؤمن بالاشتراكية فأنني أرفض الرأسمالية جملة وتفصيلا .
ومن جهة أخرى يعتبر هذا المبدأ منهجا أساسيا في النظرية الماركسية التي تعتبر الاشتراكية هي الجانب ( منها ) المؤطر للمجتمع والتاريخ .
فإذا كانت الاشتراكية ترتكز على الاقتصاد الموجه من طرف الدولة في تحديد كميات الإنتاج والأسعار، بهدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي، فإن الرأسمالية ترتبط ارتباطا وثيقا باقتصاد السوق، ولذلك تترك الحرية المطلقة للفرد في تحديد قيم الملكية الخاصة، وأيضا لقوى العرض والطلب .
من هنا تقوم الرأسمالية كنظام ليبرالي على الحرية الفردية، دون مراعاة مصلحة الجماعة، ولذلك ترفض مبدأ التضامن والتآزر، وتؤمن،عكس ذلك، بأن لكل فرد حسب قدرته، من هنا تمايز وتفاضل بين القوي والضعيف، فتفتقد بذلك إلى البعد الإنساني والأخلاقي، وبالتالي إلى مفهوم الحق الجماعي .
إنها نظام اقتصادي يقوم بالأساس على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وتراكم الرأسمال،عكس الاشتراكية التي تؤمن بالملكية الجماعية لهذه الوسائل .
من هنا يرجع اتخاذ القرار في الرأسمالية إلى صاحب الثروة، أي صاحب المال وصاحب الملكية الخاصة، ولذلك يتحكم في الأسواق بشكل آلي .
وإذا كان هذا النظام قد عرف تطورا كبيرا في أوروبا الغربية منذ القرن 18 إبان انطلاق الثورة الصناعية، وأدى بالتالي إلى نمو اقتصادي مهم تسبب في ارتفاع مستوى المعيشة، فإنه في نفس الوقت عمل على تركيز السلطة في يد أقلية تنتمي إلى الطبقة الرأسمالية، مما نتج عنه استغلال بشع للطبقات الدنيا داخل المجتمع، أي للطبقات الشعبية، لأن الهم الأكبر للرأسمالية هو الحصول على الربح وبأية وسيلة، وهذا ما أدى ويؤدي باستمرار إلى ترسيخ فكرة اللامساواة كقيمة تكرس التفاوت الطبقي الشارخ داخل المجتمع .
ثم إن كلمة الرأسمالية نفسها توحي بتفرد البعض برأس المال، وبالتالي إقصاء الغير رغم كونهم يساهمون، كمنتجين وعمال، في تكوينه،عن طريق العمل والجهد الذي يبذلونه في عملية الإنتاج دون أن يتقاضون عنه أجرا ملائما، الشيء الذي يشكل فائض القيمة، الذي يكون ربح الرأسمالي، وهذا مظهر كبير وواضح للاستلاب البشع الذي تمارسه الرأسمالية .
هكذا ترتكز الرأسمالية على الحرية في الإنتاج وفي الأسعار والمنافسة، وهذا ما يترجمه مبدؤها الشهير ” دعه يعمل، دعه يمر ” .
لكن التمادي في هذه الحرية المطلقة أدى إلى هذه الفوضى المنتشرة في العالم اليوم، وتلك نتيجة طبيعية لهذا النزوع البشع إلى امتلاك القوة والرغبة في السيطرة .
ثم إن هذه الحرية لم تقتصر على المستوى الاقتصادي فقط، بل طالت مجموعة من المجالات الأخرى، مثل المجال الأخلاقي والاجتماعي والسياسي والحقوقي .
– فمن الناحية الأخلاقية مثلا نتجت عنها سلوكات غريبة داخل المجتمعات، خاصة تلك التي طغى فيها هذا النظام بشكل مطلق .
-و من الناحية السياسية أدى ذلك إلى مركزية القرار السياسي في يد الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج، وهي ظاهرة خطيرة جدا أدت إلى تحكم المؤسسات الاقتصادية الرأسمالية الضخمة في الحكومات وتوجيهها للسياسات العمومية، وهذا أمر مضر بالدول الفقيرة والنامية أيضا . من هنا يمكن القول بأن الدولة والحكومة تقوم بدور صوري شكلي ما دامت لا تؤثر في توجيه الاقتصاد، إنها أداة للتنفيذ فقط .
– لكنها من جهة أخرى ( أي الليبرالية )تتبنى الديموقراطية وتدعو إلى مشاركة المواطنين في إدارة الحياة العامة من خلال المؤسسات المنتخبة، وهذه نقطة إيجابية لكن تحتاج إلى تحليل عميق من حيث ممارستها وتطبيقها على أرض الواقع داخل المجتمعات المختلفة.
-ومن الناحية الحقوقية تنادي الرأسمالية بحقوق الإنسان، والتي تم إثارتها من باب مفهوم الحرية الفردية التي أسست عليها النظرية الليبرالية برمتها، لأن الرأسمالية هي نظام الفردانية وليس نظام الجماعة، إن الفرد عندها سابق على الجماعة ومصلحته سابقة على مصلحة الجماعة، وحقوق الإنسان لها طابع فرداني بالدرجة الأولى …
ومن جهة أخرى إن التركيز على حقوق الإنسان جاء من زاوية كون هذا النظام الرأسمالي جاء كبديل للنظام الإقطاعي الذي ساد في أوروبا خلال فترة القرون الوسطى كحكم مطلق إلى غاية القرن الثامن عشر ومجيء الثورة الفرنسية سنة 1789، التي عملت على صيانة هذه المبادئ والحقوق في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
هكذا يمكن القول كخلاصة لكل هذا إن الحرية الفردية وحقوق الإنسان والديموقراطية مزايا مهمة ورائعة نادت بها الرأسمالية، مما يؤدي إلى الحسم بأن النظام الرأسمالي كان نظاما تقدميا في بدايته، خاصة إذا قارناه بالنظام الإقطاعي الفيودالي السابق عليه ، لكن مسار تطوره وتعميق التناقضات الداخلية داخل المجتمعات شيء يحتم تجاوزه إلى النظام الاشتراكي، والدليل الأزمات الكبرى التي تعرض لها هذا النظام، منذ الأزمة الشهيرة سنة 1929، أي أزمة انهيار بورصة وول ستريت وانهيار الأسهم الأمريكية، ثم أزمة 1947 وبعدها أزمة 1969 ثم أزمة 1979 إلى أزمة 1987، هذا زيادة على السلبيات المختلفة التي تم الإشارة إليها سابقا .
– المغرب والرأسمالية
يمكن أن أبدأ بالتساؤل التالي: أية صفة يمكن أن نعطيها للنظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في المغرب ؟ هل هو نظام رأسمالي أم نظام اشتراكي أم شيء آخر ؟
في الدستور المغربي الباب الأول: الأحكام العامة: يقول ” نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديموقراطية برلمانية واجتماعية .”
ولا نعثر فيه على هذين المفهومين إطلاقا ( أي الرأسمالية والاشتراكية ). لكن يمكن أن نتأمل في كيفية التسيير والتدبير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للحكومة الحالية كنموذج.
إن الحكومة الحالية هي حكومة ليبرالية تتكون من ثلاثة أحزاب يمينية، وهذه الحكومة وصلت إلى الحكم طبقا لما يؤكده دستور المملكة لسنة 2011 أي الاعتماد على المنهجية الديموقراطية، وإن كان حزب الأحرار، الذي يقود هذه الحكومة قد سبق له أن تحمل حقائب وزارية مهمة في الحكومات السابقة مثل وزارة الاقتصاد والمالية، وزارة الفلاحة والصيد البحري، ووزارة الصناعة والتجارة … وغيرها، مما يدل على اختيار المغرب للنهج الليبرالي بشكل دائم، وبالتالي ترسيخ قواعد الحريات العامة والخاصة .
والدليل على ذلك أيضا تشجيع الاستثمارات الفردية في مختلف القطاعات مثل السياحة، صناعة السيارات، قطع الغيار، الفلاحة، الطاقة الشمسية والهوائية، وكذلك اعتماد نظام التجارة الحرة مع دول مختلفة حيث تم جلب مستثمرين أجانب ومغاربة أيضا.
وهذا معناه عدم تدخل الدولة في الاقتصاد وتشجيع الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الاقتصادي، مما يوضح أن الليبرالية في العالم هي ذات طبيعة واحدة وموحدة، ولذلك فهي تعتمد على نفس المنهج، ونفس الآليات الاقتصادية، لأنها ذات إيديولوجية واحدة، والفرق يكمن فقط في درجة الإنتاج وكميته ونوعيته .
من هنا يمكن أن نحدد سلبيات هذا التسيير الحكومي الليبرالي في :
-تعميق التفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء، والدليل على ذلك هيمنة عدد قليل من الشركات الكبرى والطبقات الغنية على جزء كبير من الاقتصاد المغربي .
– وهذا نتج عنه تكريس مستوى معيشي متدني لشريحة واسعة من المواطنين، وبالتالي تهميش مناطق واسعة من البلاد،خاصة في البادية، أي انعدام العدالة المجالية .
-انتشار البطالة بشكل مهول خاصة في صفوف الشباب وحملة الشواهد العليا، مع إفلاس كثير من الشركات، وبالتالي فقدان كثير من العمال لمناصبهم مما يوسع دائرة الفقر .
– سياسة التقشف القائمة على الاقتطاعات، وتخفيض مناصب الشغل في القطاعات الاجتماعية الحيوية، ورفع الدعم عن المواد الأساسية، وضرب صندوق المقاصة وخوصصة القطاعات العمومية وعلى رأسها التعليم .
-التهريب الضريبي وارتفاع مهول في المديونية .
-والنتيجة من كل هذا الاستحواذ على القرار السياسي من طرف الحكومة، وتهميش الدور الأساسي للبرلمان، وعدم التقيد بمقتضيات الدستور في تطبيق الديموقراطية التشاركية .
لكل هذا أقول “أنا أرفض الرأسمالية وأتبنى الاشتراكية” ولأنني كذلك تربيت في أحضان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
الكاتب : عائشة زكري - بتاريخ : 19/12/2024